الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجني الديمقراطي والقمقم التونسي

22 يناير 2011 21:34
شهدت تونس ثورة ديمقراطية خلال الأسابيع الأربعة الماضية. ويشكل ذلك حقبة جديدة مثيرة في تاريخ تونس، ومثالاً للدول الأخرى في العالم العربي. وقد بدأت الثورة عندما أحرق خريج جامعي عمره 26 سنة نفسه يوم 17 ديسمبر في ساحة مدينة سيدي بوزيد جنوبي تونس، حيث توفي بعد أيام قليلة. وتبعت ذلك الحدث مظاهرات وصدامات يومية مع الشرطة، سرعان ما انتشرت إلى مدن أخرى. وقد ركزت مطالب المتظاهرين في البداية على القضايا الاقتصادية مثل الحد من البطالة والفقر، ولكنها سرعان ما أصبحت سياسية، تشجب الفساد وتطالب بالمساءلة وحرية التعبير وحكومة تمثل الشعب. كانت غالبية من المظاهرات سلمية يتراوح حجمها بين بضع مئات إلى ما يزيد على 40 ألف متظاهر. ولم تتوقع الحكومة والمعارضة والخبراء في الوضع التونسي حجم هذه المظاهرات التلقائية وقوتها أو شدة مطالبها السياسية. لقد كانت تتم الإشارة إلى تونس غالباً بأنها "التلميذ الخلوق" للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث تمتعت بنمو اقتصادي مستدام خلال السنوات العشرين المنصرمة، وهو أمر ملفت للنظر بالمقاييس العربية، حيث حققت معدل نمو سنوي بلغ 5 في المئة. إلا أن "غنائم" هذا النمو لم يتم اقتسامها بشكل عادل متساوٍ بين كافة قطاعات الدولة وأقاليمها. كما يستشري الفساد، بحيث يسيطر عدد قليل من الأفراد على نسبة متزايدة من الاقتصاد. وأخيراً قرر الشباب وقد سئموا هذه الأوضاع أن يأخذوا زمام الأمور بأيديهم، وخرجوا إلى الشارع مطالبين بتغييرات فورية. وقد أطلق الرئيس المخلوع في آخر لحظة وعوداً بإيجاد 300 ألف وظيفة جديدة خلال السنتين القادمتين، وضمان وظيفة لكل خريج خلال سنتين من تخرجه ودخوله سوق العمل، ولكنها لم تقنع كما يبدو المطالب الشعبية بإصلاحات رئيسية، خاصة على المستوى السياسي. لقد استغلت الحكومة في الماضي الخلافات بين القوى السياسية الأصولية والعلمانية للحفاظ على المعارضة ضعيفة وممزقة، وخاصة أن التونسيين يمقتون العنف والتطرف ولا يريدون حكومة ثيوقراطية خاضعة لحكم رجال الدين. وما يريدونه ويستحقونه هو نظام حكم ديمقراطي يرتكز على قيمهم وهويتهم الإسلامية. ويبدو أن قادة المعارضة تغلبوا أخيراً على مخاوفهم من النظام وانعدام الثقة ببعضهم بعضاً، وأصبحوا على استعداد الآن للعمل معاً من أجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية. ويدرك التونسيون من كافة المستويات أن ازدهار غالبية الشعب أو التنمية الاقتصادية التي تعود بالفائدة على الجميع لن تكون ممكنة في غياب الإصلاحات السياسية وسيطرة محكمة على الفساد وحكومة تمثل الشعب قابلة للمساءلة تصغي للناس وتحمي حقوقهم ومصالحهم. لقد بدأت قوانين اللعبة إذن تتغيّر. ويتعين على الحكومة المؤقتة أو أية حكومة مستقبلية أن تنتبه عن كثب للرأي العام والمشاعر الشعبية. والقادة الممسكون الآن بزمام الأمور يعدون بالسماح قانونيّاً لكافة الأحزاب السياسية وتنظيم انتخابات حرّة نزيهة بوجود مراقبين دوليين خلال مدة أقصاها ستة شهور. ويعدون كذلك بإصلاح النظام السياسي للسماح بالمزيد من الشفافية والمساءلة. وقد جرى تذكير المسؤولين الحكوميين بأن مهمتهم خدمة الشعب. وسنرى ما إذا كان بإمكانهم لعب هذا الدور. ولدى رؤية نجاح قوة الشعب في تونس، من المحتمل أن تطالب شعوب عربية أخرى بحقوق وإصلاحات مماثلة خلال الشهور والسنين المقبلة. وهناك تقارير حول شباب محترقين آخرين في الجزائر ومصر وموريتانيا، يأملون أن يُسمع صوتهم وأن يضعوا بلادهم على نفس الطريق الذي سارت فيه تونس. ويتعين على بعض الحكومات العربية أن تسير على طريق الإصلاح أو تواجه شعوبها. لقد خرج جنّي التغيير الديمقراطي من القمقم. رضوان مصمودي رئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©