الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعدام الامبراطور مرتين

إعدام الامبراطور مرتين
1 سبتمبر 2011 22:58
منذ أن كان طفلا، يعمل «سامي» مع والده في تجارة المخدرات وهو يعرف ماذا يفعل، لأن اباه كان يحذره بشدة في البداية في كل تحركاته ويطلب منه ألا يتحدث مع اي شخص مهما كان في اي موضوع، وقد كان الأب في البداية يستغله لأبعاد الشبهات عن نفسه، وايضا اذا تم ضبط المخدرات مع الصغير فإنه سيكون بعيدا عن الاتهام وان الصغير قد يخرج منها مثل الشعرة من العجين، لذا فإن الطفل نشأ قاسي القلب لا يعرف الخوف، وقام بالمهام تماما وهذا ما جعله مقربا عند ابيه والمفضل لديه وخازن أسراره. الطفل مع صغر سنه، تخفي عيناه أسرارا دفينة ودهاء واضحا وجرأة وجسارة كلها غير معهودة في أقرانه، حتى انه كان يتعامل معهم على انه متميز عنهم وليس مثلهم، ومهمته كانت تفرض عليه ان يكون كذلك، والمنطقة التي يعيش فيها صحراوية، تحيط بها مرتفعات جبلية وكهوف، وكان يقضي مع أبيه فيها الكثير من الأوقات لعقد الصفقات المشبوهة ووضع الخطط ودراسة المواقف، ويلتقي ايضاً مع الأشخاص الذين يتعامل معهم أبوه، وهم من تجار المخدرات الكبار والصغار. أصبح الفتى خبيرا في الأصناف والأنواع والأسعار، وأبوه يعتمد عليه في كثير من أعماله ويترك له التصرف بحرية لأنه يثق به الى أقصى حد بجانب قدرته الفائقة على التعامل المناسب مع المواقف والظروف، فقد تعلم من الأب كل الخبايا وقلة الكلام والتحفظ في الحوار، وكل كلمة لها وزنها ووقتها والتريث قبل التفوه بها، فالوضع في غاية الحساسية، وقد تكون سببا في الضياع وانهيار الامبراطورية التي قامت منذ سنوات واستمرت بسبب الحيطة والحذر الشديدين بل والشك في كل شيء وفي كل شخص لأن رجال الشرطة لا يعدمون حيلة في التخفي والتنكر، والأب والابن يتابعان سقوط أمثالهما بطرق غير معهودة وبأخطاء بسيطة، فلا امان لاحد حتى وان كان من المقربين. مات الأب وورث «سامي» تجارة ابيه المشينة، وورث معها ايضا مبالغ ضخمة ومزارع وأسلحة لاستخدامها عند الخطر او الضرورة، فهو يعامل اناسا لا أخلاق لهم والغدر في دمائهم ولا يهم عندهم الا المال وبأي وسيلة حتى لو كانت دماء الآخرين، وهم في الأساس يتاجرون في القتل يقدمون الموت ويحصلون على الثمن. اشترى الفتى دراجة نارية للتنقل في الدروب الصحراوية وليتمكن من المراوغة في الأماكن الوعرة حيث إن السيارات تسير بصعوبة في الرمال، وايضا اذا تمت مطاردته من الشرطة او احد أعدائه فانه يستطيع أن يهرب بسهولة، واتخذ له صبية يعاونونه في تجارته، ولم يتورع يوما عن أن يطلق على أحدهم الرصاص فيصيبه في مقتل ليرهب الأخرين ويظهر لهم قوته وجبروته وانه ليس صيدا سهلا وأيضا لم تعد عظامه طرية وانما يستطيع ان يسيطر ويتحكم في كل من حوله حتى انه لم يجرؤ احد على ذكر الحقيقة واتهامه في التحقيقات التي لم تصل اليه وراحت دماء القتيل هدرا، وكان لهذه الواقعة اثرها في أن يحسب له الرجال من حوله ألف حساب. جاءه من رجاله من يهمس في إذنه بان هناك صفقة كبرى بملايين الدولارات سيتم جلبها من الخارج، لكن ربحها مضاعف عدة مرات، وهو يعلم حجم الأرباح التي يجنيها من وراء تجارته الرائجة المضمونة، وبضاعته المطلوبة، وكعادته لم يندفع وانما تريث لدراسة الأمر دراسة متأنية خاصة وان المبلغ المطلوب هذه المرة كبير ويفوق إمكاناته او ربما كل ما يملك وماورث عن ابيه، الا انه في نفس الوقت يرفض الشراكة مع احد لأنه اولا وأخيرا لا يحب الخير لغيره إن كان في هذا خير ثم كي لا يطلع احدا على أسراره حفاظا على التكتم الذي لا بد منه لأنه أساس عمله. وجد «سامي» نفسه في ورطة وضيق وهو يبحث تدبير المبلغ المطلوب بعد أن سال لعابه على المكسب الكبير الذي ينتظره وسيرفعه الى عنان السماء، وفي النهاية لم يجد مفرا من المغامرة لأن العائد مضمون، وقرر أن يبيع كل ما يملك ويجمع كل ما بين يديه من أموال لتدبير المبلغ الضخم ولابد من التعجل قبل ان يسبقه احد الى صفقة العمر، وخلال ساعات معدودة تمكن من تدبيره، واعد رجاله الذين يجب ان يكونوا جاهزين لتأمين منطقة التسليم والتسلم بالأسلحة، ولكن الغدر كان موجودا من الطرف الآخر وأخذهم على حين غرة وبعد معركة حامية الوطيس خسر كل شيء والطامة الكبرى انه اكتشف المؤامرة ففي الحقيقة لم تكن هناك اي صفقات ولا يحزنون وانما كان بعض الغرماء من اعداء ابيه وراء هذه اللعبة، فقد لعبها معهم من قبل ومات قبل ان يأخذوا بثأرهم منه، وكان لابد من الانتقام من ابنه. الضربة كانت قاسية موجعة قصمت ظهره، وخسر فيها كل ما جمعه هو وأبوه في حياتهما في طرفة عين، وإمكاناته الآن لا تمكنه من تدبير الرد الذي لابد منه، وخاصة ان بعض رجاله شاركوا في المكيدة وساعدوا في إيقاعه في هذا الفخ، كاد أن يضرب رأسه في الجبل من الغيظ وهو يتوعد بينه وبين نفسه ويصر على رد الصاع صاعين فهو لا يقبل الهزيمة ويرى نفسه اكبر من الآخرين ولا يجوز ان يكون مثلهم ولا يتساوى بهم، غير أن القوة وحدها لاتكفي ولابد من كثير من الذكاء كما تقضي أصول اللعبة، وعندما يحين الوقت المناسب، وفقد «سامي» في المعركة ابن عمه المقرب اليه والذي كان ساعده الأيمن وأمين سره الوحيد والذي كان يشبهه كثيرا حتى ان من لا يعرفهما كان يعتقد انهما توأم. حاول «سامي» ان يبحث عن صفقات جديدة وسريعة لتعوضه نسبيا عن الخسارة الكبرى، وعندما مد يده ولجا الى التجار الآخرين الذين يتعامل معهم والذين كان أبوه يقيم شراكات معهم ويعدون أهل ثقة وتربطهم علاقات على مدى سنوات قد تمتد الى ما قبل ميلاده، قوبل باعتذارات واهية وهو يعلم انهم كاذبون. لم يجد «سامي» أمامه الا ان يبدأ من الصفر مضطرا لهذا الهبوط الاضطراري، ولكن مع تغيير المكان والأشخاص حتى لا يبدو ضعفه أمام من يعرفونه، وعاد الى تجارة التجزئة التي يعمل بها الصبية الصغار والمبتدئون، وهو يمني نفسه بعمليات تنتشله من التردي ومازال مصرا على الانتقام بل اصبح جمع المال الآن هدفه ليأخذ بثأره من الذين خدعوه واهدروا كرامته لكن الصدفة كانت اسبق في سقوطه في ايدي رجال الشرطة قبل ان يتم ضبطه بعد ان وصلت أخباره الى رجال مكافحة المخدرات، فبينما هو يستقل الدراجة النارية استوقفه أحد الأكمنة على الطريق السريع لسؤاله عن التراخيص فاعتقد انهم يريدون القبض عليه وضبط ما بحوزته من مخدرات وسموم فحاول الهروب لكنهم طاردوه وتمكنوا من الايقاع به واعترف في التحقيقات بان المخدرات التي بحوزته بقصد الاتجار رغم انه يعلم ان العقوبة قد تصل الى الإعدام، لكنه كان يعلم ما يفعل، فقد قدم بطاقة ابن عمه الذي لقي مصرعه من قبل وانتحل اسمه لكي يهرب من العقوبة وهو يخفي في نفسة خطة شيطانية. لقد خطط «سامي» للهروب واذا تم ذلك فانه سيخرج من القضية تماما لأن المتهم مات وسيكون هو لا علاقة له بالقضية، وبالفعل قام ما تبقى له من أعوان بمهاجمة قوة الشرطة التي كانت تقوم بنقله الى المحكمة لنظر القضية وتمكنوا من فك قيوده وتهريبه، وهكذا ظن انه نجا، لكنه فوجئ بالقبض عليه وهو يستنكر ما حدث ويحاول ان ينفي عن نفسه الاتهام وانه لا علاقة له به خاصة انه ليس المتهم وقدم بطاقة تحقيق الشخصية التي يؤكد الاختلاف بينه وبين المتهم الحقيقي. لكن يبدو أن «سامي» نسي انهم قاموا بالحصول على بصمات أصابعه بعد القبض عليه وان ما فعله أضاف له تهمة جديدة، فهو الآن متهم بالاتجار في المخدرات وقتل احد رجاله منذ سنوات بعد ان اعترف احد من كانوا يعملون معه بانه وراء قتله وقيدت القضية حينها ضد مجهول، بالإضافة الى التزوير وانتحال الصفة، واصبح يواجه الإعدام مرتين والسجن لعدة سنوات.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©