الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النازحون في هلمند: الأحوال تكفي عن السؤال!

النازحون في هلمند: الأحوال تكفي عن السؤال!
26 نوفمبر 2010 21:23
بالنسبة للأشخاص الذين فروا من أفظع أعمال العنف في أفغانستان، هناك بعض الأشياء التي يصعب نسيانها: معاناة نسائهم؛ والأصوات المروعة التي كانوا يسمعونها في مخابئ تحت الأرض، حيث كانوا يعدون القنابل لتمضية الوقت ويدعون الله أن يرحل الجنود الأميركيون عن بلدهم. وبعض هؤلاء الأفغان سبق أن أصيبوا بشظايا القنابل وقُيدوا بالأصفاد البلاستيكية، وبعضهم سبق أن هددتهم "طالبان" وأخافهم جنود الائتلاف، وبعضهم سبق أن رأوا أقارب لهم يتعرضون لإطلاق النار أو شاهدوا المنازل تُهدم؛ فغادروا إقليم هلمند واتجهوا إلى هذه المنطقة الواقعة على أطراف العاصمة كابول، حيث يتوسع المخيم شهراً بعد شهر جراء لجوء أعداد متزايدة من الأشخاص إليه في انتظار نهاية الحرب. ويقول سيد محمد، الذي ولد في هلمند وأمضى العام الماضي في مخيم اللاجئين: "كيف يمكنني أن أعود إلى منطقتي في وضع كهذا؟". وفي الوقت الذي ينجز فيه أوباما ومستشاروه تقييم حرب أفغانستان، من المنتظر أن يصبح إقليم هلمند، وهو منطقة فقيرة وقاحلة من جنوب أفغانستان، مقياساً مهمّاً للتقدم في عموم البلاد، وذلك لأن إقليم هلمند هو المكان الذي يوجد فيه أكبر تركز للقوات الأميركية، وموقع أول عملية كبيرة في إطار الاستراتيجية العسكرية الجديدة عندما أعادت قوات "المارينز" الأميركية في فبراير الماضي السيطرة على مدينة مارجة التي كانت في قبضة "طالبان". واليوم، يشير قائد قوات التحالف الجنرال بترايوس إلى أجزاء من هلمند مثل "ناوا" كمثال لنجاح استراتيجية محاربة التمرد. ولكن لاجئي هلمند الذين يعيشون هنا في هذا المخيم المزري المعروف باسم "شراهي كامبر" يقدمون، من جانبهم، تقييماً قاتماً؛ حيث يشيرون إلى وجود القوات الأميركية والبريطانية باعتباره السبب في انعدام الأمن، ويعتقدون أن قراهم وبلداتهم ما زالت أخطر من أن يستطيعوا العودة إليها، على رغم المزاعم الرسمية التي تفيد بازدياد الاستقرار. وفي هذا الإطار، يقول باريجول، وهو مزارع أفيون في الثانية والعشرين من عمره من منطقة "موسى كالا" في هلمند ويقدم اسماً واحداً فقط على غرار الكثير من الأفغان: "أين هو الأمن؟ إن الأميركيين لا يزيدون الأمور إلا سوءاً ويقومون بهدم بلدنا"، مضيفاً "لو كانوا يبنون بلدنا، لما تركتُ بلدتي وأتيت إلى هنا". وقد وصلت أولى العائلات التي نصبت خياماً في هذا الموقع في 2007؛ ومنذ ذلك الوقت، كبر المخيم وبات اليوم يضم أكثر من ألف عائلة، مما يجعل منه الأكبر من بين نحو 30 مخيماً غير نظامي حول العاصمة كابول. وهو يتألف من مجموعتين رئيسيتين، حوالي 800 عائلة تزعم أنها قدمت من منطقة هلمند وحوالي 200 عائلة تقول إنها قدمت من طاجيكستان، وذلك حسب مسؤول من الأمم المتحدة مكلف بشؤون اللاجئين. ويقول سكان المخيم إن معظمهم مزارعون جلبوا أمتعتهم على متن حافلات أو سيارات أجرة للعيش في هذه الأكواخ الطينية الفقيرة أو تحت أقمشة الخيام. والمخيم عموماً مكان يعج بعيون الأطفال الباكين والوجوه الملطخة بالتراب، وحيث يبحث الأزواج عن أي عمل يدوي، فيما الزوجات يقمن بحرق أكوام من القمامة من أجل طهي الطعام. أما "أهون زاده"، وهو "مُلا" في الخامسة والثلاثين من عمره، فيتدبر أموره بفضل حصص طعام صغيرة يقدمها له لاجئون آخرون مقابل تعليم أبنائهم وإمامة المصلين يوميّاً في مسجد مؤقت منخفض السقف بني من الطين. وقبل ذلك بعامين، كان "أهون زاده" قد ترك حقول الأفيون في منطقة "سانجن"، التي تعد واحدة من أكثر المناطق عنفاً في هلمند حيث سلمها الجنود البريطانيون مؤخراً إلى قوات "المارينز" الأميركية بعد أن تكبدوا إصابات كثيرة لأربع سنوات. ويقول "أهون زاده": "في كل يوم يحدث قتال هناك. كلما زاد عدد الكفار الذين يأتون إلى بلدنا، كلما زاد عدد الأفغان الذين يموتون وكلما أصبحنا أقل أماناً". ولكن "أهون زاده" مع ذلك لا يتعاطف مع "طالبان"؛ وذلك لأن كـلاً من والده، محمد غول آغا، وشقيقه، عبد الظاهر، توفيا عندما نسف انفجار قوي سيارتهما على الطريق إلى عاصمة الإقليم بسبب قنبلة قال إن المتمردين زرعوها لاستهداف قافلة عسكرية أميركية. ويقول: "إننا لسنا راضين عن أي من الطرفين، ولكنني أعتقد أن الجنود البريطانيين والأميركيين أكثر قسوة من طالبان"، مضيفاً "لقد رأيت ذلك بأم عيني: يأتي أفراد طالبان على دراجات نارية، ويفتحون نيران أسلحتهم، ثم يغادرون. أما الأميركيون، فيأتون ويقتلوننا حيث يقصفوننا ويفتحون علينا نيران أسلحتهم ويقتلون الأطفال والأبرياء". غير أن القادة العسكريين الأميركيين يقولون إنهم جعلوا من تقليص الإصابات في صفوف المدنيين إحدى أولى أولوياتهم، ويقولون إن جنودهم باتوا يعرِّضون أنفسهم لخطر أكبر من أجل تقليل الخسائر البشرية. وفي المخيم، وضعت زوجة "أهون زاده" بطانيات على جدران وأرضية كوخهم، فقد حصد البرد حياة ابنهما أحمد شاه في ربيعه الأول في الشتاء الماضي. واليوم، يسعل شقيقه شفيع الله ويعطس في برد الصباح. ويقول أهون زاده: "إنني أنظر إليه وأضطر إلى مغادرة البيت متسللاً على رؤوس الأصابع"، مضيفاً "يطلب مني أن أجلب له شيئاً معي: تفاحة أو أي شيء؛ ولكنني لا أملك المال، ماذا عساي أجلب له؟". ومن أجل المساعدة على إطعام أفراد عائلته الثمانية الذين يعيشون في المخيم اليوم، تحول رجل آخر يدعى "باري جول" إلى صناعة الطوب، حيث يشتري الطين من الشاحنات على الطريق العام ويخلطه بالرمل والماء. وحين كان مزارعاً للأفيون في "موسى كالا"، كان يجني 60 دولاراً في الشهر. أما هنا، فهو محظوظ لأنه يكسب نصف ذلك المبلغ ويقول: "هل تريدون الحقيقة: إن ما نكسبه بالكاد يكفينا للبقاء على قيد الحياة". جوشوا بارتلو - كابول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©