الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حي الجمالية ..حيث يقطن التاريخ بكل تجلياته

حي الجمالية ..حيث يقطن التاريخ بكل تجلياته
14 سبتمبر 2014 21:07
يتمتع حي الجمالية بالقاهرة بشهرة تاريخية وعالمية، لأنه يضم معظم تراث العاصمة المصرية القديم، ففيه الجامع الأزهر ومسجد الحسين، وجامع الحاكم بأمر الله، والجامع الأقمر، وفيه أسوار القاهرة وبواباتها، والمدارس الأيوبية والمملوكية، والصاغة وحي النحاسين، وكذلك يضم خان الخليلي والغورية وغيرها من الأماكن التاريخية في هذا الحي الأثري المهم. زيارة إلى التاريخ عندما تزور حي الجمالية فأنت إذن في زيارة إلى تاريخ مصر عبر قرون عدة، حيث تسير في شوارع مر عليها خلفاء وملوك وأمراء من دول مختلفة حكمت مصر وتراكمت آثاراها يوماً بعد يوم حتى وصلت للأحفاد، كما إن هذا الحي عاش فيه سياسيون وعلماء دين بارزون وتردد عليه عدد من مشاهير الأدب والفن من كل دول العالم. وكل أحياء القاهرة القديمة كائنات لها تاريخ، فلا مدائن شيّدت في حدود الشرق الكبير بلا هوية هكذا بلا رباط؛ فالجمالية تعني محددين؛ زماني ومكاني يخرجانه من حيز السكون لحيز الوعي الناطق فخلفه رواية، وفي كل ناحية منه تشدك الحياة، بمعناها الكبير نحو عميق استنشاق المدلول اليومي من تفاعلاتها الممتدة لأقاصي أطراف التاريخ النائي البعيد، على ركام من خبرات وتجارب حرفية يدوية هي فخر الجمالية، ابتداءً من صناعات النسيج، والصباغة والتطريز، إلى الأدوات المنزلية والمنتجات النحاسية والفضية والذهبية والزجاجية، وهي تروي حكايات وأيام الفاطمية المجيدة وهي تدفعك دفعاً من ذكرى الليالي إلى حشدها الحديث حيث ناصر وثورة 23 يوليو، فهي تبقى ببريق سر أسمائها القديمة مصطحبة دلالة تراثها العريق ومنها الأسماء التي دق عليها نجيب محفوظ باب الخلود في رواياته مثل «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية»، والتي راقت له عناوينها الثلاثة فأثبت فيه روائعه التي دارت رحاها داخل الجمالية فهو واحد من أبنائه يروي ما يعكس له وجدانه. وهذا الحي الذي يُطلقون عليه شارع الفن والتاريخ يظل ممسكاً براية ونماذج لتطور الفن الإسلامي من فجر ما ترك الفاطميون والمماليك وما أنتج عصرنا الحديث. قداسة إيمانية حي الجمالية، هو قناديل من التاريخ بطابعها الشرقي معلقة بالأعماق من الوجدان، فأصل الرواية تبدأ بالدروب والأزقة لتوصلك إلى خان الخليلي في الجنوب الغربي، حيث ملتقى المساجد الأزهر الشريف، مسجد الحسين، جامع الأقصر، وجامع قلاوون ما يجعل نبض الحي قداسة إيمان، حيث تتجلى السمات الدينية والفنية، وينعكس تطور الفن الإسلامي، ومن النماذج الأثرية أيضاً نجد «بيت الفاطمي» و«بيت السحيمي». ولعل مقهى الفيشاوي هو الأشهر من بين كل المقاهي، فكم شهدت أماسيها الليالي تجاذب أطراف الحديث بين شاعر وعالم وأديب. وقد ظهر اسم «الجمالية» بدءاً من مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، عندما بدأ الأمير جمال الدين يوسف بن أحمد في بناء المدرسة المنسوبة إليه برحبة «باب العيد» عام 1407م ، وقد اعتبر هذا قلب المدينة النابض، حيث كان مركز الحكم (القصر الكبير، ودار الوزارة)، ثم أقيمت فيه المدارس، والمساجد والحانات، ووكالات القاهرة التجارية، حتى أصبح زاخراً بالحرفيين، والصنَّاع المهرة، وقد قام بدر الجمالي، بتشييد بوابتين محدداً بهما مداخل الحي من ناحية القاهرة «شمالاً»، وهما باب الفتوح، وباب النصر حيث تمتزج في عمارة هاتين البابين العمارة القوطية بالعمارة البيزنطية. وأحجارها مأخوذة من آثار الفراعنة منقولة من ميت رهينة في سقارة، وبالقرب من باب النصر والسور، ثكنات، كانت للجنود تسمى «وكالة قايتباي»، وقد تحولت الآن إلى مساكن شعبية. فنون العمارة يقول أيمن سيد، الخبير الأثري، إن “من أهم فنون العمارة الفاطمية الباقية بهذا الحي القصر الفاطمي الكبير، وجامع الحاكم بأمر الله، ودار الوزارة الكبرى، والجامع الأقمر بالإضافة إلى الرحاب، والميادين التي تحد هذه المنطقة شرقاً وغرباً مثل رحبة باب العيد، وبين القصرين، وحارات القاهرة التي كان يقيم بها الأمراء وكبار رجال الدولة في العصر الفاطمي، وفي العصر المملوكي، حلت محل القصر الفاطمي الكبير، العديد من العمائر الدينية، والتعليمية، والاجتماعية كمدرسة الصالح نجم الدين أيوب، ومدرسة الظاهر بيبرس، ومسجد الأمير مثقال، وقصر بشتاك، ودار سعيد السعداء، وجامع قلاوون. وحل خانقاه بيبرس الجاشنكير، والمدرسة القراسنقراية، محل دار الوزارة الكبرى، بالإضافة إلى المشهد الحسيني، ومدرسة آل ملك الجوكندار في الجنوب، والجنوب الشرقي للحي”، مشيراً إلى أن القصر الفاطمي الكبير هو مركز المدينة الفاطمية، ويقع في قلب الجمالية، وقد أزال الأيوبيون كل أثر لذلك القصر حين تولوا السلطة في مصر، أواسط القرن الثاني عشر الميلادي، وكان هذا القصر يشغل مساحة تبلغ سبعة عشر فداناً، وضم بين جنباته روائع الفنون الفاطمية، وتبارى الفنانون في زخرفته. الشوارع التاريخية من بين جليل حاراتها التاريخية في حي الجمالية، حارة بهاء الدين المعروفة الآن بشارع السيارج، وفيها أقام الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ شمس الدين السخاوي، وحارة برجوان التي تفتح على شارع المعز لدين الله، والتي ولد، وعاش فيها، مؤرخ مصر المقريزي، وفي الجهة الجنوبية لحي الجمالية، يوجد شارع بيت القاضي، وقد أوصل شارع الأزهر الذي شيد عام 1930م، حي الجمالية بأحياء عمرانية متطورة هي الأخرى مثل حي الأزبكية، والقاهرة الأوروبية التي خطط لها إسماعيل باشا، وألصقها بالحد الغربي للقاهرة القديمة. ويعتبر المشهد الحسيني، هو الأشهر والأكثر تجلياً ومن أهم مشاهد القاهرة التي ترجع إلى العصر الفاطمي، فقد تم نقل رأس الحسين إليه عام 1154م، ولكنه أخذ في الاتساع والنمو منذ نهاية القرن التاسع عشر، ليتمكّن من احتواء جموع المصلين. وفي وسط الجمالية، في شارع الدرب الأصفر، تقع واحدة من أجمل دور القاهرة الإسلامية الباقية إلى الآن، وهي الدار المعروفة بـ”بيت السحيمي”، والتي أقامها في القرن السابع عشر الشيخ زين الدين عبد الحي الطبلاوي، وقد رممت هذه الدار في القرن الثامن عشر حيث سكنها الشيخ أحمد السحيمي، شيخ رواق الأتراك بالأزهر، الذي نسب إليه البيت، ويحتفظ حي الجمالية بثلاث من بوابات الحارات القديمة التي كانت تغلق على سكان الحارة عقب صلاة العشاء، ولكل منها بواب مختص بها وهي بوابة حارة المبيطية، وبوابة حارة برجوان وبوابة الماضي. (وكالة الصحافة العربية) قهوة الفيشاوي بدأ نجم مقهى الفيشاوي، وهو من أشهر الأماكن الموجودة في حي الجمالية، في الصعود منذ ثورة 1919م، حيث اشتركت الجمالية في الثورة اشتراكاً واسعاً بما لديها من ميزة الجوار للأزهر، وبروز زعماء وطنيين من الحي، منهم الشيخ أحمد الزنكلاوي، والشيخ محمود أبو العيون، ومن هذا المقهى كان الخطباء يعلنون “الاستقلال التام، أو الموت الزؤام”. وكان مقهى الفيشاوي شاهداً على ماض له دلالات ومغزى، إذ كان بين روادها أدباء، وشعراء، وسياسيون أشهرهم حافظ إبراهيم، والشاعر البائس عبد الحميد الديب، والزجال بيرم التونسي، وأبو بثينة، وشيخ الملحنين زكريا أحمد، والثنائي الفكاهي حسين الفار وسلطان الجزار. وفي عام 1968م وضع مشروع توسيع ميدان المشهد الحسيني فتقرر إزالة المقهى حيث انتقل مقهى الفيشاوي من مكانه القديم إلى مكان جديد على بعد أمتار قليلة ليطل على الميدان الكبير، وكان هدم مقهى الفيشاوي إشارة إلى مرحلة أخرى من مراحل حياة حي الجمالية، لذلك فهو المقهى الوحيد في العالم الذي خصص له حفل تأبين شارك فيه العديد من الشعراء والأدباء والنقاد والصحفيين والموسيقيين. خان الخليلي بدأ حي خان الخليلي في الظهور في القرن الرابع عشر الميلادي كمركز للحرف التقليدية المصرية، ويطل على شارع الموسكي، وهو الحد الفاصل بين المدينة القديمة، والمدينة الجديدة التي أنشئت في منتصف القرن الماضي، ويعد خان الخليلي أحد أهم معالم هذا الحي، وهو أهم الأسواق السياحية في مصر، بل هو من أشهر أسواق الشرق الأوسط وأقدمها، حيث اشتهر بمنتجاته الذهبية والفضية والنحاسية والزجاجية وهي منتجات يدوية يصنعها فنانون مهرة توارثوا مهنتهم أباً عن جد. وقد أقام هذا الخان الأمير سيف الدين الخليلي عام 1387م، مكان “تربة الزعفران” الموجودة بالقصر الفاطمي الكبير، ويعد خان الخليلي اليوم من أشهر المزارات التي يؤمها السائحون. ومازالت الجمالية حتى الآن تحتفظ بالعديد من العادات والتقاليد والحرف المصرية القديمة، لذلك قامت وزارة الثقافة بالتعاون مع الجانب الفرنسي بوضع مشروع للحفاظ على الطابع التاريخي والحضاري لهذا الحي، بعد أن بدأت الحياة العصرية تغزوه، وتكاد تغيّر من ملمحه المتميز.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©