الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لحظة جيل الثورة العربية

3 سبتمبر 2011 00:05
لم يشهد العالم العربي منذ أن فتح عينيه على العصر الحديث في القرن العشرين حركات احتجاج هدفها الأول تحرير حياته من الفساد المؤسسي المدمر ومن اغتصاب السلطة المحفز للعنف والتمرد والتآكل. وفي ذاكرتنا الجماعية تخصصنا في مقاومة الخارج أكان عربيّاً أم إسرائيليّاً أم غربيّاً، ولكننا لم ننجح في مواجهة الاستبداد والتعسف في صفوفنا، فالاستبداد والديكتاتورية كانا السبب الأساسي لإجهاض إنجازاتنا في مواجهة الخارج. وهذه هي المرة الأولى التي نُقبل فيها بحماسة وتجلٍّ على مقاومة الديكتاتورية في بعض أنظمتنا ورؤسائنا قبل أن نتصدى لها عند محتلينا. وفي أحداث الشهور التسعة الأخيرة، ومع سقوط النظامين التونسي والمصري، والآن نظام القذافي في ليبيا، يعصف بنا تحول كبير يعيد صياغة تعريفنا لمن نكون. لقد نشأ الشباب العربي الجديد في ظل أنظمة عربية قابضـة على السلطة، مشكّكـة في كـل نقد ورأي، يمارس معظمهـا خطاباً دينيّـاً شكليّاً لا علاقة له بجوهر الدين الإسلامي. وقد نشأ الجيل العربي الجديد في ظل سلطات يحكمها الخوف من المعارضة والاختلاف والشعب والثقافة والحرية. وترعرع الجيل العربي الصاعد في ظل أنظمة أفهمته أن وجودها، مهما فعلت وكيفما تصرفت، هو ضمانة استقراره، فإما هي أو الطوفان والحرب الأهلية. ويكتشف الجيل العربي الجديد أنه ولد في الزمن العربي الضائع بين جيلين. جيل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الذي نشأ مباشرة بعد حرب 1967 الذي قاوم ببطولة ولكنه شهد عشرات الانكسارات في تاريخه، وبين الجيل الذي جاء بعد ذلك في ظل انكسار العالم العربي أمام الخارج وانكساره أمام التسلط الداخلي. وهذا ليس كل الحكاية. فالجيل الجديد تخرج من الثانوية فلم يجد جامعة مفيدة. ذهب للعلاج فلم يجد مشفى مناسباً يعتني به أو بكبار أسرته. نظر إلى آبائه وأمهاته وكبار عائلته فلم يعجبه وضعهم، عانى من التمييز في العمل فلم يجد حلاً لمشكلته. حاول الجيل الجديد الهرب من واقعه من خلال الهجرة، فذهب إلى السفارات ليواجه بالرفض. فالمسلمون بعد 11 سبتمبر، والعرب بالتحديد غير مرحب بهم في كثير من عواصم العالم. فكر في الخروج هرباً عبر البحار المتقلبة لكنه غرق في الطريق. والذين وصلوا إلى إيطاليا وأوروبا اكتشفوا زيف الوعود. العربي الجديد أكان شابّاً أم شابة لم تخدعه شعارات «المقاومة» الصادرة عن بعض الأنظمة كالنظام السوري لأنه سأل نفسه السـؤال الأساس: أين المقاومة في مدينتي وفي قريتي وفي حياتي اليومية؟ سأل نفسه: ما علاقة المقاومة بتدهور حياتي وانغلاق فرص المستقبل والتفرقة؟ ما علاقة المقاومة بالتعذيب والتعسف والإهانة والسجن بلا محاكمة وتلفيق التهم؟ كما لم تخدع هذا الجيل شعارات الانفتاح الاقتصادي كما في دول عربية أخرى مثل النظام المصري والتونسي، إذ وجد أن اقتصاده مرهون لفئة صغيرة. واكتشف أنه يعيش في ظل أنظمة سياسية تخصصت في الخداع الإعلامي عن الانفتاح والديمقراطية الشكلية. اكتشف بالممارسة أن حياته كذبة كبيرة. قرر الجيل الجديد استخدام قانون أزلي: قوة الغالبية في مواجهة قوة الأقلية السياسية، وقوة الشعب في مواجهة قوة فئة حاكمة مدججة بالسلاح وملتهية بمتاع السلطة والقوة والغش لتحقيقها والتصارع عليها. اكتشف أنه قادر على إنجاز التغيير من خلال آليات المقاومة السلمية اللاعنفية تماماً كما فعل غاندي ومانديلا وحركات الاحتجاج الكثيرة التي واجهت جيوشاً وأجهزة أمنية متفوقة عليها وفاسدة حتى النخاع. وكان من الطبيعي أن يتحول البوعزيزي التونسي إلى رمز للجيل العربي تماماً كما أصبح خالد سعيد ومدينة السويس رمزاً لمصر ولثورتها وأطفال درعا رموزاً للثورة السورية، وتعز رمزاً للثورة اليمنية. واللافت في قصة هذا الجيل الثائر أنه بدأ حركاته يريد إصلاحاً، ولكن تلك الأنظمة لم تكن قادرة بحكم فسادها وتفككها الداخلي وحدّة أزمتها الذاتية على الإصلاح. ولهذا تحول الجيل بسرعة في الدول التي وقعت فيها الثورات من شعار "الشعب يريد الإصلاح" إلى "الشعب يريد إسقاط النظام". إن ما يقع في البلاد العربية عملية خلق وتجديد لجيل جديد يحمل فكراً مختلفاً. في أحياء دمشق وطرابلس ومصر وتونس واليمن وبعض الدول العربية الأخرى التي تختبر حركات احتجاج وحراك مرئي وغير مرئي، تصنع كل يوم قيادات شابة جديدة تمتلك طاقة مختلفة ولديها إحساس عميق بالأشياء. وهذه التجارب المباشرة أو المنتقلة من ليبيا إلى سوريا ومن مصر وتونس إلى اليمن وغيرها من الدول العربية أصبحت مصانع للقيادات العربية القادمة من الجيل العربي الصاعد. ولذا فإننا نشهد ولادة أمة تمتد إلى كل الجغرافيا العربية عبر حراك شعبي هادر لن يوقفه القمع أو الاستهزاء، بل يمكن فقط استيعابه من خلال إصلاح "صادق" عميق ومؤثر يفتح كل مسام الحياة السياسية ويؤدي إلى توسيع هوامش المشاركة الشعبية في صنع القرار. إننا أمام ولادة جيل بل على الأصح: هذه لحظة جيل. د. شفيق الغبرا كاتب كويتي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©