الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

.. من أجل الحياة

.. من أجل الحياة
28 أغسطس 2013 21:52
تأتي الدورة التاسعة والعشرين من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط، التي تنظمها الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، والتي ستنطلق في الحادي عشر من سبتمبر المقبل وحتى السادس عشر منه تحت شعار “يجب أن تستمر الحياة”، في دار أوبرا الإسكندرية، بمشاركة واسعة من 15 دولة تمثل السينما الأفريقية والآسيوية والأوروبية، وسط مصاعب وتحديات كثيرة ومخاوف جمّة، أولها الظروف الأمنية القاسية التي يمر بها هذا البلد العربي الشقيق، وثانيها المزاج الثقافي العام الذي تظلله مساحات كبيرة من الحزن وانحسار المد الإبداعي على الأقل خلال فترة التحضيرات لإقامة هذا الحدث السينمائي الذي يشهد له بالنجاح وتقديم رؤية سينمائية عربية خاصة لصناعة السينما المستقلة، وسينما المستقبل التي يقودها جيل من شباب دول البحر المتوسط التي اعتادت على إحياء هذه التظاهرة التقليدية في مثل هذا الوقت من كل عام. لكن إدارة المهرجان الذي يترأسها الناقد السينمائي أمير أباظة رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، قدمت تطمينات بإقامة الحدث في موعده المحدد في قصر المهرجان بفندق رويال توليب، ومركز الإبداع، وأتيليه الإسكندرية، والمركز الثقافي الفرنسي بمدينة الإسكندرية الساحلية. وجاء في البيان الذي أصدرته إدارة المهرجان: “إن المهرجانات السينمائية ليست مجرد أنشطة ترفيهية تقام للتسلية والإمتاع، بل هي ثقافة وفكر ومبدأ ورسالة، وأن المهرجانات تقام لكي تجمع الثقافات والحضارات وتتحدى الظروف والأزمات، لكي يؤكد أصدقاء الحياة أنهم لم يتركوا الفرصة لصناع الموت والإرهاب، لكي يهدموا استمراريتها وديمومتها”. كما جاء في البيان الذي تلاه أباظة، في مؤتمر صحفي حضره الممثل محمود عبدالعزيز الذي تم اختياره رئيساً شرفياً للمهرجان: “ومن أجل هذا قررت إدارة المهرجان تحدي كل الظروف والعقبات، وإقامة الدورة في موعدها، وتنفيذ برنامجها المعد مسبقاً، لكي يقدم رسالة إلى العالم، العدو قبل الصديق، أن مصر في رحلتها لمقاومة الإرهاب، لم ولن تتوقف عن الحياة والإبداع، وأنّه تقديراً لتلك الظروف التي تمر بها مصر، فإن المهرجان قرر إلغاء الاستعراضات وما يرافقها من غناء في حفلي الافتتاح والختام، وأن تقتصر الحفلات على تقديم مراسم المهرجان، من تكريمات، ولجان تحكيم، وضيوف شرف، وورش فنية، وندوات فكرية، وغيرها”. ينظم المهرجان مسابقة دولية للأفلام الروائية الطويلة، تقتصر المشاركة فيها على الأفلام حديثة الإنتاج من دول حوض البحر المتوسط، ومسابقة دولية للأفلام التي استخدم في تصويرها تقنية “سينما الديجيتال”، إضافة إلى برامج سينمائية متخصصة خارج المسابقة الدولية. من سوء طالع هذه الدورة من المهرجان، أن تتزامن تحضيراتها مع رحيل الناقد السينمائي الكبير رفيق الصبان، المستشار الفني للمهرجان، وعضو جمعية كتاب ونقاد السينما وأهم مؤسسيها منذ عام 1973. كما تتزامن كذلك مع رحيل الكاتب والباحث السينمائي محمود سامي عطا الله، عضو مؤسس للجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، ومؤسس مهرجان سينما البيئة، ويعد الراحل من الرعيل الثاني للسينما التسجيلية في مصر، مع مخرجين مخضرمين مثل على الغازولي، فريدة عرمان، سمير عوف، وقد أخرج العديد من الأفلام المهمة منها: “الوادي الجديد” 1968، و”العبابدة” 1969، و”جونجلي” 1980، و”مسجد العريش” 1981. عروض وتكريمات بموازاة ذلك، وفي بادرة طيبة تجاه المبدعين السوريين، قررت إدارة المهرجان تكريم الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي (62 عاماً) المعتقل، الذي يعدّ واحداً من أشهر الفنانين العرب في مجال الحفر والجرافيك، وتصميم الملصقات والأغلفة والشعارات، كما يعد من أبرز فناني الكاريكاتير في سورية. فيما تتصدر ورش عمل المهرجان ورشة تدريبية دراسة مجانية في كتابة السيناريو، بإشراف الكاتب والمخرج السينمائي عمرو سلامة، الذي سيقدم للمشاركين دورة مكثفة للمبتدئين لتعلم حرفية الكتابة السينمائية، كما تنظم جماعة أصدقاء مهرجان الإسكندرية السينمائي ندوة فكرية شاملة بعنوان “دور مدينة الإسكندرية في السينما المصرية والعالمية”، وتشتمل على جملة من المحاضرات والمعارض ذات الصلة بالموضوع طوال أيام المهرجان، بمشاركة نخبة من السينمائيين والنقاد ورجال الفكر والآثار وتستضيفهم الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما المشرفة على الحدث، وتعتبر واحدة من أقدم الجمعيات الأهلية في مجال السينما والتي تم إنشاؤها للاهتمام ورعاية الفن السينمائي المصري حيث أسسها الراحل كمال الملاخ مع عدد من النقاد البارزين عام 1973، وكان نشاطها ملء السمع والبصر وأثرى الحياة الثقافية والسينمائية في مصر، فهي التي كان لها الدور الفاعل في إطلاق مهرجان القاهرة السينمائي قبل أن تشرف عليه وزارة الثقافة ثم مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط ومهرجان أسوان ومهرجان مجاويش، وقد كانت الجمعية وقت رئاسة الراحل الملاخ لها ملاذاً وملجأ للإبداع والمبدعين وتحولت أركانها إلى شعلة من النشاطات المختلفة ما بين دورات لتعلم فن كتابة السيناريو وورش للإخراج والتصوير السينمائي وتخرج فيها عدد كبير من المبدعين. ولكن خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة أصاب الجمعية ما أصاب مصر كلها وتراجع دورها وتقلصت أنشطتها وتأثيرها في المجتمع الثقافي والسينمائي واقتصر نشاطها على تنظيم مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر المتوسط، واكتفت مجالس إداراتها المتعاقبة طوال هذه السنوات بهذا النشاط الوحيد والذي أصابه أيضاً الوهن والضعف عاماً بعد آخر لأسباب كثيرة ذات صلة بتراجع الإبداع بوجه عام. فيما تطمح الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما أن تتفجر الثورة بداخلها لتستعيد مكانتها من جديد وقد جاءت الفرصة من خلال انتخاب مجلس إدارة جديد للجمعية كأول مجلس إدارة بعد الثورة المصرية وأصبحت الكرة في ملعب أعضاء الجمعية العمومية وعليهم اختيار مجلس إدارة يمتلك رؤية فنية وثقافية وأيضاً سياسية لمستقبل مصر ومستقبل السينما المصرية، مجلس إدارة يكون قادراً على التعامل مع المتغيرات التي حدثت في مصر ويمتلك الرؤية الجديدة لإثراء الحياة الثقافية والسينمائية. يتضمن برنامج المهرجان عشرين فيلماً، تم استبعاد واحد منها، هو الفيلم الكرواتي “جنون”، بسبب تعرضه بشكل واضح للعلاقات غير الشرعية، كما تم رفض مشاركة وعرض الفيلم الفلسطيني بمشاركة إنتاجية أميركية “فن وعنف”، وبحسب ميرفت عمر المدير الفني للمهرجان “ترجع أسباب إدارة المهرجان لرفض الفيلم إلى مشاركة مخرج إسرائيلي في تنفيذ الفيلم الذي يخرجه ثلاثة مخرجين اثنان من فلسطين هما باتول طالب وريم أبو خالد والمخرج الأميركى ـ الإسرائيلي عودي ألوني. وتقول ميرفت عمر “إن أحداث الفيلم تدور حول الناشط الفلسطيني الراحل جوليانو مير خميس الذي ربط الفن الفلسطيني بالمقاومة من خلال ما تركه للمسرح الفلسطيني المقاوم للاحتلال الإسرائيلي، وينتقد الفيلم الممارسات الإسرائيلية التعسفية ضد الشعب الفلسطيني”. وفي سياق متصل يجب أن ننوه إلى تميز هذا المهرجان في رفض الأعمال السينمائية ذات الإشكاليات أو تلك التي تشوبها ظروف فنية وإنتاجية، إلى جانب موضوعها، كما حدث في الدورة الرابعة والعشرين من المهرجان، حينما تم رفض مشاركة وعرض الفيلم المغربي “كل ما تريده لولا” للمخرج نبيل عيوش، بعد الحملة التي قادها نخبة من الفنانين والصحفيين المصريين، الذين رأوا فيه تشويهاً لوجه وتاريخ مصر، من خلال الحديث عن الرقص الشرقي والملاهي، وكذلك من خلال تقديم نماذج سلبية عن الرجل الشرقي. ويلفت الانتباه اهتمام المهرجان بمسابقة الأفلام المصرية القصيرة (ديجيتال ـ 35 مللي) بإشراف الكاتب والإعلامي محمد يوسف، للعام السابع على التوالي، كذلك عرض مجموعة من الأفلام في قسم (بانوراما)، خارج إطار المسابقة الرسمية، وتتنوع هذه الأفلام ما بين روائي وتسجيلي وتحريك، وخصصت إدارة المهرجان للفائزين مجموعة من الجوائز، جرى توزيعها على النحو التالي: ـ أفضل فيلم روائي قصير 5 آلاف جنيه. ـ أفضل فيلم تسجيلي طويل (أكثر من 60 د.) 5 آلاف جنيه. ـ أفضل فيلم تسجيلي 5 آلاف جنيه. ـ أفضل فيلم تحريك 5 آلاف جنيه. ـ جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الروائي 3 آلاف جنيه. ـ جائزة لجنة التحكيم الخاصة التسجيلي الطويل 3 آلاف جنيه. ـ جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم التسجيلي 3 آلاف جنيه. ـ جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم التحريك 3 آلاف جنيه. مشاركة خليجية كما ينظم المهرجان ولأول مرة، مسابقة مهرجان السينما العربية القصيرة، بمشاركة أفلام من المملكة العربية السعودية، الإمارات، الكويت، قطر، سلطنة عمان، العراق، سورية، لبنان، المغرب، الجزائر. ومن اللافت أن تهتم إدارة المهرجان بالسينما الكويتية بعد أن قررت تنظيم احتفاء خاص بها، من خلال عرض بانوراما لها وعرض مجموعة من أفلامها لنقاد وجمهور المهرجان. مهرجان الإسكندرية السينمائي، وهو ثاني تظاهرة سينمائية مصرية بعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، يواجه مصاعب وتحديات وظروفاً استثنائية قابلة للتغيير مع كل لحظة، ومع ذلك يرفع شعاراً إنسانياً رفيعاً (يجب أن تستمر الحياة). صحيح أنه لم يتم حتى الآن الإعلان رسمياً عن برنامج الدورة التاسعة والعشرين من عروض الأفلام، وبخاصة المشاركة في المنافسة الرئيسية للأفلام الروائية الطويلة، والتسجيلية، والقصيرة، وأفلام الصور المتحركة المعدة رقمياً، وغيرها من المسابقات، لكن مجرد التأكيد على إطلاق الحدث في موعده، يستحق الاحترام والتقدير، وذلك امتداداً للنجاح الكبير الذي حققته الدورة السابقة من المهرجان سواء على مستوى عروض الأفلام، أو على مستوى تكريم رموز السينما في مصر والعالم العربي ودول المتوسط، أو على مستوى رفض الأفلام ذات الصلة بتشجيع فكرة العنف أو التعصب والتشدد، أو كراهية الإنسان، أو بروز أي مظاهر للتطرف بأشكاله المختلفة. ويكفي هذه الدورة أنها وفي تقليد مهرجاني يسعى للتأكيد على قيمة ثنائية الأدب والفن، أن تهدي نجاحها إلى روح واسم كاتب السيناريو المصري عبدالحي أديب، الذي توفي نهاية شهر يوليو الماضي، وذلك تقديراً لتاريخه السينمائي وإثرائه الكتابة السينمائية وعطائه الذي امتد منذ خمسينيات القرن الماضي حتى رحيله، حيث يحسب للراحل إنتاجه الغزير منذ أن كتب عام 1958 قصة فيلم “باب الحديد” ليوسف شاهين. انطلق المهرجان الماضي وسط ظروف صعبة تحت شعار (الكرامة الإنسانية) وستنطلق الدورة الجديدة منه تحت شعار يتماهى مع مفرداته كثيراً، وليس بذي أهمية أن نعرف أسماء وعناوين الأفلام المشاركة التي ستصدر قريباً عن إدارة المهرجان في لائحة مستوفاة، بقدر ما علينا تفهم حالة المهرجان وظروفه الاستثنائية ورؤيته للفن السابع في خدمة الجماهير، والذائقة الفنية، وتحقيق اللقاء الحضاري لمبدعي ورجال الفكر والسينما في دول المتوسط، ومن ثم الحضور السينمائي العربي المرتقب لأول مرة، في أحضان عروس المتوسط الإسكندرية.. وهذا يكفي..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©