الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ماذا تريد أميركا من السودان؟

23 أغسطس 2012
يبدو من كلام مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية والمبعوث الخاص للرئيس أوباما للسودان السفير برنسون ليمان وحديثه المهم حول السودان وتوقيته أن الإدارة الأميركية كانت تأمل وتحاول العمل السياسي لإنشاء "علاقة جديدة" مع نظام "الإنقاذ" الحاكم. هذا حسب بعض الرؤى المتداولة في أوساط السياسيين السودانيين والمراقبين الخارجيين الذين ساهموا ونجحوا في إقناع وفد الحكومة السودانية في المفاوضات، وكذلك الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل قرنق، فالرجل كان رئيساً للوفد الأميركي في مفاوضات نيفاشا ويقال إنه أنشأ علاقة حميمة مع بعض القياديين في الوفد الوطني. ففي ظاهر محاضرته في مركز مايكل أنصاري -الذي نحن بصدده الآن- وفي باطن الحديث أن الولايات المتحدة قد وعدت الحكومة والحركة الشعبية أنهما إن تجاوزتا مرارة الحرب بينهما وتوجهتا بجدية وصدق لتحقق السلام المستدام في السودان، فإن الإدارة الأميركية ستعمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول المتهمة بدعم ومساندة ما تسميه بالإرهاب الإسلامي. وأن الرئيس سيستخدم نفوذه لإقناع الكونجرس الأميركي بإلغاء القوانين التي أقرها، والتي بموجبها عملت المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد) ومعهما بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، ما قلل من فرص السودان في الاستفادة الاقتصادية والمالية من تلك الجهات. وهنالك حسب نص المبعوث الرئاسي مشروع أميركي سخي وكثير المزايا والوعود لمساعدة سودان السلام، لإعادة تأهيل البلد الذي أنهكته الحرب الأهلية الطويلة المدى، اقتصادياً وإنسانياً.. وفي نص حديث السفير "ليمان"، فإن أوباما كان قد وضع خريطة طريق جديدة للتعامل والتعاون مع السودان، وتطبيع العلاقات معه، ولكن هنالك حدثين مهمين وقعا في السودان بعد اتفاق نيفاشا، أولهما، كما قال، انفجار الوضع في دارفور لأن أشكال القمع العسكرية وغيرها مما يضع السودان في صراع ليس مع الولايات المتحدة الأميركية، ولكن مع كثيرين في المجتمع الدولي.. فحماية حقوق الإنسان واحترام قواعد الحرب ووقف الممارسات غير الإنسانية أضحت مجالاً لاهتمام العالم كله في الوقت الراهن، وقد تم إدماجها في القرارات والقوانين التابعة للأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية الأخرى. وعندما تنتهك هذه القواعد فإن ذلك يشكل خطراً على السلام والأمن في المنطقة أو خارجها، وبالتأكيد يؤثر على العلاقات مع الآخرين، بحسب تعبير "ليمان". والحدث الثاني الذي تقاطع مع خريطة الطريق، وهو التطور الأهم، كان اندلاع القتال بين الحكومة والحركة الشعبية- قطاع الشمال، في يونيو عام 2011 في جنوب كردفان وبلوغه ولاية النيل الأزرق. وعادت الدائرة.. تحولت الحكومة -كما فعلت في دارفور- لاستخدام القصف الجوي الذي قيل إنه شمل قصف المدنيين والأسواق والمواقع غير العسكرية. وقدم المبعوث الرئاسي "ليمان" تفاصيل كثيرة عما يجري في جنوب كردفان والنيل الأزرق. ويبقى السؤال الأهم... وهو: ماذا تريد الولايات المتحدة فعلاً؟ فعلى رغم أن السفير "ليمان" قدم ما أسماه "اقتراحاً" منه، وأتبعه ما وصفه بـ"تخيل" لما يمكن أن يكون عليه السودان، فإن من يقرأ بتمعن واهتمام جيد سيدرك بعض حيثيات هذا "التخيل" المقترح، حيث يقول "ستكون في السودان حكومة على استعداد لمعالجة القضايا الأساسية التي سببت النزاع ونتجت عنها هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. هذه هي القضايا الأساسية التي ظلت قيد المناقشة في البلد... حكومة ستظهر نفسها بصورة الحكومة المسؤولة والملتزمة بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وستعمل على مأسسة هذه المبادئ من خلال عملية دستورية تستند على قاعدة واسعة.. عملية يتم فيها إشراك الناس من أنحاء البلاد.. إذا كانت نوايا الحكومة واضحة وذات مصداقية للشعب السوداني، فإنها ستكون ذات مصداقية للمجتمع الدولي. ستنهي الحكومة قصف المدنيين وتدعو إلى وقف الأعمال العدائية في المنطقتين وتشرع في محادثات مع خصومها هناك". ولكن ما هي هذه "الحكومة المتخيلة" في رأي السفير "ليمان"؟ هو يقول بصراحة "لكن حجر العثرة في سبيل هذا التجديد يتمثل في النزاعات وتركة السياسات والممارسة الضارة السابقة.. لكن لا يمكن للسودان التعامل مع المشاكل المستمرة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق وأماكن أخرى من البلاد بنفس أسلوب الحكم الذي لا يلبي حاجة سياسية أكبر وفعالية أكبر بتقاسم الثروة والفرص وبالمزيد من الديمقراطية. إن محاولة قمع هذه المطالب عسكرياً أدت إلى استمرار الصراع. هذه الحلقة المفرغة التي تحرم السودان من الفجر الجديد". إن في ما يسميه البعض السياسة الأميركية الجديدة للسودان التي أعلنها مبعوث أوباما كثيراً من الإيجابية والتوافق مع مطالب الشعب السوداني التي عبر عنها تجمع المعارضة في بيانه السياسي الأخير (قبل محاضرة ليمان في واشنطن). وهو يعلم كما قال إن كثيراً من السودانيين قد يقولون إن هذه السياسة الجديدة من شأنها أن تضع السودان في اتجاه جديد هي أهداف أميركية. وفي الرد على مثل هذا القول قال ليمان "إن هذه الأفكار قد تمت الدعوة إليها من قبل السياسيين وأحزاب المعارضة والطلاب الذين سعوا بشجاعة ليكون لهم صوت مسموع في هذه القضايا". وأهم من ذلك وأخطر، وعلى مسؤوليات السفير ليمان "لقد جرى لها الترويج أيضاً من قبل البعض في الحكومة وفي الحزب الحاكم والأجهزة الأمنية" وهو دون شك بحكم مهنته يعي ما يقول! عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©