الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خارج الشرنقة

خارج الشرنقة
23 أغسطس 2012
على شفا حلم وُضعت على ورقة خضراء، بيضة صفراء مدوّرة صغيرة وحيدة طريّة، لا تجيد سوى التشبّت حين تمر بها الرّيح، مرور الليالي أكسبها صلابة، قبل تمزّق قشرتها استعارت لون الليل، وترجّت مواعيد لن تخلف. في موعد قدره الله تعالى هشمت إطار أسرها وأطلّت على الحياة بجسم زاحف، نتوءاته استشعرت وشوشات الريح، شدّت عضلاتها لتسير بسرعة متحفّزة، عيونها فراغ لا يعرف من الضّوء إلا زهوة الأخضر. على طول الأغصان أخذت تتلوّى نحو ورقة خضراء، وبإصرار مستميت واصلت الزحف، قوائمها الصغيرة دغدغت الشجرة فابتسمت بعطف مشفق على الجسم القبيح، سربت حبها من خلال النسغ المتدفق في شرايين الأوراق، استشرفت اليرقة الوجد وعادت عيناها الفارغتان تجوسان جسمها الطري ذا النتوءات بحزن وتبتهلان، وعلى توالي الأيام ظلت تلتقم الأوراق بنهم، بشجن يترجى شغف معانقة الأفق. في صبيحة موعد جديد، انتفض في صدرها نداء، خفق نبضها رجاء، قررت التوقف عن التهام الخضرة، تداعى النهم، تلوت، أفرغت دواخلها، أفرزت خيطا يشدها للحياة فيما كانت الريح الحكيمة تشي لها بسر: “قد يتوهج الجمال تحت القبح.. قد يتجهم القبح تحت الجمال”. لفت نفسها بخيوط حرير ناعمة، سلمت لله أمرها، انتشت بالظلام، سكنت، غفت، تعلقت على الغصن المترقب شرنقة، وغرقت في دفء سبات، وقلبها حلم ملقى على هبات الشمس. تساءل عصفور هل يفضي التقوقع لفرح؟ ابتسمت الشجرة. داخل الكون المخبأ في شرنقة كان يتشكل طور يجسد معنى الحياة، معنى الحلم حين ينطق من شفاه المستحيل، معنى الإرادة حين تحيل الضعف قوة، كانت رحلة التحول تصوغ تفاصيل مدهشة تتظاهر بالسكون وتتماهى في انتظار صبور.. وأينع الصبر وعدا غضا. أفرز الجسم المخبأ سوائل الفرج ليتخلص من غلاف الشرنقة، واندفع الصدر بكل قوة ليكسر الغلاف، من الشرنقة أطل رأس جميل، ثم أرجل دقيقة، وبالشغف الحالم بالبهاء والمترقب للجمال اندفع كامل الجسم متحرراً منتشياً.. هبت على الفراشة نسائم الحياة، تلقفت النور الطاغي بانتفاضة عتق، هبات الألوان تزاحمت أمام عينيها، منعكسة على جناحين براقين يبتهلان. في تأبين يحتفي بالبدايات وقفت أمام شرنقتها في صمت خاشع، تلت حروف الوفاء، تناثر الحنين متذكراً ظلمة رحيمة احتضنت قبحاً زاحفاً. ما لبثت الفراشة أن رقصت برجلين نحيلتين على خد زهرة، مشطت قرنيها بغنج، استدارت محلقة في فضاء أزرق وحلمها غيم يتهادى. هناك على غصن متحفز لنسغ الحياة تركت شرنقتها تستحضر الجفاف، تختبر معنى الفراق الأبدي لتتلاشى بعد توالي الحزن ذرات هباء... شرنقة تعيش في ذاكرة شجرة حلم انعتاق. * قاصة إماراتية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©