الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوكرانيا تعود إلى الحضن الروسي

10 فبراير 2010 21:10
فرِد واير كييف تأكدت الآن، تقريباً، عودة "فيكتور يانوكوفيتش" -الموالي لروسيا- للرئاسة في بلاده أوكرانيا، بعد مرور قرابة خمسة أعوام على التمنع الشعبي ضده خلال ما سمي يومها الثورة البرتقالية. وهذه التطورات ستستقبل، دون شك، بنوع من الرضا الهادئ في موسكو باعتبارها تمثل نصراً آخر لروسيا في منافستها المستمرة مع الغرب على بسط النفوذ على رقعة الشطرنج التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي السابق. ومنذ زمن ليس بالبعيد بدت روسيا نفسها وكأنها قد أصبحت مغمورة بتلك الموجه من الانتفاضات المؤيدة للديمقراطية التي أطلق عليها مسمى "الثورات الملونة"، والتي اجتاحت بعض الدول السوفييتية السابقة مثل جورجيا، وأوكرانيا، وقرغيزستان. غير أن ما حدث بعد سنوات من العمل الميداني الاقتصادي والسياسي الصبور، زيادة على حرب واحدة ضد جورجيا عام 2008، هو ما صنع الفرق، حيث إن روسيا تبدو الآن وكأنها متجهة نحو استعادة نفوذ لا ينازعها فيه أحد على منطقة الاتحاد السوفييتي السابق التي يعتبرها الرئيس الروسي "ميدفيديف" منطقة "النفوذ الروسي" الحقيقية. وعلى رغم ضآلة احتمال تحول الرئيس المنتخب "يانوكوفيتش" إلى دمية في يدي روسيا، كما يتوقع بعض من خصومه، إلا أن الشيء المتوقع هو أن يبادر الرجل إلى وضع نهاية لبعض السياسات الدونكيشوتية المناوئة لموسكو التي كان يتبعها سلفه في الحكم "فيكتور يوشينكو" الذي اعتبر في الغرب بطلاً لـ"الثورة البرتقالية"، ومنها على سبيل المثال بيع السلاح لجورجيا، وإقدامه مؤخراً على إطلاق لقب "بطل أوكرانيا" على زعيم حرب عصابات يدعى "ستيبان بانديرا" كان مناوئاً للاتحاد السوفييتي زمن الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي أثار عاصفة من الغضب في روسيا. والشيء الأكثر خطورة هو أن يعمد "يانوكوفيتش" إلى تعليق طلب انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي بشكل دائم، وإلى إبطاء سرعة الخطط التي كان يوشينكو قد وضعها لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، وتجاهل مطالب القوميين الأوكرانيين بطرد سفن البحرية الروسية من مقرها التاريخي في شبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود. ويعلق "فاديم كاراسيوف" مدير معهد "جلوبال ستراتيجيز" المستقل في العاصمة الأوكرانية "كييف" على ذلك بقوله: "لقد تغيرت الحقائق الجيوبوليتيكية بشكل واضح للغاية في صالح روسيا وعودة يانوكوفيتش لاشك أنها تجسد هذا التغير". والحقيقة أن التحول تجاه روسيا لا يقتصر على يانوكوفيتش وحده، إذ يرى الخبراء أن "يوليا تيموشينكو" التي لا تزال ترفض الاعتراف بفوز يانوكوفيتش الانتخابي، كانت هي أيضاً ستتبنى موقفاً أكثر وداً تجاه الروس لو كانت قد أصبحت رئيسة للبلاد. ويوضح "ألكسي كولوميتس" الباحث في "معهد الدراسات الأوروبية وعبر الأطلسية" المستقل في كييف ذلك بقوله: "إننا نعرف أن تيموشينكو كانت قد وصلت إلى صفقة واسعة النطاق مع رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين حول ديون الغاز الأوكرانية، ولمعرفتنا بما تتمتع به من براجماتية شديدة، فإن ذلك يدفعنا إلى القول إنها ما كانت أبداً لتسعى لتبني سياسات غير شعبية مثل الالتحاق بالناتو على النحو الذي قام به يوشينكو". وعلى رغم أن أوكرانيا قد بدت عقب الثورة البرتقالية وكأنها تميل باتجاه الغرب، فإن الدعم الشعبي لسياسات يوشينكو ظل ضئيلا للغاية وهو ما يتبين من أرقام استطلاعات الرأي التي كانت تظهر بشكل دائم معارضة ثلثي الشعب الأوكراني -على الأقل- للانضمام لـ"الناتو". وعلى رغم هزيمته في الانتخابات الرئاسية عام 2004 فإن "حزب المناطق" الذي يقوده يانوكوفيتش ظل يحقق نسبة عالية من الأصوات في الانتخابات البرلمانية اللاحقة خصوصاً في المناطق الشرقية من أوكرانيا الموالية لروسيا. وكان الكرملين الذي دعم مرشحه المفضل يانوكوفيتش في انتخابات 2004 التي زُعم أنها كانت مزوره، قد غير أسلوبه في التأثير على أوكرانيا، من التدخل السياسي الواضح والصريح إلى الضغط التجاري، خصوصاً في موضوع تزويد كييف باحتياجاتها من الغاز، وفرض قيود أكثر صرامة على الملايين من العمال الأوكرانيين الباحثين عن فرص العمل في روسيا. وعلى رغم أن الكرملين سعيد، لاشك، بالفوز الذي أحرزه يانوكوفيتش فإنه لا يتوقع أن الأخير سيرفع الراية البيضاء، ويخضع أمامه في النزاعات الثنائية مثل إمدادات الغاز، والتجارة، أو سعى روسيا لمد فترة استئجارها لقاعدتها البحرية في شبه جزيرة القرم. ويقول بعض الخبراء المتخصصين في الشؤون الأوكرانية إن وصول يانوكوفيتش إلى السلطة، قد يكون سبباً في حد ذاته لإثارة نوع جديد من التفكير في أوكرانيا حول الكيفية التي يمكن بها لكييف تحقيق التوازن الأمثل في العلاقات مع قاهرها التاريخي، وشريكها التجاري الأول في الوقت الراهن، وبين علاقاتها "الناتو"، وجيرانها في الاتحاد الأوروبي. وهناك رأي يحظى بقبول متزايد بين خبراء الأمن القومي الأوكرانيين مؤداه أن أفضل مسار يمكن لأوكرانيا اتباعه في هذا الشأن هو إعلان الحياد بين الشرق والغرب، والسعي لتطوير علاقات ديناميكية مع الجانبين. بيد أن كل ذلك يتوقف على ما إذا كان الدفء الحالي في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا سيستمر، أم أن البلدين سينحدران مرة أخرى إلى المبارزات الكلامية، على غرار تلك التي كانت تجري في زمن الحرب الباردة، والتي شاهدنا تجليات لها في الآونة الأخيرة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©