الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تهاني العيد تتحول إلى رسائل إلكترونية واللقاءات الحقيقية في «طي النسيان»

تهاني العيد تتحول إلى رسائل إلكترونية واللقاءات الحقيقية في «طي النسيان»
19 أغسطس 2012
لم تعد التهاني بالعيد تتخذ شكلا واحدا في ظل ثورة الاتصالات التي قربت البعيد واختصرت المسافات، ومع أن لهفة المعايدات والتباريك تكون أكثر دفئا عبر الزيارات وتشابك الأيدي بالسلام والتحية بـ«الخشم»، وتلاصق الأكتاف، غير أن الرسائل الالكترونية تحولت اليوم إلى بدائل، يستسهلها البعض من باب التواصل، فيما يلجأ آخرون إليها مضطرا بحكم السفر والبعد عن الأهل والأقارب والأصدقاء. تنقسم الآراء ما بين مؤيد ومعارض لهذا الأسلوب العصري من إلقاء تحية العيد والذي ينتشر بين فئات كثيرة في المجتمع، فتبادل التهاني لم يعد يقتصر على الرسائل النصية القصيرة التي ترسل عبر الجوال والتي شكلت بوقتها ظاهرة طارئة، إنما بات الأمر أكثر تفننا وانتشارا مع شعبية شبكات التواصل الاجتماعي التي تتسع رقعتها يوما بعد يوم، وإذا كانت المعايدات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، مقبولة من بلد لآخر، فما العبرة منها بين أفراد العائلة الواحدة وبين الذين يعيشون في الـ»الفريج» نفسه أو على بعد خطوات؟ وإلى أي مدى يصح القول بأن هذه الموجة العاتية التي تمر بالكبير والصغير سوف تقضي مع الوقت على التماس المشاعر الحقيقية والاتصال بالعيون؟ حتى أن المكالمات الهاتفية بقصد التهنئة بالعيد ما عاد سوقها رائجا في ظل شبح وسائل الاتصال المتنوعة. ولا يختلف اثنان على حجم الفائدة الاجتماعية التي أوجدتها وسائل الاتصال الإلكتروني. والتي تستخدم على مدار السنة بكبسة زر بهدف تفعيل الروابط بين الأشخاص وتزويدهم بالمعلومات، وإتاحة الفرصة لهم لاختصار ما يريدون قوله بأسطر أو حتى كلمات، لكن ما أن يحل العيد وهو أكبر فرحة للمسلمين، حتى تكون التوقعات ببهجة استقباله وسط الأهل والأقارب عالية جدا، ويكاد استسهال التعبير عن المشاعر بقدوم العيد عبر المفردات التكنولوجية من صور وبطاقات وما شابه، يقلص من حجم التوقعات طالما أن مسافة اللقاء عن قرب لا تشكل عائقا لأحد الطرفين، وفي المقابل لا ينكر أحد كم أن هذه البدائل الذكية تشكل همزة وصل محببة في بلدان الاغتراب وبين من أبعدت بينهم ظروف الحياة. بطاقة معايدة وتتحدث منال سعد عن المعاني الجميلة للتواصل خلال العيد بين أفراد العائلة الواحدة والمقربين، وتقول إن فرحتها بقدوم العيد لا تكتمل إلا بالتواجد وسط أهلها، لكنها منذ 4 أعوام تعيش بعيدا عنهم، وهي لا تتمكن من السفر إليهم غير مرة واحدة في السنة. وتذكر منال أنها من الأشخاص الذين يجدون متنفسا عبر وسائل الوسائط المتعددة، والتي برأيها أوجدت حلولا جيدة للإبقاء على الود حتى وإن على بعد. وتراها بمناسبة أو من دون مناسبة تتراسل مع إخوانها بشكل يومي مستفيدة من أساليب التواصل المجاني. وتشير إلى أنها جهزت بطاقة معايدة ضخمة، ابتكرتها بنفسها وزينتها بصدق المشاعر، وقد أرسلتها إلى أكثر من فرد من أهلها ومعارفها وذلك عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الأسلوب يعجبها لأنها في المقابل بدأت تتلقى الكثير من المعايدات المماثلة. عدا عن الرسائل النصية التي تطلع من خلالها على آخر أخبار أقاربها ومشاريعهم خلال العيد وهكذا. وتلفت منال إلى أنها منذ فترة طويلة لم تعد تجري مكالمات دولية معهم إلا ما ندر وذلك بقصد التوفير، إذ إن ثمة الكثير من الأساليب الأخرى التي تضعها وسط آخر مستجدات أحبائها في وطنها الأم من دون أن تتكلف أي فلس إضافي على فاتورتها. من جهتها ريما حسونة وهي أم لـ 3 بنات تقول إنها لم تكن تعرف التعامل مع جهاز الكمبيوتر. غير أنها وبهدف التحدث مع والدتها ووالدها عبر أحد ببرامج المحادثة تعلمت ذلك من ابنتها الكبرى. وتوضح أنها منذ ذلك الوقت تنعم بقضاء وقت ممتع برفقتهما صوتا وصورة، وهذا ما تنوي فعله خلال أيام العيد وأثناء تواجدها في البيت حيث بإمكانها مشاركتهما فرحة العيد وكأنها وسطهما. وتذكر ريما أنها لو كانت قادرة على السفر لمعايدة أهلها، لما تأخرت عن ذلك لأن الجلوس معهم في مثل هذه الأيام لا يعوضه أي شيء آخر في الحياة. ولكنها مع الاستفادة من البدائل وتطويعها بحسب الظروف من دون تأفف أو حسرة. وتعتبر أنها بفضل أحد برامج المحادثة الإلكترونية الذي تعيش معه ليلا نهارا، سوف تتمكن من مشاهدة كل من يأتي لزيارة والديها من الأهل والأقارب وحتى الجيران. وهي فرصة لا تعوض لتطلع الجميع على ملابس العيد التي اشترتها لبناتها وكذلك على بيتها وعلى ما جهزته من ضيافة العيد. وتقول ريما إنها مع فرحتها بما حققه التطور العلمي من وسائل تقرب البعيد حتى وإن كان في أقاصي الأرض، غير أنها لا تخفي حسرتها من تلك الشاشة التي تحول بينها وبين أحبابها. وتؤكد أنها لولا بعد المسافات لما لجأت أبدا إلى أسلوب التخاطب عن بعد، وتنتقد بذلك من يعيشون في البلد نفسه مع أقاربهم ويكتفون في العيد بمعايدتهم عبر الرسائل النصية. فايبر وبطاقة الأمر نفسه بالنسبة لاسماعيل قيس الذي ينظر إلى وسائل الاتصال المتعددة على أنها بدائل مريحة في حالات استثنائية. ويعتبر أنه من اللطف أن يتلقى المسلم خلال العيد المعايدات الإلكترونية من أشخاص يمنعه البعد الجغرافي من الالتقاء بهم، ولا يجد أي داع لانتقاد هذا الأسلوب، بل يرى أنه من غير اللائق أن يتخلف المرء هذه الأيام عن التواصل بالانترنت مع كل معارفه من دون استثناء، ولاسيما خلال العيد. ويقول اسماعيل إن العيد يفرض علينا واجب التزاور وصلة الأرحام تماما كما هو الأمر في شهر رمضان، وليس هنالك أي عذر بالتخلف عن ذلك لمن يقيمون في البلد نفسه، أما المغتربون وهو واحد منهم، فلهم أن يلجؤوا إلى التواصل التقني كل بحسب المتوفر. وعن نفسه فهو متزوج حديثا ولم يتمكن وزوجته من السفر خلال العيد للتواجد مع الأهل. لكنه على اتصال شبه يومي بهم من خلال تقنية تتيح التحدث المجاني عبر الانترنت، ويذكر اسماعيل أنه أرسل خلال اليومين الفائتين بطاقة معايدة عبر الجوال إلى أكثر من 75 شخصا من الأقارب والأصدقاء، وتلقى في المقابل رسائل تشكره على هذه اللفتة وتتمنى له عيدا مباركا وحياة سعيدة. من جهته يعترف جمال التميمي أنه يعتمد أسلوب المعايدات الإلكترونية في العيد وفي معظم المناسبات الدينية والاجتماعية الأخرى، وهو يعزو ذلك إلى تعذره عن زيارة جميع الأهل والأصدقاء خلال العيد على الرغم من أن معظمهم لا يقيمون بعيدا عنه. ويقول إن زماننا لم يعد الوقت فيه متاحا لمثل هذه الواجبات كما في السابق، ولا يرى خطأ في الاستعاضة عن الزيارات التقليدية باتصال من هنا أو رسالة وبطاقة معايدة من هناك. ويذكر جمال أنه خلال العيد يحرص وأسرته الصغيرة على زيارة دار أمه حيث يلتقي بإخوانه وأخواته وأبنائهم. وكذلك يفعل بالنسبة لدار حماه حيث يتبادل التهاني بالعيد مع أنسابه. أما ما عدا ذلك، فهو يختصر الأمر بالسلام العابر لأنه يفضل اصطحاب أبنائه إلى الملاهي فيما تبقى له من وقت خلال إجازة العيد. ويعبر جمال عن إعجابه بالتفنن في بطاقات المعايدة التي لم تعد ترسل بشكل تقليدي وإنما تضاف إليها الصور الحية والمتحركة، وهو من الأشخاص الذين يستمتعون بقراءة رسائل المعايدة التي ترسل على شكل شعر شعبي أو مقاطع تسجيلية تتضمن عبارات شعبية كان يستعملها الأجداد. يمحوها النسيان ويورد أستاذ علم الاجتماع الدكتور وفيق ابراهيم أن الانسان ابن عصره وزمانه ولابد وأن يتأثر بما يحوط به من مستجدات وتطورات على أكثر من صعيد، وهو في المبدأ لا يجد مانعا من التعامل مع الوسائط المتعددة طالما أنها تزيد من حال التآلف بين الأهل والأصدقاء. وذلك سواء بالنسبة لمن تبعدهم المسافات أو تقربهم، لأن الاطمئنان عن الآخر والسؤال عن أحواله، أمر مطلوب بغض النظر عن الطريقة. في حين أن الانتقاد يقع بحسب الدكتور وفيق ابراهيم على من يتخذون من الوسائل الإلكترونية قاعدة أساسية للتخاطب والتواصل مع الأهل حتى مع غياب الحجج المقنعة للقيام بالزيارات. ويوضح أن ثورة الاتصالات التي باتت متاحة بشكل كبير في مختلف الأوساط الاجتماعية الثرية منها والفقيرة، هي سيف ذو حدين، ويشير إلى أنها بقدر ما تحل أزمة تتسبب بها الغربة أو الابتعاد القصري عن الأهل، فهي قد تؤدي مع الوقت إلى الاستهتار بمعنى المشاعر الحقيقية. إضاءة قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور وفيق ابراهيم إنه لضمان صحة المجتمعات سواء في الأعياد أو خارجها، فإنه من الجميل أن يقوم المرء بجهد بدني بهدف التزاور والحرص على صلة الأرحام، ولو مرة في السنة لمن يعملون خارج أوطانهم، وذلك كي لا تتحول العلاقات لمجرد أحرف ما تلبث التكنولوجيا أن تتناقلها حتى يمحوها النسيان.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©