الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فتاوى الرّقة

فتاوى الرّقة
28 أغسطس 2013 20:03
هناك من يصر على وضع الإسلام في حالة صدام أو تعارض مع الفنون الجميلة والآداب الرفيعة، وقد انتقل ذلك من أفواه بعض الدعاة المتشددين إلى المجالس النيابية في عدد من بلداننا، وآخرها ما جرى في مجلس الشورى المصري قبل حوالي شهرين أثناء المناقشة السنوية لميزانية دار الاوبرا المصرية، حيث انطلقت أصوات اتهمت هذه الفنون ومن يمارسونها باتهامات مشينة مثل الانحلال والدعارة الأمر الذي استنفر كثيرا من المثقفين والمبدعين للتصدي لتلك الموجه من التحريم. في هذا الإطار تأتي أهمية كتاب “رأي الإسلام في الأداب والفنون الجميلة” الذي أصدرته سلسلة الإصدارات الخاصة لهيئة قصور الثقافة المصرية، والحق أن مؤلفة مصطفى القطان بذل جهدا في الرجوع إلى فتاوى واجتهادات الفقهاء والعلماء المعاصرين مثل الشيخ حسن العطار، شيخ الأزهر في زمن محمد علي وفتوى الاستاذ الأمام محمد عبده الشهيرة في هذا الصدد، فضلا عن اجتهاد الشيخ شلتوت شيخ الأزهر زمن الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وغيرهم من كبار العلماء والفقهاء، كما اعتمد كذلك على رأي شاعر باكستان محمد إقبال. ميل فطري عند فضيلة الشيخ محمود شلتوت أن الغناء والموسيقى الأصل فيها الحل وحب اللذة فطري في الإنسان، والشرع يقوم بتنظيمها بلا قمع أو إفراط، وأما مرويات التحريم فيها فهي ضعيفة أو تحذر من توظيف الغناء والعزف في المحرمات، والله تعالى خلق الإنسان بغريزة يميل بها الى المستلذات والطيبات التي يجد لها أثرا في نفسه، بها يرتاح وبها ينشط وبها تسكن جوارحه فتراه ينشرح صدره بالمناظر الجميلة والخضرة والماء الصافي الذي تلعب أمواجه والوجه الحسن الذي تنبسط أساريره ويشرح صدره بالروائح الطيبة التي تنعش الجسم والروح، وينشرح صدره بلمس النعومة التي لا خشونة فيها، وينشرح صدره بلذة المعرفة في الكشف عن مجهول مخبوء، ويقول الشيخ شلتوت: “ولعل قيام الإنسان بمهمته في هذه الحياة ما كان ليتم على الوجه الذي خلقه الله عليه إلا إذا كان ذا عاطفة توجهه نحو المنعشات وتلك المنح التي خلقها الله معه في الحياة فيأخذ منها القدر الذي يحتاج إليه وينفعه”. وإذا كان الأمر كذلك فليس من المعقول ولا من الحكمة أن الله سبحانه وتعالى بعد أن خلق الانسان وأودع فيه هذه الغرائز لحكمته السامية أن يطلب الله من الإنسان نزعها أو مكافحتها، أي إماتتها، خاصة أنها ضرورية لبقاء الحياة واستمرارها وتتدخل الشريعة فقط لتنظيمها لا لتحريمها ولا لمنعها. الشيخ عبدالغني النابلسي وهو أحد العلماء الذين عرفوا بالورع والتقوى في القرن الحادي عشر الهجري، وضع رسالة إيضاح الدلالات في سماع الآلات، وذهب فيها إلى أن الأحاديث النبوية التي استدل بها القائلون بتحريم الفنون، على فرض صحتها، هي مقيدة بذكر الملاهي وبذكر الخمر والفجور، ولا يكاد يخلو حديث من ذلك التقييد وعلى ذلك كان الحكم عنده أن سماع الأصوات والآلات يصبح حراما إذا اقترن بشيء من المحرمات أو اتخذ وسيلة للمحرمات أو وقع في المحرمات واذا سلم من ذلك كان مباحا حضوره وسماعه وتعلمه أيضا، وعلى هذا النحو سار كثير من الفقهاء والعلماء، وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كثير من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يحضرون مجالس السماع البريئة. أحاديث التحريم لمن يتأملها بدقة تتناول مجالس الخمور والشراب والجواري، التي يكون فيها العزف والغناء مجرد ديكور شكلي في مثل هذه المجالس، لكن الأصل فيها هو الشراب حتى السكر، لكن الفنون الحديثة سواء في حفلات كبار المطربين والموسيقيين، أو الحفلات في دور الأوبرا، محرم فيها تناول الخمور أو الدخول بها إلى المسارح، بل يجرم حتى التدخين في دار الاوبرا المصرية وغيرها من دور الأوبرا، كما ان الغناء والعزف فيها يكون عاما للحضور كافة، يستوي فيها الأمير والوزير والمستمع العادي، وحتى الرقص الذي يؤدى فيها، خاصة الرقص الأوبرالي أو البالية ليس مستهدفا منه أثار الغرائز الجنسية، بل السمو عليها، إن جسد راقصة الباليه يتحول الى ما يشبه لوح من الخشب أو لوح الثلج وهي تؤدي رقصاتها المجهدة، ومن ثم فلا مجال هنا للحديث عن غرائز جسدية أو ميول شهوانية. شروح وإجازات الشيخ حسن العطار، كان ذا حب شديد لسماع الأصوات الفنية وله معرفة بأصولها، خاصة وان سافر الى فلسطين وعاش بها فترة ثم ذهب إلى بلاد “البوسنة والهرسك” وطاف بأوروبا ويقول الشيخ العطار في ذلك: “من لم يتأثر برقيق الأشعار تتلى بلسان الأوتار على شطوط الأنهار في ظلال الأشجار فذلك حمار”، وكان العطار شاعرا أو غنى بعض المطربين كلمات له. الاستاذ الأمام محمد عبده تعرض لهذه القضية، وله العديد من الفتاوى فيها، لم تكن المشكلة زمن محمد عبده تتعلق بالغناء والموسيقى بل بفنون النحت والتماثيل وفن التصوير الفوتوغرافي وجاءته رسائل من مسلمي صقلية والمناطق الروسية يسألونه في مسألة التصوير التي تلزمهم بها النظم الحديثة، وكان محمد عبده واضحا في ذلك وقال إن هذه الفنون، وتحديدا رسم الصور للانسان وللحيوان لا بأس به، وكذلك التماثيل والمنحوتات، وكان رأيه أن هذه الفنون، هي محاكاة لصنع الله سبحانه وتعالي في خلق الطبيعة. أما الحديث النبوي: “أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون” فالمقصود به الصور التي تتخذ للهو ويقصد به كذلك التماثيل التي كانت تقام لبعض الشخصيات كي تعبد من دون الله، وهذا قضى عليه الاسلام، فإن كانت التماثيل ليست للعبادة وليست أصناما فهي مباحة، وتدعو إلى الرقي بالذوق والمشاعر الجميلة في نفس الإنسان. ويخصص الكاتب فصلا خاصا لدراسة الشعر والفنون عند محمد إقبال من خلال شرح وتقديم عبدالوهاب عزام له، والفنون ترتبط عنده بالنفس التي أنشأتها فإن كانت نفسا فاسدة وشريرة كان نتاجها كذلك وان كانت نفسا خيرة كان فنها خيرا ونافعا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©