الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شتاء 2015 يحمل ختم «الجنرال الأبيض»

شتاء 2015 يحمل ختم «الجنرال الأبيض»
22 يناير 2015 21:05
نسرين درزي (أبوظبي) إنه الأبيض سيد الساحات ورداء الخير الذي طاف البلاد قبل بضعة أيام في زيارة هللت لها القلوب، وأكدت مجددا أن الأحلام تتحقق على هذه الأرض الكريمة التي لا تعرف المستحيل. فرش البَرَد صحراءها، وكلل قمم جبالها بالثلوج في تحية سلام وشموخ منحت الدولة مرة جديدة بطاقة التفرد والتميز والريادة. فشتاء الإمارات 2015، الذي نشرت صوره البيضاء على مواقع التواصل الاجتماعي، موثّقة بتسجيلات الفيديو لكريات الثلج، وهي تتناثر كالقطن وتغير لون الرمال والعشب، لا شك سوف يغير المعادلة المناخية في البلاد. سخاء الطبيعة شتاء الإمارات 2015، الذي خرج فيه السكان إلى العراء احتفاء بسخاء الطبيعة وجواهرها الهاطلة من السماء، وسوف يدخل في الذاكرة كحدث ناصع لن تنساه العيون وسوف تذكره الأجيال ويتحدث عنه العالم كظاهرة مناخية نادرة. ومع أنها ليست المرة الأولى التي تفاجئ بها الإمارات سكانها وضيوفها والمهتمين بتجسيد الأحلام وتحويل المستحيل ممكنا، غير أن الإنجاز المبهر جاء هذه المرة هدية من هدايا السماء. لحظات آسرة عاشها الكبار والصغار مع ساعات الفجر الأولى وعلى امتداد يوم 19 يناير الماضي عندما استيقظ الجميع على أجواء شتوية لطالما تمنوها. العاصفة مقبلة لا محالة.. برد شديد وهدير رياح يخترق الفتحات، ويكاد يقتلع الأشجار التي لم تشرق عليها الشمس بعد. المشهد المظلم من النافذة قبيل وصول باصات المدرسة بدا مكفهرا وغير اعتيادي لا يخلو من لفحات محببة وحنين لهواء يناير الرطب المبلل. دقائق سريعة نشرت في البيوت حالات طوارئ للبحث عن معاطف وقبعات تقي من الصقيع في الخارج، فيما غابت المظلات عن الحسبان. إذ لم يتوقع أحد أن الأمطار ستهطل بغزارة بعد أقل من نصف ساعة لتتواصل على مدى النهار فتملأ الشوارع وتروي الأرض وتغسل الواجهات وتنعش النفوس. والمفاجأة التي لم يصدقها أحد إلا باللمس والتصوير، كانت كميات البَرَد التي تساقطت لآلئ بيضاء على مدن الدولة. وأكثرها كثافة الكتل الثلجية التي تشكلت على مساحات شاسعة في منطقتي سويحان والعجبان. ولولا التزام الموظفين بالدوام الصباحي لفضل كثيرون البقاء أمام الشرفات يتأملون سخاء الطبيعة تدلي بخيراتها على البلاد في لوحات كانت من قبل أشبه بالخيال. لكنها بعد اليوم قد تصبح واقعا ينتظره السكان في موسم الشتاء ويتحين السياح قدومه كسبب إضافي يضعونه على قائمة البيانات التي تجعل الإمارات وجهتهم السياحية الأولى. فها هو جبل جيس في رأس الخيمة والذي يضم أعلى قمة في البلاد يتباهى هذه الأيام بمرتفعاته المغطاة بسماكة الثلوج. والتي تفوق بحسب الخبراء الكمية التي تساقطت على الجبل في عامي 2004 و2009، عندما ظن السكان أن مثل هذه الظواهر قد لا تتكرر، وتكررت بمحصلة أكبر شمولية أوسع انتشارا. مظاهر الفرح هذا ما يؤكده كبار السن الذين عاصروا مراحل مختلفة من مواسم الشتاء في الإمارات نافين أن يكون قد مر على البلاد مثل هذه الكمية من الثلوج والبَرَد. وكل ما يذكرونه من الماضي أن أكبر مظاهر الفرح كانت ترسم على الوجوه مع هطول الأمطار التي ترافقها آيات الحمد والشكر لفضل رب العالمين. ولا نكشف سرا عندما نقول إن أكثر المندهشين بظاهرة تساقط البَرَد التي عمت البلاد قبل أيام، هم الأجداد الذين يثمنون «الأبيض» كنعمة نادرة لم تشهاهدها أعينهم من قبل. فخلال سنوات عمره التي تناهز الـ 80 عاما أمضى معظمها في حفظ تراث البلاد من الاندثار، لم يشهد المواطن حسبور بن كداس الرميثي تساقطا مشابها للبَرَد. وقال بعبارات فيها الدهشة واضحة: «لما كان يأتينا مطر شديد عند الجزر، كنا نستبشر خيرا. وهذا ما يجب علينا فعله اليوم لأننا لم نعهد من قبل وصول الثلوج إلى بلادنا الصحراوية، لكن الله قادر على كل شيئ». وذكر الثمانيني أن أهالي أبوظبي كانوا يسعدون لقدوم فصل الشتاء حتى تمتلئ بركهم وتقل رحلاتهم إلى جزيرة دلما لجلب الماء، في حين أنهم اليوم أكثر رخاء ما يستدعي برأيه الحفاظ على النعمة من الزوال بدوام الدعاء. أما الناشط التراثي المواطن سعيد بن تركية الرميثي، الذي لا يعرف تاريخ ميلاده، والذي يفوق الـ85 عاما كما ذكرت زوجته ذكية، فقد أكد أنها المرة الأولى التي ترى عينه هذه المساحات من البَرَد في الإمارات. وقال إنه لم يكن ليصدق أن المشاهد البيضاء موجودة داخل البلاد، لولا مقاطع الفيديو التي سجلها أحفاده في سويحان وأطلعوه عليها. وهو من شدة فرحه أخذ ينشد أغنية الطفولة الأولى التي لطالما رددها أبناء جيله: «يانا مطر بإيد الله، كسّر حُوي عبدالله.. يانا مطر بِرعودة كسّر حوي سْعودة». مناخ غير اعتيادي عن الواقع المناخي غير الاعتيادي، الذي سيطر على البلاد يوم 19 يناير، صرح لـ «الاتحاد» إبراهيم الجروان المشرف العام للقبة السماوية والباحث في علوم الفلك والأرصاد الجوية معتبرا إياه حالة نوعية. وقال: إن إمارات الدولة لم تشهد مثل هذه الموجة منذ أكثر من 30 عاما بحسب السجلات، أو على الأقل لم تتساقط عليها حبيبات البَرَد بهذه الكثافة وهذا الانتشار من قبل. وشرح أنه في حال تكررت مثل هذه الأحوال الجوية المصاحبة لتساقط الثلوج أو البَرَد، فإنه يمكن الحديث عن تغيرات مناخية حادة في الإمارات حيث يطلق على مثل هذه الظاهرة صفة علمية لازمة. وأكد الجروان أنه خلال العاصفة الشتوية الأخيرة هطلت الثلوج على قمة جبل جيس التي تكللت بالأبيض نتيجة انخفاض درجات الحرارة عند أعلى نقطة إلى ما دون الصفر. أما ما تساقط على مختلف المناطق الأخرى من الدولة وتحديدا في سويحان والعجبان في أبوظبي، فهي حبيبات البَرَد التي لا تتحول إلى ثلوج إلا عند انخفاض الحرارة إلى حدود الـ6 درجات مئوية. وقد سجلت الحرارة انخفاضا بمعدلاتها حتى 12 درجة مئوية يوم 19 يناير، مما لا يمكن أن تتكون معه الثلوج. وأوضح الجروان أن كثافة البَرَد الذي تشكل في البلاد في سابقة تزامنت مع العواصف الثلجية وموجات الصقيع التي شهدتها بلاد الشام مؤخرا. توثيق إلكتروني ما أن بدأت خيوط المطر تنهمر على مناطق مختلف من الدولة حتى تهافت ناشطو الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بإرسال لقطاتهم الخاصة وعبارات الرضا العارمة. وسرعان ما ارتفعت وتيرة المشاركات بتنزيل مقاطع فيديو وصور للثلوج وحبيبات البَرَد وهي تجتاح المرتفعات والطرق. وقد رافقتها تعليقات فيها الكثير من عبارات الفخر كتبها المواطنون والمقيمون قابلتها عبارات الدهشة من المتصفحين حول العالم. ويكفي الدخول على مواقع مثل فيسبوك وإنستجرام وتويتر للوقوف عند ألبومات الصور المكسوة بالثلوج والفيديوهات المرسلة على صفحات بيضاء، والتي توثق يوما تاريخيا من مواسم الشتاء في الإمارات. لهو واستمتاع اللوحات الناصعة التي انتشرت في إمارات الدولة على مد العين والنظر تعامل معها الكبار والصغار بالفرحة نفسها. ومع أن الأمطار كانت تنهمر بغزارة فتحجب الرؤية ويرافقها تساقط البَرَد، إلا أن المشهد المبلل لم يمنع الأفراد والعائلات من التوجه إلى الطبيعية بسياراتهم واللهو بالكريات البيضاء والتدحرج فوقها ملتقطين أجمل الصور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©