الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتاب يكشف عادات وتقاليد الأكراد ويؤرخ إرثهم الثقافي والاجتماعي

كتاب يكشف عادات وتقاليد الأكراد ويؤرخ إرثهم الثقافي والاجتماعي
27 نوفمبر 2010 20:08
صلاح الدين الأيوبي من أبرز الشخصيات الكردية خلال تاريخهم الطويل والممتد في المنطقة، ومثّلت إنجازات هذا البطل نقطة تحول في تاريخ المشرق حين ملاقاته جيوش الصليبيين وقدرته على التغلب عليها، فكان ذلك إيذاناً بزوال سيطرتهم على القدس، وبالتالي صعود نجم الحضارة العربية وعودة القدس إلى الحكم الإسلامي. وتقديراً لهذه الشخصية المحورية في تاريخ المنطقة، كان لازماً الاهتمام بكل ما يتعلق بالأكراد وعاداتهم وتقاليدهم، والولوج إلى هذا العالم المدهش الذي قد لا يعرف الكثيرون شيئاً عنه رغم تماسه مع عادات وتقاليد العرب، كون الأكراد ينتمون في الأصل إلى جذور عربية. يعد كتاب “رسالة في عادات الأكراد وتقاليدهم” الذي ألفه محمود بايزيدي منتصف القرن التاسع عشر، سجلاً تاريخياً موثقاً للإرث الثقافي والاجتماعي للأكراد، وأعاده مشروع “كلمة” إلى النور مؤخرا، ليأخذ القارئ في رحلة بمعية بايزيدي إلى قلب المجتمع الكردي الغني بالتفاصيل قريبة الشبه من العادات العربية القبلية، ويعرفه بتاريخهم الحافل بالمعارك والنزاعات التي مازال عدد منها مستمرا حتى اليوم. أصول عربية يقول المؤلف إن طوائف الأكراد تنتمي إلى القبائل العربية البدوية القديمة، حيث انفصلت في عهود سالفة جماعة من تلك القبائل وهاجرت بأبنائها وعائلاتها إلى هذه البقاع، وكانت تلك الجماعة فيما مضى قبيلة واحدة تتكلم اللغة العربية. وفي ذلك الوقت لم تكن لفظة كردستان متداولة، وبعد أن استقرت تلك الطوائف في هذه البقاع الخالية واستوطنت إيران وخراسان، أطلق اسم كل رجل منهم على طائفة معينة، فالذي كان يسمى مثلاً حيدر، نشأت من ذريته قبيلة الحيدريين، والذي كان يدعى زيلو نشأت منه قبيلة الزيليين، وهكذا. والمقصود بلفظ الطائفة هو تلك الجماعة التي نشأت من نسل رجل واحد، وبمرور الزمن كثر نسله وتزايد عددهم، ولهذا تجد معظم القبائل ذات صلات قربى مشتركة بعضها مع بعض، فيعتبر رجالها أنفسهم أبناء عمومة للطوائف الأخرى ويجدون أنفسهم ملزمين بالدفاع عنها، أما الطوائف البعيدة فيتجاهلونها ولا يعبأون بأمرها، وهذه هي حال الطوائف وقد تم بيانه. ويوضح بايزدي أن أصل لفظ الكرد والأكراد هو كرد، أي الجمع وقد اشتق لهم هذا الاسم وأطلق عليهم بسبب مجاورة أولئك العرب للفرس والخراسانيين، حيث أخذوا مفردات لغاتهم واستفادوا منها، وبمضي الوقت ومرور الأيام تركوا لغتهم العربية القديمة وتفرقوا شعوباً وقبائل وطوائف شتى. والسبب في التصاق اسم الكرد والأكراد بهم هو لغتهم التي أخذوها من الجوار وجمعوا فيما بينها وخلطوا عدة لغات من لغات الإيرانيين وبلاد فارس، وهكذا أصبحوا ملة معلومة. وثمة بعض اختلاف في لغتهم بحسب الموقع والمكان مثل لجهات العربية والفارسية التي تختلف باختلاف المكان، فمثلاً تختلف لهجة البدو عن لهجة المصريين عن لهجة الحجازيين ولا تتشابه، كما أن لغة الفرس أيضاً تتفرق إلى لهجات عديدة كالدرية والبهلوية والعراقية والآذرية، وعلى هذا المنوال أيضاً تتفاوت لغة الأكراد تفاوتاً جزئياً. سجايا نبيلة عن أنسابهم يشير بايزيدي إلى أن الأكراد يعيرون اهتماماً بالغاً بالأنساب وينتسب بعض أمرائهم وآغواتهم إلى السادة (نسل النبي محمد عليه الصلاة والسلام)، وبعضهم ينتسب إلى الصحابة كالعباسيين والأنسيين والمروانيين، أما سائر الأكراد فإنهم يعرفون سلسلة نسبهم حتى الجد السابع ويراعون أواصر القرابة وصلاتها ولا يفرطون فيها. وعلى سبيل المثال، إذا كان لرجل أقرباء في مصر والشام، فإنه يوصي أولاده بالاتصال بهم ويدلهم عليهم ويقول: “يوجد لنا نسيب في الصقع الفلاني، القرية الفلانية والقبيلة الفلانية، وكذلك فإن ذلك الرجل المهاجر إلى تلك الأوطان يوصي أولاده بضرورة إقامة العلاقة مع أقاربه، وربما كان بين الأكراد وغيرهم ثأر ودماء، عندها يحكي الآباء لأبنائهم تفاصيل تلك العداوة القائمة ومتى ولماذا بدأت ويوصونهم بحفظ تلك التفاصيل”. في موضع آخر من الكتاب، يوضح المؤلف أن الأكراد مشهورون بإغاثة الملهوف، فلو استجار رجل ارتكب جناية عظيمة برجل آخر وطلب الصفح منه لأجاره وحماه وصفح عنه ورعى ذمته، وهم يتخذون الذمة يميناً يقسمون بها ولا يحنثون في إيمانهم أبداً، فلو حدث رجل رجلاً آخر وقال له: إن الأمر الفلاني لم يقع ثم حلف بذمته فإنهم يصدقونه بلا جدال، ولو أرادوا مثلاً قتل رجل، فذهب أهله واستجاروا بأحد فإنه يجيره مهما كان الأمر ويسعى في إنقاذه من القتل حتى يستخلصه. ومن عاداتهم أنه إذا كبا جواد بفارس فوقع أسيراً في أيديهم فإنهم لا يقتلونه أبداً. فرسان المعارك وحول ما يتعلق بالفروسية والحروب، يلفت بايزيدي إلى أن أكثر رجال الأكراد يتمنون الموت في ساحات المعارك وإذا مات أحدهم حتف أنفه وبأجله الموعود قالوا “وا أسفاه، ليته قضى نحبه في معركة”. وفي المعارك يخجل الأكراد بعضهم من بعض، وحتى لو لم يكن المقاتل شجاعاً فإنه سيقاتل خجلاً من رفاقه، وربما يقتل، وهم يثيرون النخوة بعضهم لدى بعض ويحرض أحدهم الآخر في القتال، وإن صادف وهرب أحدهم من ساحة المعركة فإنه يفقد منزلته ويبصق عليه الرجال والنساء ويسخرون منه ويعطونه القهوة من عقب الفنجان إذا حضر المجالس، وتقاطعه زوجته فلا تكلمه ويتعرض يومياً للإهانة، أي أن الموت في المعركة لدى الأكراد أفضل بكثير من الهرب، فالمرء يرضى بالموت ولا يرضى بتلك الإهانات، ولهذا ترى الكردي لا يهرب في أي حال من الأحوال من ساحة المعركة. وثمة كثير من الجماعات يعادي بعضها بعضاً، وإن تلاقت تلك الجماعات فلابد من أن يقتل بعضهم بعضاً، وهم لا يأبهون بأوامر قائد الجيش بل يغيرون على البيوت والمنازل وينهبونها، ولكن النساء محصنات لا يلمسهن ولا يعاديهن أحد بل يحترمونهن، بحيث لو توسطت امرأة في قضية دم فإنهم يقبلون وساطتها وشفاعتها. وفي بلاد هكاري وبوهتان وبهدينان، تستعر كثيراً نيران العداوة بين الحضريين أيضاً، إذ تكون قريتان أو قضاءان أو حتى حيان من أحياء قرية في عداء بينهما، فينشب النزاع عدة مرات في اليوم ويعمدون إلى نصب الحواجز وإقامة المتاريس وإطلاق نيران المسدسات ويقتل من كل طرف بعض الرجال، ولا يستطيع أحد عند ذلك الخروج من بيته أصلاً إلا النساء فإنهن مرخصات ولا يتعرض لهن أحد، ولا يمكن قتل المرأة إلا في حالة الزنا حيث لا يشفع لها أحد. ولولا ذلك لحصل فساد كثير إذ تخالط النساء الكرديات الرجال كثيراً وهن لخوفهن من القتل لا يقدمن على فعل شائن، ففي الأكراد لا يمكن قطعاً العفو في هذا الموضوع. خرافات الأكراد عن الخرافات والأساطير، يذكر بايزيدي أن الأكراد يفسرون كثيراً من الأمور بمقتضى تجربتهم وتكرار حدوثها، ويستدلون بها على ما سيحدث، فمثلاً لو أن العنزة رفعت ذنبها فإنهم يدركون أن المطر لن يهطل ذلك اليوم، أما إذا خفضت ذنبها فإنهم يقولون إن السماء ستمطر ذلك اليوم لا محالة، وإذا حط طائر على باب الدار وصاح، فإنها علامة على قرب وصول رسالة من قريب في الغربة. وإذا مسحت الهرة وجهها بقائمتيها فإنهم يعتبرون ذلك علامة على قدوم ضيوف، وإذا طارت لقمة من يد أحدهم، أو قطعة عجين من يد امرأة تقطع العجين فذلك علامة قدوم الضيوف. وإذا تراقصت الهوام حول شمعة مشتعلة أيقنوا أن رسائل ستأتيهم، وإذا تراكبت أحذيتهم اعتبروا ذلك علامة سفر قريب. وإذا شعر أحدهم بالحك في كفه اليمنى أيقن أن مالاً سيأتيه من جهة ما، أما إذا شعر بالحك في كفه اليسرى كان ذلك دليلاً على حصول معركة، فيستعدون لها، وإذا ظهر قوس قزح في جهة ما قالوا إن تلك الجهة ستنعم برخص الأسعار، وإذا رأوا نوراً أحمر في جهة ما من السماء قالوا إن حرباً ستقع في تلك الناحية، وإذا شاع ذكر موت أحدهم خطأ، قالوا إنه سيعيش كثيراً، وإذا تزوج رجل بفتاة ومات قبل أن تزف الفتاة إليه اعتبروها نحساً وتشاءموا منها وسموها “سرخوره” (حرفياً آكلة الرؤوس: شؤم)، فلا يتقدم لطلب يدها أحد بعد ذلك، أما إذا تكرر الأمر مرتين فالعياذ بالله، تبقى الفتاة دون أن يتجرأ أحد على خطبتها، أما إذا ماتت الفتاة وبقي زوجها على قيد الحياة، فإنهم لا يتشاءمون من ذلك، ولو تكررت الواقعة عشر مرات. فتيات الأكراد عن فتيات الأكراد، يبين بايزيدي أنهن يتعلمن كفتيانهم، ولهن ملا يعلمهن، أما نساؤهم اللواتي في أواسط العمر فأغلبهن يدخن الغلايين ويخالطن الرجال في مجالسهم، وهن قليلات الصلاة، لأنهن مشغولات بأعمال المنزل، إنهن لا يكنسن في الليل ويعتبرن ذلك أمراً جالباً للنحس، ولا ينفخن في المصابيح والسرج، وكذلك لا ينظرن إلى وجوههن في المرايا، ولا ينقلن المواعين مساء ولا يرمين الزبالة، فهذه الأمور عندهن تعتبر نحساً إذا جرت في الليل. وكذلك لا يغتسلن أثناء أيام الأربعاء ولا يغسلن أطفالهن في تلك الأوقات، لاعتقادهن أن ذلك يسبب الأمراض، وكذلك لا يفصحن عن ممتلكاتهن ولا يدعن أحداً ممن يحذرن قدرته على الإصابة بالعين يرى ما يملكن. ويؤكد أن أغلب نساء الأكراد وبناتهم مثل نساء العرب يضعن الوشم على وجوههن وجباههن وشفاههن، وهن يذهبن مرخصات، لا يتعرض لهن أحد، إلى المطاحن أو القوافل. وينام الأكراد في بيوتهم أو خيامهم معاً، الأزواج والآباء والأبناء والأخوات والأمهات والكنائن جنباً إلى جنب ويصل عددهم إلى بضعة عشر شخصاً، وهذا للضرورة إذ لا يوجد مكان خاص لكل واحد فلابد من النوم في صعيد واحد. وأن نساءهم وبناتهم لا يحتجبن أصلاً، ولا يهربن من أجنبي ولا يتحرجن من الكلام مع الغرباء، ومع ذلك فهن ذوات عصمة وأدب وشرف. ولهن أملاكهن الخاصة مما جلبنه معهن من بيوت آبائهن كالغنم والنقود أو مما وهبه لهن أزواجهن، وتسمى ممتلكات المرأة (شكيرت) ولا يقرب الزوج مال زوجته أو يأكله، وللزوجة أن تتاجر بمالها وتكسب من وراء ذلك. ولكن معظم نسائهم يتنازلن عن حصصهن من الميراث لإخوتهن وأبناء أعمامهن. سوء الظن في معرض حديثه عن عادات الأكراد، يشدد المؤلف على أنهم يجتنبون مال الأوقاف ويبتعدون عنه، حتى أنه إن وُجد فيهم زعيم أو حاكم ظالم، ذهبوا في الخفاء لإحضار حفنة من تراب الأوقاف ونثروها على ممتلكات ذلك الظالم، ويعتقدون أنه بذلك يتم قهره وإتلاف ماله في مدة يسيرة. ولا يعرف الأكراد سوء الظن بل لا يخطر في بالهم أن يتهموا نساءهم بارتكاب الزنا وأفعال السوء، حتى ولو اختلطن بالرجال الأجانب وتحدثن معهم ولعبن وضحكن، أو بقين - إن اقتضى الأمر - في بيوت الغرباء ونمن هناك. فالنساء، وإن كن متبرجات إلا أنهن لسن سيئات الخلق، ومن النادر وجود امرأة سيئة السيرة، وذلك يعود لخوفهن، إذ لو ثبت أن امرأة زنت، فإنها تقتل لا محالة من قبل ورثتها وأهلها الأقربين ولا فرصة للمرأة في هذه الحالة في الحياة، ولو وجدوا تلك المرأة مع رجل فإنهما يقتلان ولا دية لهما، ولا يطالب أحد بدم العاهرة، فذلك عار كبير، لا تنفع فيه الشفاعة ولا يجدي الرجاء.. أما سائر القباحات الأخرى مثل القتل والسرقة فيمكن أن يتشفع فيها الناس. وإذا اكتُشف أمر امرأة وعلم أهلها أنها زنت مع رجل حتى دون أن يروهما في مكان الزنا، فإنهم ينهالون عليها فوراً طعناً بالخناجر ويقتلونها ثم يذهبون لدفنها، دون أن يسأل أحد من الجيران والأقارب لم قتلتموها، وكذلك لا يقيمون مراسم العزاء للمقتولة. أما الرجل الذي زنا بتلك المرأة، فإنه يصبح هدفاً يطلبه أهل المرأة فإن ظفروا به قتلوه دون أن تكون له دية، ولا صلح في مثل هذه الأمور، إذ إنه أمر يتعلق بالشرف والعرض، ومن العار المساومة على الأعراض أو الاحتكام إلى الصلح في قضية الشرف. مراسم الحداد بالنسبة لمراسم الحداد، يبين بايزيدي أن الأكراد يبالغون في إقامة المآتم لموتاهم الشباب ويلبسون السواد من رؤوسهم إلى أرجلهم وتقوم أخوات الميت وبناته ونسوته بقص جدائلهن ويظهرن حزناً كبيراً على الفقيد. وإذا كان الميت رجلاً وصاحب خيل وسلاح، فإنهم يزينون فرسه ويلقون عليها سلاح الميت وعدة حربه، ويدعونها تحمل نعشه في مقدمة موكب الجنازة حيث تمشي النساء وراءه وهن يولولن قائلات: “واثكلاه يا أب، واثكلاه يا ابن عمي، يا أخي”. ويبقين على تلك الحال باكيات مولولات حتى يصل عويلهن عنان السماء بحيث إن صادف رجل غريب تلك الجنازة فإنه بلاشك سيتأثر ويرثي لحالهن ويبكي. ويذهب الجميع بذلك الطراز من الاحتشام ليدفنوا ميتهم. أما النساء اللواتي قصصن شعورهن وجدائلهن فإنهن يلقين ما قصصنه على جانب من جوانب القبر. ولمدة خمسة عشر يوماً فإن الرجال والنساء وجيران الميت يأتون لزيارة القبر يقرؤون (القرآن) ويبكون ويتصدقون. وإذا كان الميت رجلاً، فإنهم يلقون أحد أثوابه الفاخرة على النعش، ويتجهون صوب المقبرة، وكذلك إذا كان الميت امرأة، ويكون ذلك الثوب الملقى على النعش من نصيب الملا أيضاً، وإذا كان ثمة أكثر من ملا فإنهم يبيعون الثوب ويتقاسمون ثمنه. ولمدة ثلاثة أيام لا يطبخ أهل الميت طعاماً، بل إن الجيران يعدون الطعام ويدعون أهل الميت رجالاً ونساء لتناوله. وحالما تنقضي سبعة أيام، يقوم الجيران بغسل ثياب الميت وتوزيعها على الفقراء والمساكين
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©