السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النسيج سيمفونية الأصابع والنول

النسيج سيمفونية الأصابع والنول
3 مارس 2009 00:20
سويحان- شبك الإنسان البدائي سيقان النباتات وأغصان الأشجار ببعضها البعض وحاك بها صوف المواشي ليصنع منها رداء يقي جسمه· فكان أن اعتبرت بذلك حرفة النسيج كإحدى أقدم الحرف في العالم· إذ تشير العديد من كتب الصناعات العربية، إلى أن حرفة النسيج عرفت قبل نحو سبعة آلاف عام من الميلاد، وتوارثتها الشعوب عبر التاريخ وصولاً إلى عصرنا· وتعدّ الإمارات في طليعة دول المنطقة اهتماماً وحرصاً على إحياء الصناعات التقليدية الشعبية، حيث تمارس نحو 20 حرفة يدوية نشاطها في الدولة· وفي مقدمتها حرفة النسيج ''السدو'' التي تحظى باهتمام كبير يوليه لها ''نادي تراث الإمارات'' بحيث شهدت هذه الحرفة تنشيطاً وتشجيعاً وحماية من الإهمال والاندثار، وحفظ جهود الأجداد الذين كانوا يمارسونها لتأمين احتياجاتهم المنزلية وكمصدر لرزقهم، فازدهرت الحرفة وتألق حرفيوها الذين تضمهم ''القرية التراثية'' في سوقها الشعبي وكذلك المشغل النسائي الخاص بالسيدات· وتحرص إدارة النادي خلال مهرجاناتها التراثية وملتقياتها الشبابية ومسابقاتها وفعالياتها، على بناء قرى تراثية وأسواق شعبية مصغرة، تعرض لمجموعة الحرف التراثية النشطة في الدولة، وفي مقدمتها النسيج أو ما يسمى ''السدو'' حيث تواظب النسوة العاملات وكذلك العاملين في السوق، على ممارسة العمل في غزل ونسج ''السدو'' أمام الزوار والسياح بهدف اطلاعهم على إحدى حرف الأجداد في المنطقة، وتعريفهم بأساسياتها وأدواتها وكيفية إنجازها· أنواع متعددة ينهمك النسّاج عامر أحمد داخل دكان من العريش في السوق الشعبي المقام بمنطقة ''سويحان'' في نسج قطعة صوفية جميلة يمد خيوطها على آلة خشبية، بينما يقاطع انشغاله بعض السياح الأجانب يسألونه عن المواد الخام التي يصنع منها تلك القطعة، فيختلط صوته بصوت صرير الكارجة الخشبية ''الكاروجة'' التي ينسج عليها، ويقول: ''ثمة نوعين من النسيج، كل منهما يحتاج إلى مرونة الخيوط وبراعة النسّاج وأفكاره وتصاميمه المتميزة· فهناك نسيج القطن ونسيج الصوف· وفي هذا الأخير نستخدم مجموعات من مغازل الصوف والشعر، لإنجاز مستلزمات الخيام والمجلس البدوي والمفارش والوسائد والأغطية الملونة التي تحتاج تداخل الخيوط وفق النقوش والرسوم كالزهور والشجيرات أو الإبل والصقور أو المثلثات والدوائر، إذ يرسم النموذج على ورق ميليمتري لينسج على سنارات ''الكاروجة'' ويتكرر الشكل وتطول خيوط الصوف تبعاً للقطعة، فمفارش المجلس تكون أطول من خيوط الوسائد، وننتج (البساط والخروج والسجاد والأرائك واللوحات) فضلاً عن بيت الشعر· بينما خلال نسج القطن يتم استخدام آلة ''الكاروجة'' التي تتكون من خشب السدر قديماً أو الحديد، ومرفق معها ''النير'' الذي يستخدم لإدخال غزل القطن أو الصوف به، وكذلك هناك ''الدواوير'' وأيضاً ''الدولاب''· حيث يتم تمشيط القطعة وغزلها بواسطة آلات تقليدية مصنوعة من سعف النخيل، وتُمد خيوط النسيج التي يختلف طولها بحسب القطعة المراد نسجها مثل: القميص والسروال والثوب والإزار فوق ''الكاروجة'' وكذلك ''النول'' بينما تكون الحركة مرتبطة بسنانير ضمن الثقوب التي تشغل السنتمتر مربع، فعندما تدار ''الكاروجة'' أو النول فإن المكوك الخاص بالخيوط يرفع السنارات إلى الثقوب ذهاباً وإياباً ويتكرر العمل إلى حين الانتهاء من نسج القطعة''· نقوش مختلفة تجلس في السوق نفسه داخل ركن مخصص لهن، سيدات عاملات في ''المشغل النسائي'' اكتسبن عبر سنوات طويلة من اشتغالهن بحرفة النسيج أو''السدو'' مهارات عديدة تستقطب إعجاب الزائرات لركنهن في سويحان؛ من مواطنات ومقيمات وسائحات، حيث تقول الوالدة أم سلطان- إحدى العاملات: ''تعتمد حرفة ''السدو'' بداية على توفر أداة بسيطة هي ''المغزل'' المصنوع من أغصان أشجار السدر أو النبق أو العوسج، فمبرمة المغزل هي الأداة الرئيسة التي يُلف عليها الصوف فتشكّل كرات من الخيوط الصوفية، وهي عبارة عن قطعة من أعواد الشجر الأملس، ويكون في رأسها قطعة حديدية تسمى ''السنارة'' وظيفتها برم الصوف أو القطن أو شعر الماعز وغزله، تحضيراً لعملية نسج الخيوط''· وتضيف الوالدة أم سلطان: ''يتم صنع منتجات النسيج الصوفي سواء التي تُلبس أو تفرش في الخيام وبيوت الشعر، من خامات الصوف بعد تنظيفها وغزلها بواسطة المغزل لتكون خيوطاً ملفوفة ببعضها على هيئة كروية، حيث تبرم الخامات الصوفية على المغزل للحصول على الخيوط، ثم تمر بمرحلة السدو للحصول على ''الدحروية'' أي كرة الصوف، وبعدها تبدأ الحياكة حيث تُنسج من صوف الأغنام وبواسطة المغزل اليدوي مجموعة من القطع (السفايف والزولية والمزاود والزرابيل والبداد والسيح والخطام والشداد والعدول والقاطع والمساند) التي تنسق ويتم إعدادها للبيع في قسم المعروضات''· أسعار متهاودة لعل أجمل ما يمكن ملاحظته عن هذه الحرفة الرائدة في العالم كما في الإمارات، أن إدارات أندية التراث والنسّاج على حدّ سواء، اضطلعوا بمهام المحافظة على هذه الحرفة التي مارسها الأجداد في الماضي وأحياها الآباء في الحاضر، وتعوّل الآمال على الأبناء أن يهتموا بها مستقبلاً لأنها تنسج فيما تنسج تاريخ البلاد وأصالتها· من هذا المنطلق يلفت أنظار زوار السوق الشعبي في سويحان، توفر منتجات نسيجية من الصوف، متنوعة الأشكال وبألوان عديدة ولمختلف الاستخدامات، منها للاستعمال الشخصي كالملبوسات، ومنها لمفروشات البيوت، تنجزها السيدات العاملات وكذلك العاملون في السوق· وتتصف جميع تلك القطع بجماليات فنية رائعة، فضلاً عن كونها صناعات يدوية تكلّف الكثير من الجهد والمال· إنما تراعي إدارة ''نادي تراث الإمارات'' أن تكون أسعارها في متناول القدرات الشرائية، خاصة أن الهدف من تشجيع تلك الحرف ودعم الحرفيين ليس العائد المادي والربح التجاري، بل إحياء الحرف والعمل على نشرها وتعريف أبناء الدولة وضيوفها بها· وتبدأ أسعار القطع القطنية من 25 ولغاية 400 درهم، بينما المنتجات الصوفية أعلى ثمناً وثمة قطع يبلغ ثمنها نحو 1000 درهم· لكن لا يقتصر اقتناؤها على مواطني الدولة والمقيمين على أرضها فقط، بل تستقطب السياح الذين يقبلون على انتقاء المنسوجات لاستخدامهم الشخصي أو كزينة للديكور المنزلي ببلدانهم أو كهدايا تذكارية تراثية من أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©