الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوبا··· أقل شدة في عهد راوول

كوبا··· أقل شدة في عهد راوول
20 فبراير 2008 00:22
كنا جالسين على كرسي حديدي وسط المدينة، وكنت أتحدث و''مانولو'' حول مناخ ديسمبر، نومئ للراجلين الذين يعبرون أمامنا برؤوسنا محيين، وإذا بضابط يقطع حديثَنا بكل أدب، ليطلب رؤية بطاقات الهوية، وهو أمر ليس غريبا عندما يتعلق الأمر بحديثٍ بين أجنبي فاتح البشرة وكوبي داكن البشرة، رحل الضابط بعد أن دون البيانات الخاصة بنا، ولكن بعد بضع دقائق، عاد من جديد وطلب منا أن نرافقه إلى سيارة الشرطة· قلت في نفسي إنها بداية لا تبشر بالخير في الجزيرة، ولكنها طريقة ممتازة في الوقت نفسه لجس نبض كوبا· فمنذ أن مرض ''فيديل كاسترو'' قبل أزيد من 18 شهرا، وعيَّن شقيقه الأصغر ''راوول'' -قائد القوات المسلحة حينها- رئيسا مؤقتا للبلاد، كانت كلمة ''الانتقال'' تتردد على كل الشفاه، فالكوبيون يعرفون أين كان بلدهم، ولكن لا أحد منهم يعرف الاتجاه الذي يسير فيه· سلمَنا الشرطي إلى ضابط أعلى رتبــة، وسألني هذا الأخير ما إن كنت أحمل معي أي أوراق عدا تلك التي كنت أحتفظ بها داخــل مذكرتي، فأجبت بالنفي، وفجأة، وضع أفراد الشرطة ''مانولو'' مقابل السيــارة، وفتشوه وقيدوا يديــه ووضعــوه في المقعد الخلفي للسيارة· أما أنا، فلم أفتَّش أو أقيد، ولكن أفراد الشرطة أخذوني معهم إلى مركز الشرطة· كان المركز نمطيا يعج بحركة أفراد الشرطة· وفي كل مرة، كان يتم تسليمي إلى ضابط أعلى رتبة، وكنت أُسأل ما إن كانت لدي أي أوراق أخرى· وفي الأخير، أُخذت إلى قاعة حيث يوجد موظف مصلحة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية· حوَّل أنظاره من الحاسوب ونظر إليّ، كان قوي البنية، يميل إلى السمنة· وكان حديثه وديا، أو على الأقل لم يكن عدائيا· وسألني هو الآخر بشأن الأوراق· بعد ذلك، دخل علينا ضابط من ''أمن الدولة'' يرتدي زيا مدنيا· أخرج ورقة ووضعها أمام وجهي وسأل بصرامة: ''هل سبق لك أن رأيت هذه؟''· كانت ''الإعلان العالمي لحقوق الإنسان'' الصادر عن الأمم المتحدة في ·1948 قلتُ: ''لقد سمعت عنها من قبل'' -حرصت على أن تكون كلماتي مختارة بعناية- فقلت ''ولكنها المرة الأولى التي أرى فيها نسخة منها''· سألني: ''أكيد؟''، قبل أن يضيف: ''إننا لا نعارض هذه الوثيقة، أريدك أن تفهم''· وتابع مستجوِبي قائلا: ''إن شخصا توافق أوصافه أوصافك كان يوزع هذه الأوراق''، ثم كرر لازمته: ''أريدك أن تفهم''، قلتُ: ''لستُ الشخص الذي تبحثون عنه''· وبعد خمس عشرة دقيقة سُمح لي بأن انصرف لحال سبيلي؛ غير أنــه لـــم يتســن لي أن أعرف مــاذا حــل بـ''مانولو''· على ما يبدو، فإن الساعتين اللتين قضيتهما في مركز الشرطة هما جزء من نسق جديد في كوبا، وفي هذا الإطار، يعتقد الناشط في مجال حقوق الإنسان ''إيليزوندو سانشيز'' أن عهد ''راوول'' يتميز بعدد أقل من الاعتقالات ومُدد سجنية أقصر، ففي حديث لوسائل الإعلام الأجنبية الشهر الماضي قال هذا الأخير: ''إن المراقبة اليومية التي نقوم بها تدفعنا للاعتقاد أن أسلوب القمع السياسي قد تغير''· لقد فاجأ ''راوول كاسترو'' -الذي سيتمم 77 عاما في يونيو المقبل-، الكثيرين· فقد كانت آخر زيارة لي إلى كوبا قبل عام، وكنت قد رأيت شعبا بائسا يعيش حياته اليومية ويقتني أغراضه لليوم الموالي، والواقع أن ذلك مازال هو حال الناس هنا اليوم أيضا، غير أن الملاحَظ هو أن ثمة هذه المرة تداولا لكمية أكبر من المال، وتجارة أكثر رواجا للبضائع في الشارع، وشعورا أقل بالبؤس والاكتئاب· اليوم، إن لم يذكر الكوبيون رئيسهم الجديد ؟الذي كان سابقا رئيسا بالنيابة-، فإنهم على الأقل يتحدثون عنه باحترام، وفي هذا السياق، علق كاتب كوبي، على المشوار العسكري الطويل لـ''كاسترو الأصغر قائلا: ''إنه يعرف كيف يفوض العمل إلى الآخرين''، مضيفا: ''إن الأشياء تتم اليوم بشكل أكثر انسيابية''، ومن جهتها، رأت موظفة متقاعدة: أن لـ''راوول'' فهما أكبر للصعوبات اليومية التي يعانيها الكوبيون قائلة: ''إنه يعيش في حي حقيقي ويفهم الشارع''· الحقيقة أن مرض ''فيديل كاسترو'' يفسر إلى حد ما تغير المواقف في كوبا، ذلك أن التغير ؟أي تغيير- هو أمر مرحب به طالما أن الظروف لن تزداد سوءا، وقد أخذني بحثـــي العفــــوي إلى ''لا فيبـــورا'' -حي من أحياء هافانا التي قلما يزورها أجنبي- حيث تقطن عالمةً تحظى بالاحترام في وقت من الأوقات، ولكن التناقض بين الأقوال والأفعال أرغمها على مغادرة العمل الحكومي، لتجد عزاءها في الكنيسة الكاثوليكية، والتي تقوم من خلالها بزيارات إنسانية إلى السجون، وقد وصفت هذه التساقطات المطرية المدمرة التي هطلت على الجزء الشرقي من الجزيرة قبل بضعة أسابيع، حيث فقد الناس منازلهم، وانهارت المتاجــر، ودُمرت الطرق، واقتُلعــت السكــة الحديدية· قالت لي: ''لو كان فيديل هو الذي يتولى إدارة دفة البلاد، لكان قد بدأ خطابا مازال متواصلا إلى الآن، ولكان حمَّل الإمبرياليين مسؤولية العاصفة وأنحى عليهم باللائمة''، مضيفة: ''أما راوول، فقد خصص لها ثلاث جمل ضمن خطابه، وعزا المسؤولية لتغير المناخ، فقال: إن حجم الخسائر بلغ 499 مليون دولار، وأعطى أوامره لفرق الإصلاح بمباشرة أعمال الإصلاح والصيانة''· مؤلف كتاب التعامل مع العدو: أميركي في كوبا فيديل كاسترو ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©