السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قلعة المريجب.. تقول: لوح التاريخ لا يبلى

قلعة المريجب.. تقول: لوح التاريخ لا يبلى
23 أغسطس 2012
أقلعة المريجب.. هي بين منطقتي المسعودي والقَطار، تدير الحوار بلا دوار، ومنذ 180 عاماً تتربع على مساحة 170 متراً مربعاً ببرجين، بذراعين أحدهما مربع والآخر أسطواني، من طين الحلم ومن جذوع الكلم شيدت القلعة هامتها وجلست تنشد القصيد من وريد الجسارة وعنفوان المبادرة، مرتلة أحلام القديم للأديم، وما نبرى من تقاويم وأقانيم وتاريخ حليم قويم يستدعي الذاكرة بعنف كلما مرت على كتابه الموقر عيون وسنون، وبهفهفة الغصون يثري النسيم ما جاش في الخاطر من أواصر. قلعة المريجب حارس قديم لغابة الحلم وناسب عليم ربما مر على الأرض من خيول وأصول وفصول وأنامل نقشت على الطيف حرز غزواتها ووثباتها وخطواتها وسطوتها وصبوتها وحظوتها وقوتها وعفويتها مرتفعة إلى أحد عشر متراً متوهجة في سلالم الفضاء الرحب متلألئة عند سجادة الطين وقاله اللجين لرمش العين حين شرعت النوافذ المزخرفة بالحنين عيوناً وفنوناً مستفتية ضمير الأرض، مستقصية لواعج المحبين. قلعة المريجب تغط على 66 غرفة لرماة حماة نسجوا خيوط الحلم على أسنة رماح وأفواه بنادق كانوا هم في السرادق مرافق وكانوا في الخطوب دروباً في الهوب وحروباً في النوى يغسلون العرق بصابون الطين ويعطرون الجسد بفوح التربة المباركة، كانوا الجودة العالية في صناعة المجد وإنتاج العهد الوثيق والوعد المؤزر بقدرة الإرادة. في العين عين قلعة المريجب في العين عين وعند شفة التاريخ لغة تمشي على سطر الذاكرة وتحفظ نشيد الأولين وتقرض الشعر نبطياً بقافية الأمل ووزن الرمل، متزملة بمرحلة تلو المرحلة بألف.. ألف مسألة تحصد ملاحم التاريخ وترسم ملامح الأرض والنقش من وشم الوجوه التي أشرقت وأنورت وأثمرت وتفرعت بابتسامات ناصعات وعيون لا تخطئ النظر في الأفل والمنتظر في الجزيل والمختصر، في الشامخ والمنحدر، في الناصع والكدر، في اليافع والمحتضر. قلعة المريجب هي الرقيب والحسيب والحبيب والرحيب والمجيب لأسئلة تخص حفيف الفكرة وتخص حفيف العبرة، وتقضي قفيف القدرة وتستولى على كل من عبر السبيل متمشياً عند ناصية الجغرافيا في عمق سهوب التاريخ، ولا أسئلة عندما تقرأ القلاع كتابها اليمين وتتجاوز حدود المبهم والغامض.. المريجب، المشهد والمسند والعهد والرد وبوح الأمد ونشوة الأبد في صناعة العلة الأولى والعقل الفاعل، وما جاءت به قريحة الإنسان لأجل وجود يبعث الخلود ولأجل حصن يعانق المزنى ويمد صفحة ضد السماء بأناة ومهل وبخشوع الناسكين يتمتم لأجل الشكر والحمد.. قلعة المريجب وهي في الصمود وهي في الخلود وهي تبدو غبار طينها كأثمد للعيون وهي تجدد مسار عينيها لتمطر في الذاكرة جملة الفصل وجملة الاسم وأصل الجملتين في قاموس المحيط والمصباح المنير والمختار الصحاح ورابعهما قاموس الناس الأصحاح وهم يشيدون للمجد حصوناً ويفتحون للعهد عيوناً ويكتبون للتاريخ فنوناً ويمدون للأفق غصوناً ويملأون الجهات الأربع فنوناً، ويقرأون على الناس من آيات إبداعهم فصولاً ويرسمون في العيون حقولاً وعلى جبين السماء تبقى نجوم الحلم تزخر بالبريق الأنيق، ويبقى للتضاريس لون بألوان السنحة السمراء والقامة الهيفاء والنظرة الشهباء ولا عنقاء غير قلعة لوّنت الحياة بالأنفة والشموخ والرسوخ والعبق الجميل. قلعة المريجب تتوسد وجداً كونياً وتبعث برسائل شوق وتوق لعاشق أبدي، أنا في بصير الحلم وطال أمد بعاده، تقول للذين يقرأون التفاصيل سواحل الكلمة تقول للذين يحفظون التراتيل في ثنايا الملحمة، نقول للذين يمشون على رمل التفاسير، تقول للذين يكتبون بشقرة المزامير، تقول للذين يحررون التعابير، تقول للذين يلهجون بشعر الحرير، وتقول للذين يعشقون الطين والسعف وينسجون القصيد من الكف وتسلبهم شهقة الشغف ويستولى على أفئدتهم والحب وما تلف، إنها قلعة من شمعة الاخفاق، من دمعة الأحداق، من سطوة الأشواق، من نخوة الآفاق، من حب جاش في الأعماق، هي من رغبة عارمة، حازمة جازمة، ماسمة، قاتمة مقيمة مستقيمة مستديمة، عليمة، كليمة، دائمة لا عديمة، نقول إنها قلعة ممتدة في المدى والزمن الجميل، تواصل الديمومة لأجل بقاء يؤكد الاكتواء ولحمة الاحتواء لعشب ودرب وعذاب وعذب، وواد وسهب وخضاب وخصب، وفوحة الوجدان وما تألق في المتون والأتون من فنون الفعل والعقل. قلعة المريجب، قلعة وقوامة وعلامة وشامة من نجابة وشهامة، من رحابة وكرامة الذين طوقوا الجغرافيا بأعطاف وطوايا وتقلدوا المجد بجد وسد بلا حد ولا حدود، قلعة المريجب هي القوة الفائقة المتناسقة، الباسقة، في صياغة الطين، من عجين السعف وهفهفة الرموش الطارفة، العازفة بلحن السواعد الناضحة تصميماً وإصراراً، قلعة المريجيب عاشقة ترقب إطلالة وهطولاً، هي من سلالة الرمل، من نسل النخيل، من صهيل القامات العالية وزجرة الحناجر الآسرة، هي من كل ذلك تجدل السعف خصلات لسقف ضيق وكتف رهيف وزند له رائحة الرغيف. قلعة المريجب خطوة فوق الأرض، خطوات باتجاه التاريخ لفتة في الاتجاهات الأربع، قبضة على وريد الحياة، ومضة عند ناصية القلب، وحضة لأجل مكمن الروح، وقضة لا يقاض الذاكرة وسحر ملك اللب والقلب وحجر يشخب النوايا والطوايا، وسكر يمثل ولا يتحل وسجر يهب البحار معناها، ونحر تتشوقه العيون، وفجر تشرق عنده الجفون وسهر يعلم الناس كيف يحلمون وخبر يبدأ بالأخبار والاعتبار والأثمار والايثار والأسرار والأطوار وقدرة الأقدار على منح الأرض المعنى والمغنى والأسنى. قلعة المريجب شيء من وجيب القلب وشيء من شهقة الدرب وشيء من ورطة الحب وشيء من وميض الشهب، وشيء من نشر السحب، وشيء من إبداع الأدب، وشيء من زخرفة الكتب، وشيء من نداوة الرطب، وشيئ من حَبَل الخصب، وشيء من رائحة الخضب، وشيء من جلجلة الرهب، وشيء من زلزلة العيش، وشيء من شيء بأشياء تتلون في الوجدان على أرض وطن يمد الألوان بالبريق ويشكل الأشياء بالقدر الأنيق ويحتفي في كل يوم بزاهية وراقية وباهية وشادية وحانية وراعية، ويطهر الأرواح بأكسير النجاح ويعلن عن نفسه وهو الشامخ عن قلعة الفلاح. قلعة المريجب رمش “العين” وطرفها المؤدلج بنواميس الرجال الأفذاذ، قلعة المريجيب ناصية وناحية وبدة الامتزاج ما بين طين ورمل، وما بين رمل وسعف، وما بين سعف عرق، وما بين عرق والعد، وما بين العد وشموخ، وما بين شموخ ورسوخ، وما بين رسوخ ولوعة التهجي للتضاريش وما بين لوحة التهجي ويقظة الحلم، وما بين يقظة الحلم وإرادة لا تنتهي، وما بين الإرادة والفرادة، وما بين الفرادة ومثال المثل، وما بين المثال وجزيل الخصال، كل ذلك سمة من صمات التحدي بألوانه وأفنانه. وشائح ولواعج قلعة المريجب منذ الألف ودعائه وثلاث وثمانين تجرد الرمل وتحصى العيون التي مرت ولا تغض الطرف عن دنف وكلف وتساور الذين يحلمون برائحة الطين وتثابر لأجل وجود مسكين، النخلة المبجلة ويهفهف على الوجوه بسعفه وخفه والرجفة المخملية في الجبين اللجين نغمة من شمول الله برقصة الطير ورفرفة الجناح النبيل. قلعة المريجب منذ القرنين تسعد “العين” بأخبار السنين، وما كان على الأرض من رجوح الياسمين بطيب ومنظر وحسن المظهر وما بطن وظهر من وشائح ولواعج ومناهج في الرؤى والرأي، قلعة المريجيب كأنها اليوم السدرة المتجذرة والقدرة المجاهرة والنبرة المتصدرة لإعلان وإعلام وإسهام في صناعة الزمن الجديد وإعادة تشكيل حبات الخرز عند النحر فوق الصدر ما بين الخصر والخصر، لون أخضر معشوشب بالنحافة والرهافة وفرح الرمل حين يكتسي الرمل بكحل المقل ويقول للآتين ما قل ودل ويختصر ويصطبر مقال الأعوام في كلمة مجلجمة وحرف بألف كلمة ويجلي عن كاهل الأيام ما صدأ وخبأ وما طرأ. قلعة المريجب منذ القرنين وهي تتلو وتجلو وتبدو بحلل الطيف مسافة ما بين الوريد والوريد فسحة من نايفات، غارفات، عازفات، غارقات في الهوى، مجيولات على صناعة الوجد، مخضبات بالقِدم، هي في العزلة النجيبة تسهر مهدهدة التراب وتنحر القرابين عشقاً وتعلقاً وتصنع الدهشة من رعشة جدائل العشب ونقش الفناء الرحب من فصول العمر وفضول الدهر وأصول الشعر حين يكون الطين والزمان شاعر يبني بيت الشعِر من خصلة الشَعر ويستجيب للوجيب في مغيب الشمس ووعيها وسدور القمر ويقظته. قلعة المريجب تقول بالصوت الرخيم خذ كنوزك واحفظها في القلب وجُد بجودك ووصالك واحلم أنك ذات لحظة تقف عند رأس أحد البرجين وتستطلع الفجر أو قد تطالع وجه الشمس وتقرأ على صفحتها ملامح من قد كسبوا المعنى في الطين وتسربوا في الرمل نخلاً عتيداً الأبلين لا ينثني مع الريح إذ تستهين، تقول خذ صهيلك ولا ترحل لأن في دفتر التاريخ يكمن الزئير ويستوطن البوح الخطير، خذ أشياءك الصغيرة ومدها في بقجة الأيام ثم تعالى لكي نحكي معاً عن ذاكرة لم تثقبها إبرة الزمن، ذاكرة لم تزل تتوسد خاصرة القلق وتفتح نوافذ للمساء وتقرأ حتى يصير السؤال أكبر من حجم المحال وحتى يتدحرج الصدأ ولا يبقى غير الوميض يخبرك عن بض وبضيض، ولن تنام لأنك في تلك الساعة تكون قد استيقظت تواً وغسلت الوجه بعطر وسبر واستدار وجه المريجيب ناحية الأفق في وجه النور الأول.. قلعة المريجب يقول الجدار للجدار أن أصل الحوار لغة وأصل اللغة لسان وأصل اللسان مضغة من طين الأرض فلذا لابد من سؤال عن الطين وعن الحرقة الأولى والشهقة الأولى والربقة الأولى وإذا تشقق الجدار فاعلم أن خللاً في لخلق والأخلاق والتوق والأشواق والنظرة والأحداق.. قلعة المريجب تحدثنا عن عبقرية المكان، عن أسطورة الإنسان في الزمان، تحدثنا عن كيف يُخلبُ الكونُ ويسلب إذا جاز للإنسان أن عائلة في التكوين والتلوين والتقيين واليقين والأخذ من مكونات الطبيعة لتجسير الهوة ما بين الإنسان والمكان. وقلعة المريجيب السؤال في صلب المقال يحطب في غائبه ويسرج الخيل عند نافلة البوح ويدع العِشار تحبل من رائحة العشب وتحمل أثقال الذاكرة ما بين سنام وسنام.. قلعة المريجب كنز من خبز الأيام وجزالة من فضيلة الوعي بقيمة الأثر وأسور الأحلام القديمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©