لوس بوتمان·· حياة تنحاز إلى الطبيعة

في معرضها المائة الذي اقيم مؤخراً في قاعة ( فان هاينجن) بمدينة لاهاي الهولندية تعرض الفنانة الهولندية لوس بوتمان العديد من اللوحات مختلفة الحجوم، وتوجته كذلك بكتاب فخم ضم عدداً كبيراً من لوحاتها المنفذة بمادة الباستيل من مراحل مختلفة وشهادتين كتبهما شاعران أحدهما هولندي مخضرم وآخر عراقي شاب مع نصوص شعرية من وحي هذا المعرض · وجاءت الشهادة الأول التي كتبها الشاعر بيير بخارس بمثابة سرد قصصي نقدي وأحيانا جاءت فلسفيا في تصوير أهمية وجود المبدع في الحياة ، بل ضرورة وجوده التي تعد صفة ربانية أوجدها الخالق لتجميل الحياة وجعلها ممكنة، إذ بدون وجود مبدع خلاق يبشر بهذا الجمال فإن الأمر يبدو ناقصا· والشهادة الثانية كتبها الشاعر العراقي محمد الأمين وأتت محملة بآراء نقدية مستعينة بالفكر الغربي الذي يتناول ظاهرة الإبداع والمعالجة الجمالية عن طريق التفكر في القيمة الرمزية وبالتحديد بما يمكن إن يقدمه الشعر في هذا المجال · أما النصوص الشعرية المستوحاة من هذا المعرض الذي يحتفي بالطبيعة وحياة الحيوان بشكل خاص، فقد كانت مكثفة ووامضة اعتمدت الوصف الناتئ والبرقي أحيانا في رصد مناخ اللوحات التي بدت لأول وهلة مباشرة ومألوفة إلى حد كبير· والمعرض الذي نفذت لوحاته كلها بمادة الباستيل ينحاز إلى الطبيعة بشكل كامل كليا، بحيث يختفي الإنسان الذي يبدو اختفاؤه هنا مقصودا مع احتفاء خاص بالحيوان ، وهو هنا حيوان الحقل بالتحديد والطيور التي نراها في حياتنا اليومية ، كأن الفنانة تريد أن تقول إن الطبيعة تختفي بسبب انهماكنا بشؤوننا الخاصة التي ستقودنا في النهاية إلى الفراغ الشامل ولن يعود هناك غير البدء الأول الذي هو الطبيعة وهذه الحيوانات التي تعيد إنتاج هذه الطبيعة التي لم تعد بكرا بسبب شره الإنسان وأنانيته · ليس من العبث إذن أن ترسم الفنانة بورتريهات لخيول أو خرفان أو حتى لحمار وحيد في برية غير واضحة المعالم ، لكن المثير في الأمر في هذا المعرض هو خلفيات اللوحات التي تذكر مباشرة بأعمال الفنان الانطباعية البريطاني وليم تورنر الضبابية التي تخفي خلفها في العادة ملامح لحياة قادمة أو في طريقها للاندثار لا نستطيع أن نؤكد هنا القيمة الفكرية والجمالية التي تسعى الى تأكيدها الفنانة لوس بوتمان في اختيارها هذا ، هل هو خيار فكري أم انه خيار تقني ؟ لكن الواضح أن تأثير الفنان تورنر هو الطاغي مما يجعلنا نعتقد أن خيارها جمالي بحت بسبب التقنية المدهشة في استعمال الألوان الباردة وعلاقتها بالطبيعة الأوروبية المفعمة بهذه الألوان القاتمة · الاختلاف الوحيد أو الأبرز على أية حال بين أعمال بوتمان والفنان تورنر، أن الأولى تقدم البورتريت وتمنحه قيمة خاصة بحيث يكون الباك راوند جزءا مكملا للعمل أو لإظهار صفات خاصة ينبغي أن تظهر في البورتريت ، في حين نجد العكس عند تورنر الذي يؤكد على إبراز المشهد ككل شامل أو مناخ لا يمكن تجزئته ، وبطبيعة الحال تبقى تقنية تورنر ذات خصوصية شديدة مرتبطة بطريقة نظره إلى الأشياء ولا يوجد وجه مقارنة بين الاثنين · تستخدم الفنانة بوتمان ألوانا نظيفة ، وغالبا ما تلجأ إلى استخدام الألوان الهارمونية للوحي بطبيعة متقلبة أو ما يمكن أن نسميه بالتقلب المستمر في طبيعة اللون الواحد الذي يتغير بتغير جزئي في مناخ ثابت مبدئيا ، الواضح أيضا من طبيعة الألوان أنها ترسم الطبيعة في ألوانها الكاملة التي تبدو أنها في برد شديد لا يتغير ، رغم محاولتها استخدام ألوان حارة وإن بدت قليلة للغاية · تعد الفنانة بوتمان واحدة من أهم الفنانين الهولنديين الذين يعملون على تقنية مادة الباستيل ، وهي تحرص شديد الحرص على أن تكون أعمالها معبرة عن مشاكل بيئتها المحلية التي تكاد أن تكون مشتركة في الوقت الراهن·