الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

الانتماء الضيق

الانتماء الضيق
27 أغسطس 2015 23:02
ينتمي الإنسان إلى أبويه وأسرته، ويُورِثُه هذا الانتماء علاقة خاصةً، ومحبة زائدة، كما ينتمي لمؤسسته أو وزارته ويُكسِبُه ذلك علاقة طيبة وصِلَةً حسنة بزملائه، وتكون تلك الانتماءات خادمة لدولته ووطنه، مُعَزِّزَة روح الوطنية، مُقَوِّية الألفة المجتمعية، والمحبة بين الحاكم والمحكوم، وصارت تلك الانتماءات الصغيرة أنهاراً تصبُّ في بحر الوطن والألفة. غيرَ أنَّ هناك انتماءات ضَيِّقَة أخرى تغرسُ في النفوس عكس ذلك، فتُضفي على صاحبها التعصب والتحزب، وتغرس في نفوس أتباعها جَفْوَةً تِجَاه الناس من حولهم، تتطوَّر هذه الجَفْوَة إلى الشعور بالعزلة ثم الولاء الخاص لجماعته وحزبه، فإذا أُضِيْفَ إلى تلك العصبية قناعات وأفكار تجعل الفرد فيهم ينظر إلى نفسه وجماعته وحزبه بعين الخصوصية والاصطفاء، ولغيره بعين النقص والازدراء، فإنها المُصِيْبة التي ليس لها دواء، وهي البذرة الخبيثة التي تُنْبِتُ الشحناء والبغضاء، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم؟ أفشوا السلام بينكم»، (رواه أحمد والترمذي). وإذا مُزِّقَ المجتمع بالانتماءات الضيقة كان ذلك مُؤْذِنَاً بشتات الأمر وحلول الفشل، قال ربنا تبارك وتعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، «سورة الأنفال: الآية 46»، وإذا لَمْ يُدْرِك الناسُ رَحَابةَ الإسلامِ، وسماحةَ الشريعة، ومقاصدَ الوحي الشريف فإنهم سيُضَيِّقوا على الناس ما وَسعَ الله عليهم، ثم لا يرون من يلتزم بذلك الفهم الضيق للإسلام إلا هم فيدخلُ عليهم الغرورُ، ويَصِفوا غيرهم بالهلاك والثُّبُور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم»، (رواه مسلم)، وإذا كانَ قوله: (أهلَكُهم) بضم الكاف فيكون المعنى: فهو أسرعهم وأشدهم هلاكاً، وذلك لأنه شغلَ نفسه بذكر عيوب الناس فيأثم بذلك، ورُبَّمَا وقعَ في نفسه العجب بحاله، وأنه أفضل منهم فيهلك. وإذا كان الكافُ (أهْلَكَهُم) مفتوحاً فيكون المعنى فهو الذي تسبب في هلاكهم، لأنه نشرَ في نفوسهم اليأس والقنوط، والحديث فيمن قال ذلك بقصد احتقار الناس وازدرائهم. إنَّ النسبة التي يجب أنْ تُحْتَرَمَ هي ما اختاره الله لنا: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)، «سورة الحج: الآية 78»، فلا يجوز أن تؤثر على هذه النسبةَ الشريفة أيُّ أسماء أخرى، وإنَّ الصلةَ التي يجب أن تُعْلى هي الصلة التي ارتضاها الله لنا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، «سورة الحجرات: الآية 10»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته»، (رواه البخاري). إنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة هم أهل المدينة (الأنصار) الذين فتحوا مدينتهم وقلوبهم وبيوتهم ومزارعهم لإخوانهم (المهاجرين) الذين قدموا من مكة ومن غيرها، وكان المهاجرون والأنصار يتنافسون في الخيرات والطاعات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يناديهم ويميزهم بهذه الأسماء في بعض المواقف، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى يا للمهاجرين يا للأنصار، ولكن عند أنْ أصبحت تلك التسميات سبباً عند البعض للعصبية والخصومة والتفرق زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري ومسلم أنَّ رجلاً من المهاجرين ضربَ أنصارياً، فغضب الأنصاري وقال: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما هذا دعوى أهل الجاهلية». فكره النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل منهم، وأنه تشبه بما كان يفعله أهل الجاهلية من التعاضد بالعصبيات والانتماءات الضيقة. جمع الله شمل المسلمين وألف بين قلوبهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©