الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبد المالك أشهبون: هذا زمن السرد

عبد المالك أشهبون: هذا زمن السرد
23 أغسطس 2012
قال الكاتب والناقد المغربي الدكتور عبد المالك أشهبون إن المشهد الثقافي في دولة الإمارات العربية اليوم زاخر بالمؤشرات التي تسهم في تعزيز المكانة الكبيرة التي تحظى بها الإمارات بفضل ما تشهده من تنمية ثقافية، معتبرا في هذا الحوار الذي خصّ به “الاتحاد الثقافي” أن أبرز الفنون الأدبية التي شهدت تطورا ملحوظا في الحركة الأدبية في الإمارات العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، سواء على مستوى الإبداع أو التلقي نجد فن الكتابة الروائية. يتوقف أشهبون في هذا الحوار عند مسألة عتبات النص، التي لم تكن رائجة على الصعيد العربي، قبل أن تأتي إلينا من الغرب، ويعدد مظاهرها من العنوان إلى الغلاف وصورة الغلاف وغيرها. ويقترح اعتماد صيغة زمن السرد بدلا من الصيغة السابقة “زمن الرواية”. وفي ما يلي نص الحوار: ? نود لو تحدثنا عن بداياتك في الكتابة الأدبية بصفة عامة؟ ? البداية في رحلة الكتابة، كانت في مجال نقد الشعر. ففي ثمانينيات القرن الماضي ظهرت موجة عارمة من الشعراء الشباب في المغرب، وكانت هواجسهم في الكتابة آنذاك متعددة ومتنوعة: منها إثبات الذات دون قتل الأب الرمزي، كسر طوق الوصاية على إبداعاتهم، تكسير الحصار المضروب عليهم في النشر والمشاركات، ناهيك عن تكريس قيم شعرية جديدة لها مرجعياتها الجمالية هنا وهناك... وكان لا بد لهذه التجربة الشعرية الجديدة أن تواكبها متابعة نقدية موازية لها في ظل الحصار المضروب عليها آنذاك نقدياً، في هذا السياق بالذات، انخرط أدباء شباب يكرسون أنفسهم للكتابة حول هذه التجربة الشعرية الوليدة والواعدة، وكان عددنا قليل جدا زمنئذ، وكنا ننعت يومها بـ”النقاد الشباب”، ربما لحداثة تجربتنا النقدية، أو لأن متابعاتنا كانت لنصوص شعرية شابة، لكن التسمية لم تكن تخلو من خبث قدحي لدى البعض من الذين لم يستسيغوا بروز ظاهرة الشعراء الشباب حينها، وبالأحرى نقادها الشباب... ? ما هي مظاهر الجدة في كتابك المعروف “عتبات الكتابة في الرواية العربية”؟ ? هذا الكتاب أعتبره ثمرة مجهود شخصي طويل وشاق، فهو عبارة عن بحث أكاديمي (دكتوراه) أشرف عليه أحد جهابذة النقد المغربي المعاصر ألا وهو الناقد رشيد بنحدو بما عرف عليه من صرامة وضبط وتدقيق... فموضوع هذه الأطروحة لا يخلو من صعوبة، فأين تكمن هذه الصعوبة؟ تكمن في كون موضوع البحث هذا، يتعلق بجزئية جدِّ دقيقة في علم تشكل النص: ألا وهو العتبة النصية. في غياب دراسات بانورامية شاملة في هذا الموضوع، اخترنا النظر إلى النصوص الروائية ـ وكما يحلو لأستاذنا الجليل رشيد بنحدو أن يقول دائماً ـ من قفل الباب. قد يقول قائل: إن موضوع العتبات كان رائجا في النقد العربي عموما والمغربي على وجه الخصوص، لكن جدة هذا الكتاب ـ بالضبط ـ تكمن في كونه الكتاب الأول الذي كرس نفسه من البداية إلى النهاية لمقاربة عتبات الكتابة في الرواية العربية معمقة ومتخصصة، في حين كنا نجد ـ بين الفينة والأخرى ـ مقالات في مجلات أو فصولا من كتب نقدية، تتطرق إلى عتبة من العتبات دون أن توفيها حقها من الدرس والتحليل، ثم ما تلبث أن تنتقل من العتبة إلى النص/ العمدة. كما أن العديد من العتبات لم تكن مطروقة في نقدنا العربي، ومنها عتبة الإهداء، وخطاب التنبيهات، وصورة الغلاف... وبخصوص عتبة صورة الغلاف سنجد أن جيرار جينيت في كتابه الرائد “عتبات” (G. Genette : “Seuils “, Ed. Seuil, coll. Poétique, Paris, 1987) يعترف بأن كتابه هذا اعترته مجموعة من الثغرات والنواقص، لأنه لم يشمل مجموعة أخرى من العتبات التي تركها جانباً، لأسباب معرفية وتقنية. ومن هذه النصوص/ العتبات يذكر الترجمة Traduction، والنشر عبر حلقات Publication en feuilleton، وأخيرا الرسومات والصور التوضيحية Illustrations، حيث اعتبر هذه الأخيرة بمثابة قارة هائلة ينبغي إيلاؤها الاهتمام الذي يناسب غناها وثراءها. هكذا تفاعلنا مع هذا الاقتراح الجينيتي (نسبة إلى جينيت)، وعكفنا على مقاربة هذا الموضوع (صورة الغلاف) الذي لا ننكر مدى الصعوبات التي واجهتنا ونحن بصدد الكتابة فيه، حيث قاربنا صورة الغلاف في الرواية العربية من خلال عقد مقارنة بين ما هي عليه في الرواية العربية ذات الحساسية التقليدية التي يمثلها نجيب محفوظ (صاحب صور الأغلفة هو الفنان القدير جمال قطب)، وروايات الحساسية الجديدة ممثلة في روايات إدور الخراط (صاحب صور الأغلفة هو الفنان التشكيلي المعروف عدلي رزق الله). فكل غلاف روائي يعبر عن نفسه، عبر استعمال شفرة محددة، تنتمي لثقافة بصرية معطاة سلفاً (على شكل حساسيات فنية)، تأخذ لها موقعا هاماً على مفترق الطريق بين اللساني والأيقوني. المهم هو أنني لم أترك عنصرا من عناصر تشكل الخطاب الروائي إلا واستهدفته بالبحث والدرس والتحليل، لأنني أعتبر أنه لا شيء محايد في الرواية، وليست هناك نصوص صماء وأخرى ناطقة، فكل ما في الرواية ـ سواء كان هامشيا أو مركزيا ـ يخدم استراتيجية الكتابة من منظور الكاتب، أو من منظور الاتجاه الجمالي الذي ينتمي إليه الروائي في النهاية، هكذا بدأت بأصغر مكون في الرواية ألا وهو اسم المؤلف وضمنته كتابي: “الحساسية الجديدة في الرواية العربية...” (2010)، فيما أفردت لعتبة العنوان كتابا شاملا هو “العنوان في الرواية العربية” (2011)، تتبعت فيه عناوين الرواية العربية من بداياتها حتى عناوين الروايات الجديدة، مرورا بصورة الغلاف والإهداء الخطاب التقديمي والنصوص التنبيهية والتوجيهية (“عتبات الكتابة في الرواية العربية”)، وصولا إلى دراسة مكوني: بدايات الرواية ونهايتها (كتاب “البداية والنهاية في الرواية العربية”، وهو الكتاب الذي سيصدر لنا في الموسم المقبل عن دار رؤية بالقاهرة)... عوالم الرواية ? كيف قاربت عوالم الرواية العربية من خلال مسارك النقدي الذي يربو عن عقدين؟ ? أستطيع أن أزعم ـ بعد سلسلة الإصدارات المتواضعة في مجال الرواية ـ أنني حاولت أن أكون ملما بكل جوانب هذا الفن، الذي بات يكرس نفسه ديوانا للعرب سواء على صعيد الإنتاج أو التلقي. فقد كان موضوع كتابي “الرواية العربية من التأسيس إلى النص المفتوح”، (2007) منصبا حول تكوّن الجنس الروائي في جسم الثقافة العربية، حيث حاولت تتبع مسار هذا الجنس الأدبي من التأسيس إلى التجنيس، خلالها توقفت عند أهم الإشكالات التي واجهت هذا الفن الأدبي الدخيل على ثقافتنا العربية آنذاك. وفي زمن انتشرت فيه، وبكثرة لافتة للانتباه، الكتابات ذات البعد السير ذاتي، حتى غدا معه مستقبل الرواية العربية يتجه مؤشره البياني إلى المزيد من التركيز على الحياة الشخصية للمؤلف. أصدرنا كتابنا الموسوم “من خطاب السيرة المحدود إلى عوالم التخييل الذاتي الرحبة” (2007). وفي هذا الكتاب بلورنا تصورا جديدا، مفاده: أنه آن الأوان لاستبدال شعار “زمن الرواية” بشعار “زمن السرد”، وبموجب هذا الشعار الجديد، يتضمن زمن السرد هذا كل ما يكتب في مجال السير الذاتية والسير الغيرية من: مذكرات واعترافات وحفريات وبورتريهات وشهادات ومشاهدات... كما قاربنا الرواية العربية التقليدية ممثلة في روايات نجيب محفوظ، ووقفنا عند أبرز خصوصياتها ومميزاتها وجمالياتها، وذلك في كتابنا “زوايا ظليلة في روايات نجيب محفوظ” (2011). بالمقابل توقفنا مطولا عند عوالم الرواية الجديدة في أدبنا العربي في كتابنا الموسوم “آليات التجديد في الرواية العربية الجديدة” (2005)، أبرزنا فيه طرائق تعبير روائية جديدة، وتقنيات جديدة، وأساليب جديدة، وأبنية جديدة. وقد عمقنا البحث في هذا الموضوع الغني بإصدارنا كتاب “الحساسية الجديدة في الرواية العربية روايات إدوار الخراط نموذجا” الذي تتبعنا فيه ظاهرة التجديد في الرواية العربية، ومميزاتها ومدارسها وأعلامها، مركزين على روايات أحد أبرز رواد الحساسية الجديدة ألا وهو إدوار الخراط باعتباره متنا للدرس والتمحيص... ? باعتبارك متابعا عن كثب لتطور الرواية العربية، نود معرفة تقييمك للمشهد الروائي العربي الراهن؟ ? الرواية العربية الآن تمر بمرحلة ازدهار غير مسبوقة، من حيث الإنتاج الذي يسهم فيه كتاب من أجيال مختلفة، ومن مشارب متنوعة وبرؤيات فنية مائزة، مما يرسخ مقولة تربع هذا الفن على عرش مملكة الأجناس الأدبية في الوقت الراهن، على رغم أن هذا التتويج لا يقلل من شأن باقي الأجناس الأدبية الأخرى، فكل جنس أدبي له جمالياته، وذائقته الأدبية، ورهاناته الفنية المخصوصة، غير أن ميزة الفن الروائي هو أنه جنس أدبي مفتوح على كل الأجناس الأدبية الأخرى، ويمكنه توظيف تقنيات تعبيرية مستمدة من فنون معروفة (مسرح، سينما، تشكيل، سينما...)، وهذه الميزة هي التي تؤهل الفن الروائي بأن يلقى كل هذا الإقبال الجماهيري كتابة وتلقيا... المشهد الإماراتي ? بصفتك متابعا للشأن الثقافي في وطننا العربي، كيف تقرأ المشهد الثقافي الإماراتي عموما والروائي على وجه الخصوص؟ ? المشهد الثقافي في الإمارات العربية اليوم زاخر بالمؤشرات التي تسهم في تعزيز المكانة الكبيرة التي تحظى بها الإمارات بفضل ما تشهده من تنمية ثقافية، وهذا مبعث بهجتنا واعتزازنا، ونعتقد أن تعدد المنابر الثقافية (مجلات وجرائد ومطبوعات)، وكذلك المهرجانات الثقافية والفنية التي تقام على في ربوع الإمارات، دون أن ننسى الجوائز الثقافية القيمة التي أضحت موضع منافسة شرسة بين نخبة من المثقفين العرب كل في ميدانه، بالإضافة إلى ما تقذفه دور النشر الإماراتية من كتب في شتى ألوان المعرفة، كل ذلك وغيره لدليل صحة وعافية على أن هذا البلد يرسم خطى المستقبل بتؤدة، عن عزم وإصرار... غير أن أبرز الفنون الأدبية التي شهدت تطورا ملحوظا في الحركة الأدبية في الإمارات العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، سواء على مستوى الإبداع أو التلقي نجد فن الكتابة الروائية. وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على ظاهرة الحضور اللافت للمرأة في مجال الكتابة الروائية. وهذا ما أضفى على عوالم الكتابة الروائية مسحة تجديدية على مستوى الموضوعات المعالجة، فبالإضافة إلى الموضوعات المألوفة (المرأة في مواجهة التقاليد/ عوالم الصحراء/ البحر) برزت روايات أكثر جرأة في تناولها لمواضيع مسكوت عنها، وأخرى مرتبطة بما ترتب عن انخراط المجتمع الإماراتي في العولمة من آثار على العلاقات الاجتماعية، خصوصا في مجتمع يتميز تاريخيا بالمحافظة. وفضلا عن ذلك فقد أصبح السرد الروائي وسيلة بحث في أشد القضايا أهمية في المجتمع الإماراتي، مثل قضايا النوع الاجتماعي، والعلاقة مع الآخر، والتاريخ... عموما هي مواضيع جديدة مستمدة من التغيرات والتأثيرات الاجتماعية التي يتعرض لها المواطن الإماراتي، وهنا نشير عابرين ومسرعين إلى روائيات من أمثال: أسماء الزرعوني في روايتها “الجسد الراحل”، وصالحة غابش في “رائحة الزنجبيل”، وفتيحة النمر في “السقوط إلى أعلى”، وسارة الجروان في “شجن بنت القدر الحزين”...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©