الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سُلطان النوم والغناء

27 نوفمبر 2010 00:23
عندما خرج المطرب والمُلحن والمُلهَم الموسيقي ذائع الصيت «عبده الحامولي» (1836-1901) من مدينة طنطا المصرية، هارباً بلا تحديد وِجهة، وبصحبة أخيه تعاطفاً معه، بسبب قسوة الأب على الأخ الأكبر، لم يكن قد تعدى العاشرة من عمره بعد، وقد حدث وقت الهروب ساعة نزول ستارة الشفق على النهار المُستبين للعيان على أنه نهار لحياة سليمة دون خطأ أو عذاب. وقد تحدَّر مع الوقت والمكان إلى أن وصل إلى القاهرة، تسبقه شهرة صوته وحكاية خروجه؛ تلك التي أصبحت أثراً يشبه فيما يشبه علامة أثرية كأي معبد أو هرم، هذا أنه حين كان يغني في حفلة يُصادَفُ أن يمر عليه فيها نفس وقت لحظة الهرب، كان يغشاه النوم من نصف ساعة إلى ساعة على التخت أمام جمهوره. كان الغروب يمثل له ذكرى سيئة ظلت معه إلى أن توفاه الله، ولم يكن لهذا النوع من «الارتباط الشرطي» أثراً جيداً لصالحه، بقدر ما كان جالباً لشكل من أشكال الاعتراض، تمثل لديه كَحَدِ أعلى في النوم، أما جمهوره فقد كان يتعامل مع الأمر بيسر ومحبة، فيظلون في انتظاره حتى يفيق ويُكمل وصلته الغنائية، ويعاودون الاستماع بتَجَلِّ كأن شيئاً لم يقاطع أرواحهم وأبدانهم المنتشية طرباً سلفاًً. أما باقي الحالات الأقل حدة من النوم كانت تتمثل في انقباض الصدر والانقلاب الفجائي من التصرف الاعتيادي إلى الكدر والحزن والوحشة. وبرغم أن الأمر لم يكن يخصه بتاتاً، فأخوه هو الذي كانت تساء معاملته، إنما وقد تكلم بعض المعاصرين له عن ذلك؛ فقد أوعزوا آلامه المستمرة مع الغروب إلى نوعٍ من الرهافة ودقة التركيز، مُضاف إليهما حسه الثوري على ما هو غير منطقي، لذلك كان مُجدداً موسيقياً وسلوكياً بين أترابه، وما أشد وأشهر دليل على ذلك، إلا أنه عندما كان يستيقظ بعد نومته السريعة أمام جمهوره؛ كان يرجع إلى نفس النغمة التي وقف عندها دون استعانة بآلة أو أحد عازفي التخت، وكأن وصلة النوم تلك هي جزء من الأداء الكلي والمتماسك لغنائه. النوم سلطان كما يُقال، والموسيقى ليست بأقل من النوم سَلطنة، أما حينما يجتمعان معاً بهذه الطريقة، فإن الوضع يأخذنا للتفكير في أصدقائنا وغيرهم، هؤلاء الذين ينامون أثناء مشاهدة الأفلام في السينما، أو الكونسرتات الموسيقية، والمؤتمرات والبرلمانات. وليكن كل ذلك يحدث لأن النوم سُلطان، لكن وبما أن الموسيقى ليست بأقل سَلطنة من النوم، فكيف يتابع هؤلاء بقية أحداث الحاصل بعد سقوطهم في النوم واستيقاظهم؟. allmirrorsarenomads@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©