الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رأس الخيمة.. مفرق الرأس وخندق النفس

رأس الخيمة.. مفرق الرأس وخندق النفس
2 يناير 2013 20:27
الخيمة.. غيمة الظل، ونجمة الاحتواء، والانضواء، والاكتواء، والاستواء، والاشتهاء، والاعتلاء، والانجلاء، والابتلاء، والانقضاء، وهي الجلاء، منذ أن غرفت امرأة من سعف النخيل، ما يكفي ويخفي وينفي، ويشفي، ويضفي، وأججت في الفؤاد نيراناً وأشجاناً وأضغاناً، وشنآناً، وأحياناً وبهتاناً، وذهبت في عويل النافلات تسأل عن وحْي وحَيٍّ وتغرق في بحر غيمة جاشت فتوناً وشجوناً، حتى استعصى على الأرض تسرب ما فاض وهاض وراض. الخيمة، المسحة والسنحة، والفسحة في فناء فاضت من ثناياه رمال وآمال، وأحوال وأهوال، وأسئلة أشبه بعيون ضوارٍ متوحشة، ونسجت على الرمل المبلل بأشواق المدنفين، أعواد الصمود، والتجلد، ونصبت أوتاداً وعتاداً، ومراداً، وسواداً، حتى أتعبت العواصف والنواسف من دفع ورفع، وردع، فما مادت ولا مارت ولا مالت، فاستحالت عظماً في عمود الظهر، ولجماً في كؤود الدهر. الخيمة.. منطقة، ما بين الشهقتين، ونقطة فاصلة متواصلة متأصلة مستبصرة أفق الزمن، بالقوة القاهرة، والقدرة المبهرة، والتفوق في أسوأ الحالات ظرفاً وتطرفاً. حبر الثغور الخيمة.. رقية الأرض، وحرز القابضين على زمن كفك ضروس، هي الحشرجة المتدحرجة المتدرجة، المضرجة، بأنفاس الذين أوقفوا عجلة الزمن عند الوهلة المذهلة، هي المسألة الجسور والمرحلة الصبور، هي الفاقة والإفاقة، هي الوفاق ما بين الصلب والترائب، ومشارب أزمنة حملت الجبال العهن المنفوش، والجبين المخدوش، والحاجب المرعوش، وأبدت وأعادت ما أصاب السويداء، قهراً وكدراً .. هي، في الجذر سبر الغور، وحبر الثغور، ونار القدور، وزلزلة ساعة سقوط الزمهرير على رؤوس الأشهاد والعباد، هي القصة المبللة، بريق المواويل والأقاويل، وصبر الحانيات الجاثيات على فلذة بلذة الأنوثة، وورطة العشق الفطري .. هي وحدة الوجود ما بين التراب والسماء هي زفرة الذاهبين في السبات تحت وطأة البلل الرهيب، هي السطوة المترامية في التاريخ، هي فطنة الإنسان عندما لا تجود الصحراء إلا بسقف أشبه بالمنخل، وعارضة لا تعترض إلا هبوب النسيم، هي الرحلة الأبدية، ما تحت السماء وما فوق التراب، هي مربض القافلة بعد تعب وسغب، ومشاغبات الفراغ الوسيع .. هي المحنة واللعنة، لكنها لا تمضي إلا باتجاه العناق اللذيذ ما بين جذر وجدار، وما بين عين وعين، وما بين جسدين، وبين جارين. الخيمة.. النعمة، المتسربة في أتون الحاجة، هي الزجاجة الرقراقة المتعافية بإرادة الذين شيدوا من الجريد، ما عرَّش وعشعش، وما لون الحلم بلون البراءة، والبراعة، وما زخرف الأرض بلون الأشجان الحميمية، ولم يقض ولم يرض، ولم يسرق من الأفئدة أعشابها الخضراء، ولم يهرق من الأرواح دماءها الصافية. الخيمة.. السقف المؤدلج بالسمو، ورفعة الشأن، ورهافة الفن، هي حضن العصافير المغردة على قامة الفراغ، هي فن الطير في إفشاء النشيد ساعة احتبال السماء ببريق النجوم الراقصة وجداً زمنياً، المتطورة نسلاً من بهجة الأرواح السخية. راهبة في شال القداسة الخيمة.. راهبة التفَّت بشال القداسة، واقتعدت كرسي النجابة بمهابة المتطهرين من غبن وشجن المستديرين حول أحلام الوجود، بلاغضاضة ولا فضاضة، وبانتفاضة الروح باتجاه الواحد الأحد الفرد الصمد، هي فراشة الأرض بألوان القناعة والمناعة، هي الرجع، والمنع واللمع، والشفع، هي وتر وقدر، وسفر في فضاءات أزمنة، الشوق فيها توق لحبة رمل، ما بللها الغيثان، ولامسها سوء طالع، ولا ضالع في الاحتمالات القصوى للجفاء.. هي نقطة الالتقاء ما بين حانق ومعانق، وهي الصبابة في لغة الغارقين في عشق التراب، والترائب بلا تكلف أو تزلف أو تخلف، أو تخوف، أو تصلف، أو تحسف، أو تطرف، أو تصوف. الخيمة.. هي الحنين المتمادي، في حفر الذاكرة، هي الشوق المنحوت في القلب، هي النّصبُ القابض على تربة الحلم، هي الاستدعاء المترامي في الشؤون والشجون، هي التداعي في الوجد والوجدان، وما شاب الزمن من شطآن تمر على رمالها سفن، ومواكب، فتهرق وترهق، وتمحق وتسرق وتطرق سبلاً قد تغيب فيها المعالم، وتمحى فيها الملامح، ولكن تبقى الملحمة توقد في النفس، أشعاراً وأخباراً وأسراراً وأدواراً وأطواراً، وتحيق وتريق، ولا يفيق الذهن إلا على ومضة أشبه باللمظة، قبل الريق ولا تشبع وتفتح من شهية الاسترجاع وإعادة القراءة، لنص جهور عال النبرة .. هي الرعدة في الجسد عندما تصحو في الروح طيور الأسئلة وتتنامى أعشاب علامة الاستفهام، وتفيق أشجار القلب، بعد غفوة أو كبوة، أو فجوة، أو صبوة ما أصابت ظهر البعير، بل هي لا في العير ولا في النفير، هي كير النضج، يؤجج نيراناً قديمة قدم الشوق، إلى رائحة السجادة العتيقة، والحصير المغسول بالندى، وما تفضلت به نوايا الصغار وقت السبات العميق. الملاذ والموئل الخيمة.. الملاذ والموئل الرحيم، يوم كان اللظى رجيماً عقيماً سقيماً ذميماً، عديماً، ويوم كان الليل يخر على الأكتاف كأنه السطوة الخانقة ويكحل العيون بسواد المراحل، وما بعد فراغ الأسئلة، وجمت السماء عن مشاغبة الكائنات الصغيرة خلف سياج من مخمل العادات البريئة.. هي حشمة المتلاحمين جسداً وروحاً المتواصلين همساً ولمزاً، المحتفلين بدء الشراشف القطنية، المتدثرين بالبرودة، المزملين بأحلام الليل، وأمنيات الصباحات المشرقة بزقزقة العصافير وصياح الديكة، ابتهالاً بيوم جديد، قد ينبلج عن رغيف أكثر سخونة من سابقه .. هي الحصن المضروب، في أديم الأرض المخضوب بعرق المرتجفات إثر ورطة الذروة القصوى.. هي الجزيرة المتأرجحة على موجة ومهجة ولهجة التراب المتحرك جهة الحنايا المتوهجة. الخيمة.. الظرف والطرف والسقف والحتف، والمكان المختفي في إخفاق وأحداق وأشواق وأعناق وآفاق، وهي النبضة الوارفة بالدفق، هي الرمضاء الملتفَّة حول صحراء الزمن، وهي البلاغ الأخير لقافلة حطّت رحالها على رصيف زمن ثم غادرت المكان، محملة بأوزار مراحل، وهي الجدل القديم العقيم، المديم القويم، يداهم ويهاجم ويفاقم، ويقاوم، ويساوم، ويساهم، ويحطم، ويكظم، ويقضم، هي أصل الوشاية في المهج والمقل، هي الأجل، والبذل والعذل، هي اللحظة الحاسمة الجازمة، الصارمة، هي الصبح والجرح، والروح، والصرح، هي من جذر النخلة ومن سحر الفكرة المبجلة، هي ألف الفقر وياء القهر، هي من حرف الخبء ونزف الخبيب، هي جزيل البذل، وفضيلة الانتماء .. هي لمحة وملح، هي فرحة ومطمح، هي خيمة من نهل قيمة من فجر نغمة من طور، طوق الحلم بشفافية التعاطي وامتطاء صهوة الزمن بلا نقاط آخر السطر. خيمة شوق، تطوي ليالي العشق كطي السجل، وتبتهل وترتل آيات التوق باقتناص اللحظة وسبر أغوار الزمن بعود وصمود، وقدرة جلمود، خيمة تحشد التفاصيل في القلب وتشعل الذاكرة جمرات، وومضات، ولمظات، وتسرد القصة بجرأة الأفذاذ .. خيمة تستهل العبارة بشرارة، وتسرب الوشاية عبر جزالة التفنيد، وتعيد الحكاية، كأنها البداية بلا نهاية وتقول اقرأ واستمرئ التلاوة بكل حفاوة، وردد النشيد صحراوياً بديهياً، عضوياً فطرياً واسترد الأنفاس والأساس والإحساس بقيم المخلصين .. خيمة حنجرة للزمن، وخنجر للتضاريس والدماء لم تزل ساخنة كسخونة الأرض وقت التشظي، وتلظي العشب من شغف وكلف وتلف.. خيمة.. الولع والهلع، والنظر والسمع، هي الدمعة المظللة برموش اللوعة، وبلوغ التهجع مبلغ الانكسار المريع. خيمة.. تكسر قانون النسبية وتحطم نظرية الجاذبية فلا انشتاين ولا نيوتن، بيديهما تفاحة السقوط لولا خيام المعرفة، والقدرة الغارفة من أصول وفصول أججت القريحة فاحتلت موقعاً في مكان الحضارة.. خيمة مجاهرة، مهاجرة، ساهرة على هدهدة غربة النفس إثر جفوة بعد فجوة .. خيمة.. لم تزل تتماهى والشموخ بشيمة المتحدرين، من نسل صحراء وهوى ومن فصل أشواق ونوى.. خيمة مفرق الرأس، وخندق النفس.. خيمة.. الجبين واللجين.. بل هي اليقين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©