الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«دولة» الجنوب الفاشلة

26 نوفمبر 2010 21:25
في الأنباء أن والي إحدى ولايات جنوب السودان قد اضطر إلى "مصادرة" ثلاث مدارس وأخلاها من الطلاب والمدرسين ليوفر سكناً "معسكرا ً" للجنوبيين الذين رحلتهم "الحركة الشعبية" من الخرطوم ليشاركوا في الاستفتاء حول مصير الجنوب المقرر له، حتى الآن، التاسع من يناير موعداً. الوالي الذي أخلى المدارس وأرسل الطلاب والمدرسين إلى منازلهم أعرب عن أسفه الشديد لقيامه بهذه الخطوة المؤلمة، وقال إنه لم يكن أمامه من حل آخر، فالولاية لم تكن مستعدة لاستقبال وإيواء العائدين من الشمال إلى الجنوب. وفي الأنباء أيضاً أن قياديّاً بارزاً وأحد مؤسسي "الحركة الشعبية" قد صارح رئيس الحركة الجنرال سلفاكير باعتقاده المؤسس على أسباب موضوعية أن الجنوب ليس مستعداً للانفصال عن الشمال وإعلان دولته المستقلة. وفي تقارير نزيهة صدرت عن بعض المنظمات الدولية والأهلية العاملة في الجنوب يقرأ المرء معلومات مؤلمة في وصف أحوال الجنوب الآن من انعدام البنية التي تقوم عليها الدول، وانعدام أبسط الضروريات التي تؤسس عليها. وترد تلك التقارير النزيهة الأمر إلى فشل حكومة "الحركة الشعبية" الحاكمة في الجنوب، وانشغالها طوال الفترة الانتقالية بالمناورات والمشاكسات مع شريكها في الحكم (المؤتمر الوطني) وإهمالها للمتطلبات التي توفر للمواطن حياة كريمة و"لقمة العيش"، الضرورية مما جعل المراقبين الدوليين -حتى المتعاطفين مع مشروع الحركة الشعبية- يراهنون على أنه إذا أسفرت نتيجة الاستفتاء عن الانفصال فإن العالم سيشهد دولة فاشلة تنضم إلى ركام الدول الفاشلة في أفريقيا. ناهيك عن المخاوف المشروعة من تحول الجنوب إلى ساحة حرب أهلية جديدة، ولكن ليس بين الشمال والجنوب، بل بين الجنوبيين أنفسهم. وإن المرء ليستغرب ويحتار هل هذه الحقائق المعلومة لدى الكافة (عدا الإدارة الأميركية ) قد غابت عن قادة الحركة الشعبية الذين رفعوا عاليّاً راية الوحدة العادلة والسودان الجديد، مما أكسبها تعاطف وتأييد الجماهير الشمالية التي رأى بعضها في مشروع القائد الفذ قرنق الخلاص من أدران السودان القديم وعمَّدته قائداً قوميّاً وليس زعيماً جنوبيّاً؟ فالحركة الشعبية -بعد وفاة قرنق- بدت وكأنها قد فقدت "البوصلة" التي كانت توجه نشاطها وعملها السياسي المتقدم. ودليل ذلك أن اتفاق السلام الشامل "اتفاق نيفاشا" الذي توصلت إليه مع المؤتمر، وأيدته على مضض بعض قيادات المعارضة السودانية، قد أتاح للحركة الشعبية وللسودان فرصة تاريخية لن تتكرر. وبالحسابات السياسية البسيطة فإن مكاسب الحركة الشعبية من "اتفاق نيفاشا" الذي أوقف الحرب الأهلية المدمرة ووضع أساس قيام دولة اتحادية (فيدرالية) تكفل لكل أقاليم السودان وشعوبه حقوقها الإنسانية المعترف بها دوليّاً، وتضمن "دولة المواطنة" أي أن لكل مواطن حقه في العدل والمساواة وحرية الرأي واختيار حكامه على مستوى مجالس المدن، إلى مجالس الأقاليم، إلى البرلمان القومي. وأعطت الاتفاقية الحركة الشعبية إلى جانب انفرادها بحكم الجنوب ثلث السلطة المركزية من رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء وكل الوكالات القومية المتفرعة عنها. وأيضاً منصب نائب رئيس جهاز الأمن القومي إلى جانب قسمة الثروة التي تجاوز نصيب الجنوب في بعضها الثلث.. وأهم من كل ذلك أن الاتفاقية أتاحت للحركة أن تنشط حزبيّاً في كل أقاليم السودان، وأصبح لها أعضاء ومؤيدون متحمسون من الشماليين يفوق عددهم عضويتها من الجنوبيين قاطني السودان الشمالي. وقد أضاعت الحركة الشعبية هذه الفرصة التاريخية الذهبية التي رشحتها لتكون الحزب القومي الكبير في نظام ديمقراطي تعددي. وظلت تكرر القول حتى اللحظة الأخيرة الفاصلة، إن حزب المؤتمر الوطني لم يفِ بالتزامه بالعمل لجعل الوحدة جاذبة لتكون الخيار الأول للجنوب. ومع افتراض أن الحركة محقة في ذلك، أليس من حق أعضائها وأنصارها أن يسألوها، وهي كانت شريك الحكم الأكبر بين الشركاء الآخرين، وماذا فعلت هي لكي تجعل خيار الوحدة الجاذبة مقبولاً؟ قادة الحركة يعرفون أن النضال من أجل الوحدة أشد ضراوة وصعوبة من "النضال" من أجل الانفصال، وإذا كان ذلك معلوماً لديهم، أليس من حق السودانيين عليهم أن يتساءلوا بل وأن يتشككوا في نواياهم الحقيقية؟ لو قرأ قادة الحركة الواقع الراهن لعلموا أنهم سيكونون أول الخاسرين بشق الوطن الكبير. عبد الله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©