الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سنة أولى مدرسة» بداية «الفطام» العاطفي والاجتماعي للصغار

«سنة أولى مدرسة» بداية «الفطام» العاطفي والاجتماعي للصغار
31 أغسطس 2013 20:20
ربما يستدعي مشهد بكاء بعض الأطفال الذين يتعلقون بأمهاتهم أو آبائهم، ويرفضون انصرافهم وتركهم بالصف الدراسي في أول أيام السنة الدراسية، ما كان يحدث لنا عندما اصطحبنا أطفالنا إلى المدرسة في أول أيام الدراسة. مشاهد مألوفة ومتكررة وطبيعية. لعل مخاوف الأطفال التي تقترن بالالتحاق بالمدرسة لأول مرة هي مخاوف طبيعية تنتاب كثيرين منهم، وهم لم يعتادوا الابتعاد عن البيت لساعات طويلة، أو لأنهم لا يتخيلون أن يكونوا في مكان جديد بمعزل عن أسرهم.. فكيف نساعدهم على التكيف مع هذا العالم الجديد؟ لا شك في أن خروج الطفل «في سنة أولى مدرسة» نقطة تحول جوهرية في حياته، وتجربة جديدة، قد تبدو صعبة عليه في البداية، فهو مضطر إلى أن يخرج من دائرة الأسرة والعائلة التي عاش فيها لفترة طويلة إلى عالم أوسع ومختلف عما كان معتاداً عليه، وفيه يواجه وجوهاً غريبة عليه، ومشاهد غير مألوفة من ذي قبل، ونظاماً جديداً لم يعتده، بل عليه أن يتعامل مع نوع آخر من الضغوط، وعليه أيضاً أن يتواصل مع أناس وأصدقاء جدد، ويتحول الطفل بعد أن كان يأخذ كل شيء إلى أن يعطى، ولابد أن يدفع ثمن كل ما يأخذه، وكي يكون ناجحاً في مدرسته أو حياته لابد أن يقدم ما يستحق ذلك. منعطف وحتى لا يتحول هذا المنعطف المهم في حياة الطفل إلى كابوس، أو عقدة تكرس كراهيته للمدرسة والدراسة، هناك مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق الأسرة والمدرسة معاً، تتمثل في تنمية وعى الآباء والأمهات قبل التحاق أطفالهم بالمدرسة لأول مرة، وكيف يمكن أن يتم التعامل مع الطفل؟ وكيف يمكن ترغيبه واستثارة شغفه بالمدرسة؟ ترى ميسون نظيم «معلمة» أن مخاوف الطفل في الأيام الأولى من التحاقه بالمدرسة أمر طبيعي ومتكرر، ولاسيما إن لم يكن قد التحق بالحضانة أو رياض الأطفال، حيث تعد فترة تهيئة وإعداد نفسي واجتماعي له، حتى وإن لم تكن الأم من العاملات، على الأسرة أن تلحق طفلها بإحدى دور الحضانة أو رياض الأطفال حتى يعتاد منذ وقت مبكر أن يخرج من البيت، ويرى ويتعامل مع أطفال وأناس غير الذين يراهم في محيط الأسرة، ومن الطبيعي أن يشعر الطفل بالخوف عندما يجد نفسه فجأة في الصف بين أطفال لم يعتدهم، ويتخيل أنه سيضيع بينهم لو ذهبت أمه وتركته معهم». وتكمل ميسون:« لا أحبذ انتقال الطفل بهذا الشكل المفاجئ له من دون إعداد أو تهيئة، ولابد أن يدرك الأبوان أن تعليم الأطفال مسؤولية كبيرة جدا، ولابد أن يأخذوا الأمر بقدر من الاهتمام حتى يتعلموا ويتدربوا ويفهموا التعامل مع الطفل، وأن يغمروا الطفل بالعطف والحنان، لأن الطفل المشبع عاطفياً تزيد قدرته على التكيف والتأقلم، فقد تتفاجأ الأم بأن الطفل يأخذ في البكاء بمجرد أن تتركه، وعليها ألا تخدعه وتنصرف حتى لا يأخذ موقفا سلبياً من المدرسة، ويتحول الموضوع بعد ذلك إلى نوع من «الفوبيا»، بل عليها أن تصارحه وتشرح له الأمر بلغة محببة من دون تخوف أو ترهيب أو ضغوط، بل بالتشجيع والصبر». التعلق السلبي أما نغم الهاشمي «مدرسة اللغة الإنجليزية»، فتشير إلى أن كثيراً من الأمهات يعانين مع الأطفال عند بداية دخولهم المدرسة، حيث يتسم سلوكهم بالعناد والصراخ والتشبث الشديد بالأم، وقد يصل بهم الأمر إلى التمارض واختلاق الأكاذيب وخوفهم من اضطهاد المعلمة لهم، وعادة نجد مثل هذه الحالات عند الطفل الشديد التعلق بوالديه أو الابن المدلل دلالاً مفرطاً، وعدم تعلمه الاعتماد على نفسه في مراحل مبكرة. فمرحلة التحاق الأطفال بالمدرسة أو الروضة، بمثابة التحدي الأول بين أولياء الأمور والطفل، فعليهم إقناعه بأن المدرسة مكان جميل سيقضى فيه وقتاً ممتعاً ومفيداً، وسيتعرف إلى أصدقاء جدد. وذلك يعود إلى مدى تعلق الطفل الشديد بوالديه، خصوصا إذا كان الطفل الأول للأب وللأم. ومثل هؤلاء ننصحهم بضرورة تأهيل أبنائهم قبل مرحلة دخول المدرسة بوقت كافٍ، وتدريبهم على تحمل المسؤولية، وفتح حوار معهم وترغيبهم في المدرسة، وتوضيح أن المجتمع المدرسي مجتمع حافل بالنشاطات والمحفزات والألعاب الجماعية التي يستهويها الطفل، وأن المدرسة ليس بها ما يخيفه، ومن ثم تشجيعه وإثابته على انتظامه وحبه لمدرسته، ولا يمنع أن تخصص المدرسة قاعة يمكن لأمهات هؤلاء الأطفال أن يقضين بها بعض الوقت خلال اليوم المدرسي، حتى يكنّ قريبات من أطفالهن في أيام الدراسة الأولى، وحتى يعتادوا عدم وجود الأمهات تدريجياً». فطام ثانٍ يقول حسين البادي «معلم»: «إنني أعتبر دخول الطفل للمدرسة للمرة الأولى بمثابة «فطام ثانٍ» له، وسيكون الأمر صعباً إلى حد ما إن لم يكن الطفل اعتاد الخروج بالذهاب لرياض الأطفال ولو لمدة سنة، فقد يعاني متاعب الفراق في البداية، والخوف أو الرهبة، لذا يجب التمهيد للطفل قبل موعد ذهابه إلى المدرسة بأيام وتشجيعه على ذلك بشراء بعض الأقلام المناسبة أو الملصقات الجذابة التي ترتبط بشخصيات محببة مثل الشخصيات الكرتونية التي يستمتع بمشاهدتها أو السيارات إذا كان من هواة اللعب بها، ولا يمنع من الذهاب إلى المدرسة أو المرور من حولها مرات عدة قبل بدء العام الدراسي، وأن نتحدث إلى الطفل عنها، وعن الوقت الجميل الذي يقضيه بها، والأصدقاء الجدد الذين سيلتقي بهم، ففي أوروبا تقوم المدارس بدعوة الأهل والأطفال قبل بدء العام الدراسي لرؤية المدرسة بجميع أركانه، حيث تمهد هذه الخطوة الطفل إلى العالم الجديد الذي ينتظره، ويتم التركيز على الزوايا الخاصة باللعب والأشياء التي يحبها الأطفال، وقضاء بعض الوقت في ساحات اللعب لتشجيعه على المجيء إلى المدرسة». التدرج كذلك تقول عبير سالم «موظفة»، أن الأطفال في هذه المرحلة العمرية لا يستوعبون فكرة البعد عن آبائهم وأمهاتهم بسهولة بطبيعة الحال لالتصاقهم الدائم بهم، لذلك يجب إلحاقهم تدريجيا في فترة ما قبل المدرسة الذهاب إلى دار الحضانة، ولو لبعض الوقت يومياً حتى يتكيفوا مع الأقران الجدد ويندمجوا في الألعاب الجماعية ويتعلموا أساسيات النظام، والتعامل مع الآخرين ويتقبلوا فكرة البعد المؤقت عن الأب والأم وجو الأسرة، وبعيداً عن استخدام العنف أوالقسوة أوالتعنيف والإيذاء، وأن يبذل مع الطفل كل محاولات التشجيع المادي والمعنوي. وتضيف سمر شداد « موظفة»: «طفلي الأول بالثالث الابتدائي الآن، وعانيت كثيراً مع بدايته الأولى في مدرسته، لأنني لم ألحقه بدار للحضانة، واستفدت كثيراً من هذا الدرس، وراعيت أن ألحق شقيقه بالروضة، وعندما أصبح في سن المدرسة كان يتعجل عودة الدراسة، وكان فرحاً لأنه سيلتقي مع أصدقاء جدد، فقد زرت معه المدرسة قبيل العام الدراسي، وكان مسروراً للغاية، بل ويقول إنه سيذهب في اليوم الأول مبكراً حتى يجلس في الصف الأمامي في قاعة الدروس، وهذا أراه اتجاه جيد ينبغي أن أنميه لديه، فما من شك في أنه استفاد كثيراً من فترة الحضانة والروضة، فهو أصبح أكثر ميلاً للألعاب والأنشطة الجماعية مع غيره من الأطفال». وتكمل شداد:« إن تخوف الطفل يمثل ضغطاً على الأم خلال مرحلة الانفصال أو الفطام الأولى، والأم لابد أن تتحلى بالصبر والذكاء في تعاملها مع ولدها، وعدم تصدير القلق إليه، ومراعاة عدم نقل مثل هذه المشاعر للأطفال أو الحديث عنها على مسمع منهم حتى لا يشعروا بالخوف، وألا تكثر من أسلوب التحذير، بل تستعيض عنه بالترغيب لأن سرعة أو بطء التكيف يعتمد على شخصية الطفل وطريقة تربيته، فهناك أطفال يندمجون بسرعة، وآخرون يصعب الأمر عليهم، وهنا يأتي دور الأم، فإذا رأت أن طفلها تقبل الموقف، فعليها أن تودعه وتتركه سريعاً بعد توصيله إلى المدرسة، وإن لم يكن كذلك فلا مانع من الدخول معه وإحساسه بالأمان، وإن تطلب الأمر الصعود معه إلى الفصل ولكن إن تمادي في البكاء مثلاً فيجب تركه على الفور، وتتولى المدرسة أمره». التقبل والرفض وطبيعة التكيف توضح الاختصاصية النفسية نسرين الهادي، أسباب المتاعب التي يواجهها الطفل عندما يلتحق بالمدرسة للمرة الأولى، وتقول:« إن تخفيف مشكلات أو متاعب التحاق الطفل بالمدرسة للمرة الأولى لابد أن يتم من خلال طبيعة نمط التربية المبكرة، وثقافة الأسرة، وهل التحق بحضانة أو روضة أطفال من عدمه، وهل يتربى على الانغلاق وعدم الاختلاط؟ أو كونه طفلاً مدللاً بإفراط؟ وهل له أشقاء سبقوه إلى المدرسة أم لا؟ كل هذه العوامل ترتبط بمدى تقبله أو رفضه للتخلي عن البيت بسهولة، وأنه سيواجه عالماً جديداً، به وجوه جديدة، ونظام جديد، ومن ثم تصبح عملية التهيئة مهمة وفعالة حتى يستطيع أن يتكيف مع المناخ المدرسي بسهولة ويسر، كأن تقول له الأم :« ستلعب في المدرسة وترسم وتلون وتسمع الأناشيد والموسيقى، ولا يمنع أيضاً من التمهيد للطفل قبل موعد ذهابه إلى المدرسة بأيام وتشجيعه على ذلك بشراء بعض الدفاتر والأقلام والألوان التي يختارها الطفل بنفسه وتكون دفاتر ذات اللون والرسومات الجذابة. ومن الأهمية أيضاً على الأسرة أن تكسر حاجز الخوف لدى الطفل وبناء الثقة ما بين الطفل والمدرسة والمدرسين وأصدقائه، والابتعاد عن الأوامر، وتعويده السلوكيات السليمة بالتدريج والتدريب والممارسة. ولا يمنع من أن تصاحب الأم طفلها إلى المدرسة في الأيام الأولى على أن تنسحب بشكل تدريجي، وتشعره أن المدرسة مكان محبب ومطمئن لها أيضاً.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©