الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبد الرضا السجواني.. الإخلاص في القصّ

عبد الرضا السجواني.. الإخلاص في القصّ
26 أغسطس 2015 21:45
أول وآخر الذين أحبهم عبد الرضا السجواني تمر به العربة ناحية المستشفى المركزي. وهو يمعن النظر لجهة معينة، له فيها مغزى تستشف من نظراته الغارقة في شطآن من الحزن! لمَ ناحية هذا الموضع بالتحديد، يقفز قلبه وتزداد نبضاته؟! شيء ما يذكره به، حتى إذا ما بعد عن مَرآه، شمله ضيق شديد يملأ صدره. فيتململ محاولا أن يتناسى ما يدور في خلده، طارداً الذكريات في تداعيها على مخيلته. صورة واحدة فقط، لا تغيب عن ذهنه، وهو مع أخيه «فيصل» وإن تلهى بأموره ذائبا فيها. فهي هي.. دوماً كالحقيقة ماثلة نصب عينيه، يرتحل إلى البعيد، فيرتسم أمام ناظريه كما الطيف أو الذكريات، التي لا تجيد أسلوب الغياب مطلقا عن عالمه التليد. حيث الحي القديم، والبيوت الطينية، الواقعة في مواجهة سيف البحر الصغير (الخور)، والذي يفصله عن البحر العود، شريط رملي كثيف. و«فيصل» يردفه خلفه على دراجته الهوائية، ويسير بسرعة قصوى أمام البحر، و«وحيد» يتصارخ خائفاً من الوقوع في البحر! ولا يهدأ ويطمئن، حتى يقف أخوه بدراجته. تدغدغ مخيلته الذكريات، بمواقف عديدة، تجمعهما معاً في صحبتهما. فتسير به العربة، كمن يحمله القدر على منكبيه في هوادة، يُلهي فكره بأي شيء آخر، كي يبعد تلك الذكريات، إلا أنها تلح عليه رغماً عن إرادته. هكذا نأتي برؤوسها يا «وحيد» ! ويردف بكل ثقة: ستتساقط تباعاً.. وسترى وإن تقاعس كل أهالي الحي. فإني لن أتركهم يرتعون في بحرنا كيفما شاؤوا و«وحيد» الذي لم يبلغ السادسة بعد، يحملق في اندهاش، متابعاً ما يفعله أخوه. غير مدرك لأبعاد كلماته. و«فيصل» في همة كل الرجال، قد اجتمعت في شخصه، بروح عالية، لا يكتنفها الاضمحلال لحظة واحدة، يعمل بكل ما أوتي من قوة وبراعة، لإعداد ذلك الشرك، الذي سيقع فيه الأعداء! و«وحيد» يعاونه في جلب الأدوات. وجعلها في متناول يد أخيه، وهو في إمعان لما يصنع. بديعة كانت تلك الحياة، وهما معاً في مسراتهما وكدرهما، تتراءى له صورها وهو يأخذ طريقه في شوارع المدينة المضاءة، تمضي به العربة كيفما تمضي! لم يحدد أية وجهة يسير عليها. يمشي به الضياع، وهو في انصياع لأوامره ونواهيه. وكل توقه التسرية عن نفسه.. والمحاولة في النسيان.. أو أي شيء يحقق له الإحساس بالمواساة. يكون قد انتهى من إعداد مركب من السموم الفتاكة، فيقول لأخيه «وحيد»: الآن نكون قد انتهينا من صنع الذخيرة، ألذ ذخيرة، ولم يبق أمامنا سوى الطعم! فيرد «وحيد»: فلنذهب في الحال لجلب الطعام. يكاد أن يصطدم بكل ما يمر ناحيته بعربته، وهي في ترنحها يسرة ويمنة، أو في ميلها من جهة لجهة أخرى، في ارتحال فكره إلى عالم يلح عليه مذ ذلك اليوم المشؤوم! لحظات تمر عليهما سريعة فيحسبانها بطيئة. لمدى شوقهما لتنفيذ المهمة. إذ يلجآن إلى سوق السمك، لجلب أنسب سمكة لها وزنها وكبر بطنها، وكثيرا ما يقع الاختيار على سمكة «الهامور»، فيعالج «فيصل» فيها شاقا بطنها، ليضع السم الزعاف بداخله. بعد أن يرجع البطن إلى حالته الطبيعية بعد خياطته. جارحا السمكة في عدة مواضع، كي يسيل منها الدم بغية إغراء أسماك القرش، المتسللة من البحر العود إلى الخور. حتى إذا ما لاح له واحد من أسماك القرش، رمى السمكة ناحيته بكل ما أوتي من قوة. فينقض على السمكة المدماة، ليكون بعد لحظات طافيا فوق الماء. أو مستلقيا بعد برهة، على رمال السيف، تداعبه الأمواج الصغيرة في استهزاء، وهو في رمقه الأخير. والويل له لو ظفر به أطفال الحي، فما أن يروه حتى يتحلقوا حوله، مشبعينه ضربا بالعصي والحجارة ليموت شر موتة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©