الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوزير والمثقفون.. على صفيح ساخن!

الوزير والمثقفون.. على صفيح ساخن!
26 أغسطس 2015 21:51
الاحتقان الشديد في العلاقة بين المثقفين والوزير ليس وليد اللحظة إنما يعود بجذره إلى عدة أشهر مضت، فمنذ مجيء الدكتور عبدالواحد النبوي وزيراً للثقافة المصرية في حكومة المهندس إبراهيم محلب، خلفا للدكتور جابر عصفور في مارس الماضي، خيّمت ظلال من القلق والتوتر في سماء الوسط الثقافي المصري، لكنهم ارتضوا بجلوس الدكتور النبوي على كرسي الوزارة، عقب إطاحة جابر عصفور، وما كان لهم أن يعترضوا أو يصدروا حكماً إلا بعد أن يبين الرجل عن نفسه ويفصح عن تصوراته ورؤيته للعمل الثقافي وسياساته بصورة عامة. صدام مبكر مع أول قرارات الوزير بإنهاء انتداب عدد من قيادات مؤسسات فاعلة وحساسة في وزارة الثقافة، وتغيير أصحابها بأسماء جديدة، وقع الصدام واشتعل الموقف، لكنه وصل إلى ذروته في نهاية الشهر الماضي حينما أقال الوزير رئيس الهيئة العامة للكتاب، الدكتور أحمد مجاهد، في الوقت الذي أجمع فيه عدد كبير من المثقفين والمتصلين بالعمل الثقافي على أن أداء مجاهد وصل إلى درجات غير من مسبوقة من النجاح وإثبات الكفاءة، ما يصعب معه إقالته دون إبداء أسباب، ودون إعلان الرأي العام بحيثيات اتخاذ هذا القرار. تزامن مجيء النبوي وزيراً مع الحدث الثقافي الأبرز الذي شهدته القاهرة في مارس الماضي، وهو الملتقى السادس للإبداع الروائي بعد غياب 5 سنوات، لم يحضر الوزير حفل الافتتاح، وفي الحفل الختامي جاء بعد إعلان الفائز وتوزيع الجوائز وانصراف الضيوف! ولم تكد تمض فترة قصيرة حتى بانت أول مواقف الوزير بتصريحات عجيبة أثناء زيارته لأحد قصور الثقافة بالإسكندرية وسخريته من إحدى الموظفات هناك قائلاً: «أنا عندي مشكلة مع التخان» ما استدعى اعتذاراً رسمياً من رئيس الوزراء آنذاك. وبعد ذلك، أفصح الوزير تماماً عن غايته وعلى رأسها الإطاحة بكل قيادات العمل الثقافي البارزين دون إبداء أسباب (هكذا أكد غير قليل من المثقفين والكتاب والفنانين)، حيث بدأ بالدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومي للترجمة، وثنى بالدكتور محمد عفيفي أمين المجلس الأعلى للثقافة. اشتعلت المعركة ووصلت لذروتها عقب إطاحة النبوي برئيس الهيئة العامة للكتاب، الدكتور أحمد مجاهد، نهاية الشهر الماضي، وبطريقة رآها الكثيرون «مهينة» للرجل الذي وصلت الهيئة على يديه إلى درجة غير مسبوقة من النجاح والثبات والرسوخ، وانفتحت نيران معركة حامية ما زال دخانها يتصاعد حتى اللحظة! الوزير يدافع عن نفسه! بسبب الموجة العارمة من الغضب والثورة ضد الدكتور النبوي، قرر وزير الثقافة الدفاع عن نفسه والخروج على الرأي العام بلقاء تليفزيوني في أحد برامج «التوك شو» للرد على ما اعتبره «اتهامات» غير حقيقية، غرضها الإساءة إليه وتشويه صورته أمام الرأي العام، بدأ الوزير حديثه بتأكيد كامل أحقيته في اتخاذ ما يراه مناسباً من قرارات وإجراء التغييرات في قيادات المؤسسات الثقافية، قائلا إنه بحكم منصبه كوزير للثقافة من حقه أن يجري تلك التغييرات، مبرراً ذلك بأنه يريد ضخ دماء جديدة في شرايين الوزارة، وأن يأتي بقيادات معاونة يستطيع أن ينفذ معهم خطته لتطوير الوزارة والارتقاء بمستوى العمل الثقافي في عموم الجمهورية. هكذا أكد الوزير، وكرر مراراً أنه «الوزير»، واعتبر أن حالة الغضب الشديدة في الشارع الثقافي المصري إنما هي بسبب الحملات الظالمة والمغرضة ضده، هكذا قال، وألمح أيضا بأصابع الاتهام إلى بعض خصومه ومعارضيه بأنهم يقودون هذه الحملة التي وصفها بالظالمة ضده، لكنه مستمر في اتخاذ ما يراه صالحا ومناسبا بحكم منصبه. وفي اللقاء ذاته، اتهم الوزير بعضاً من القيادات التي أقالها بأنها لم تكن بالخبرة والدراية الكافية مما تسبب في تكدس الكتب في مخازن بعض المؤسسات (يقصد المركز القومي للترجمة الذي أطاح برئيسه السابق أنور مغيث) معلناً رفضه هذا الأسلوب، كما أعلن أنه قرر التحقيق مع إدارة المركز بشأن السماح بترجمة كتاب «ميلاد ثورة» الذي قيل إن به عبارة اعتبرها مسيئة للمجلس العسكري السابق إبان الفترة الانتقالية الأولى، بل وصل الأمر إلى سحب الكتاب من منافذ البيع والتوزيع ومصادرة نسخه. إذن كان قرار الوزير بإقصاء مجاهد القشة التي قصمت ظهر البعير، فتوالت البيانات وعليها توقيعات عدد كبير من المثقفين من كل التيارات والاتجاهات والأطياف، مطالبة برحيل الوزير وإقالته، وفي المقابل حشد عدد من مناصري الوزير ومؤيديه من بعض موظفي الوزارة أنفسهم لتشكيل جبهة مضادة متبعة الآلية نفسها، وهي كتابة البيانات وتجميع التوقيعات لإعلان تأييدهم للوزير وبقائه في منصبه، وإعلانهم أيضا موافقتهم على كل ما اتخذه من قرارات بالإطاحة بالقيادات التي تولت مناصبها داخل مؤسسات الثقافة المصرية خلال العام الماضي. بيانات المثقفين.. غضب ورفض جاء البيان الأول الذي أصدرته مجموعة من المثقفين مطالبين بإقالة النبوي والتصدي لسياساته التي رأوها «تفرغ الوزارة من الكفاءات»، وجاء في هذا البيان الذي وقع عليه عدد كبير من الفنانين والكتاب والمشتغلين بالعمل الثقافي العام «إن جبهة الإبداع تتابع بقلق بالغ كل ما يحدث في أروقة وزارة الثقافة، فوزيركم يعلم جيدا أنه سوف يمضي قريبا، ولكنه يطبق سياسة الأرض المحروقة.. وعليه فإنه يجرد وزارة الثقافة من الكفاءات قبل رحيله، وكأنه ينفذ الأجندة التي عجز علاء عبد العزيز وزير ثقافة الإخوان عن تنفيذها. وقد سبق لنا إصدار بيان يعترض بشدة على هذه التصرفات العشوائية غير الواعية». وتابع البيان: «كما تراقب الجبهة في قلق بالغ خطوات الوزير المدروسة في تفريغ الوزارة من الكفاءات في سرعة بالغة قبل مغادرته للوزارة التي تأخرت كثيراً، دون توضيح لمبررات استبعاد مسؤول أو استقدام آخر وكأنه يتصرف في عزبته الخاصة، ولن تسمح له الجبهة حفاظا على مصلحة الوطن بتطبيق سياسة الأرض المحروقة قبل الرحيل». اختتم البيان: «إن جبهة الإبداع تطالبكم بسرعة إقالة هذا الوزير الذي قام بتجريف الوزارة المسؤولة عن العقل والإبداع المصريين في سعي دؤوب قبل أن يقضي على ما تبقى منها، فما قامت ثورة 30 يونيو، ولا كان اعتصام المثقفين لينتهي بوزارة الثقافة تلك النهاية التي لم يَتَمَنْها إلا الإخوان». كما أصدرت مجموعة أخرى من المثقفين بيانا آخر، تحت عنوان «لا لدعم وزير الثقافة للإرهاب»، كخطوة تصعيدية ضد الوزير، واعتراضا على قراراته التي رأوها تجسيدا لسياسات «التفريغ والإهمال والتخبط التي تشهدها وزارة الثقافة المصرية في الأشهر الأخيرة على يد الوزير عبد الواحد النبوي»، ووقّع أكثر من مائة مثقف مصري على البيان؛ من بينهم الكاتب والروائي إبراهيم عبد المجيد، والكاتب والمترجم خليل كلفت، والمخرج المسرحي أحمد إسماعيل، والناقد السينمائي وليد سيف، والمخرج عصام السيد، والكاتب محمد عبد الرحمن، بالإضافة إلى الدكتور محمد يحيي الرخاوي، والمطربة مروة ناجي، والمتخصص التربوي كمال مغيث. البيان تابع: «لقد كان غياب الفاعليات الثقافية أو تغييبها عمدا في شهر رمضان المنتهي علامة رئيسية على الخطة المشبوهة التي تستهدف غلّ يد الثقافة المصرية، وإهدار طاقاتها في مواجهة الإرهاب والتطرف، لتخلو الساحة تماما لدعاة الفتنة والتطرف في كثير من المساجد والمواقع بالقرى والنجوع والمدن، ناهيك بالتغافل عن الاحتفاء بذكري المثقفين والمبدعين المصريين الذين وقفوا عمرهم على مجابهة الفكر الفاسد، كالدكتور نصر حامد أبو زيد، والتعامل باستخفاف من قبل الثقافة ووزيرها مع رحيل قامةٍ فنية كالفنان المصري العالمي عمر الشريف، وهما مثالان إن دلا فإنما يدلان على سياسة فاسدة تنتهجها الوزارة في عهد هذا الوزير ضد الإبداع والفن وضد التنوير والتجديد». أصداء الأزمة.. إدانات وتعليقات على جانب آخر، كان قرار وزير الثقافة بإنهاء ندب الدكتور مجاهد من رئاسة هيئة الكتاب مستفزا لكثيرين من كبار الكتاب والمثقفين، وتوالت عشرات التعليقات والتصريحات الرافضة لقرار الوزير، منها مثلاً ما قالته المبدعة والناقدة القديرة اعتدال عثمان «هيئة الكتاب إحدى مؤسسات الدولة المصرية المسؤولة عن بناء ثقافة حقيقية تشكل جانبا مهما من قوة مصر الناعمة أو على الأقل تستعيد مجدها السابق من زوايا الإهمال والنسيان. ودور هيئة الكتاب من هذا المنطلق يمثل دعامة أساسية للأمن القومي المصري في جانبه الفكري والثقافي والأدبي، ودوره الفعّال في تشكيل العقول والارتقاء بالوجدان ودعم قيمة الفن الأصيل ونشره على أوسع نطاق ممكن. وأحمد مجاهد يقوم بهذا الدور بهمة عالية وإصرار، والشواهد متاحة في إصدارات الهيئة وأنشطتها المتنوعة في القاهرة والأقاليم. فهل هناك من مستجيب لهذا النداء أم أن أصواتنا تضيع في برية التجريف المستمر منذ عقود؟». أما الكاتب والروائي حمدي الجزار، الحاصل على جائزة ساويرس في الرواية فقد اعتبر الإطاحة بمجاهد عقب الإطاحة بالدكتور محمد عفيفي من منصبه كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة «خراب وبوار»، قائلاً إن «ماكينة فرم الكفاءات الوطنية، والقيادات المحترمة صاحبة الضمير الحي والإنجاز، تدور بعقل أسود وراية داعشية، وتأتي على الأخضر والنضر في وزارة الثقافة المصرية». الكاتب القدير أحمد الخميسي أكد بدوره على «أسئلة عدة تثيرها إطاحة وزير الثقافة عبد الواحد النبوي بقيادات المؤسسات الثقافية التي أجمع الكثيرون على تقديرها، وفي مقدمتها: د.أنور مغيث الذي عزل عن منصبه بالمركز القومي للترجمة، ود.محمد عفيفي أمين المجلس الأعلى للثقافة، ثم د.أحمد مجاهد الذي أنهى الوزير انتدابه إلى هيئة الكتاب علماً بأن فترة الانتداب في كل الأحوال كانت ستنتهي قبل صدور القرار بيوم». الخميسي الذي فصّل وجهة نظره حول الأزمة في مقال نشره بإحدى الصحف المصرية، رأى أن «توجيه الوزير ضرباته إلى مؤسسات ثقافية نشطة ووضع كل آماله في نشاط مع وزارة الأوقاف ومشروع «صيف بلادنا»، فلا تستغرب تلك الإجراءات من وزير ثقافة كان عمله الرئيسي محصورا في «الوثائق القومية» وإنجازه الفكري الوحيد هو المساهمة مع آخرين في كتاب عن محمد علي! بل ولم يدر من هو بهاء طاهر.. لكنهم «قالوا له..»!. المثقفون: ما يجري عملية تجريف والوزير يفرغ الوزارة من الكفاءات ........................ الوزير: أريد ضخ دماء جديدة في شرايين الوزارة لمصلحة من؟! تساءلت المترجمة شهرت العالم، الخبيرة في المركز القومي للترجمة، لمصلحة من يتم إقصاء الكفاءات والقيادات الجديرة بإدارة أهم مؤسسات وزارة الثقافة بطبيعة دورها المحوري: «سؤال إلى كل من يهمه أمر هذا البلد والثقافة في هذا البلد: لمصلحة من إبعاد د. أحمد مجاهد عن هيئة الكتاب بعد أن أثبت نجاحاً هائلاً؟ لمصلحة من عدم إتاحة الفرصة له لاستكمال المشاريع التي بدأها؟».. وعددت العالم بعضاً من إنجازات مجاهد قائلة «لأول مرة منذ زمن طويل نشهد الثقافة ومعارض الكتب والنشاط الثقافي لهيئة الكتاب في أقاليم ونجوع مصر»، مضيفة «الحرب ضد الإرهاب ليست في سيناء وعلى الحدود فقط.. الحرب ضد الإرهاب هي حرب فكرية وثقافية أيضاً في المقام الأول».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©