الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

نانسي بيلوسي.. تمارس السياسة بقواعد التنس

18 نوفمبر 2006 01:27
السعد عمر المنهالي: في واقع اليوم لم تعد شخصية باودولينو -في رواية تحمل اسم البطل الإيطالي امبرتو ايكو نفسه- خيالية على الإطلاق، يكفينا فقط أن نخرج من نص الرواية إلى سرد الواقع الذي نعيشه جميعا، فإذا بصفات ذلك الشخص الكاذب الحذق الخبيث والقادر على سحر الآخرين بخيالات تتكرر حولنا كل لحظة،وحتى لو نجح لسنوات طويلة في إقناع الآخرين بزيفه، إلا أنه في لحظة ما سيقول الحقيقة، غير أن إمكانية رجمه كما حدث مع باودولينو -عندما قال الحقيقة لمرة واحدة في حياته- تبدو غير واردة في اللحظة التاريخية الحالية، خاصة وأن التاريخ قد تحول بالفعل نتيجة لأكاذيبهم! في رائعة الإيطالي امبرتو ايكو يتغير التاريخ بمجموعة من الأكاذيب، يسردها بطل روايته باودولينو، أكاذيب ظل يؤلفها بخبث شديد وحرص لا متناه حتى صدقها هو بعد أن أقنع بها من حوله· وبالرغم من أن بطل تلك الرواية كان يهرب من واقعه المؤلم إلى آخر متخيل، إلا أن العالم ظل يفاجئه بتحويل أكاذيبه إلى واقع أثناء رحلته التي تسردها صفحات الرواية إلى الشرق· تبدو مغامرة باودولينو شبيهة برحلة آخرين نسجوا في أخيلتهم أعداء، مصورين بسمات خاصة، فاتجهوا شرقا بدعوى محاربتهم بينما كان لوجهتهم أهداف أخرى لا تخلو من المصالح، وإذا بهم يفاجأون بأخيلتهم وقد أصبحت واقعا شرسا عليهم مجابهته على أرض الواقع وليس في ساحات الخيال!· الكونجرس·· رواية أخرى يختلط الأمر في الكونجرس الأميركي، ليس لأن باودولينو الإيطالي هناك لا يجيد حبك أساطيره المتخيلة، فالتاريخ قد تخطى تلك المرحلة، بل لأن وقت قول الحقيقة قد جاء عاجلا، بينما لا يملك العامة حجرا يمكن أن يرجموا به نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي بعد أن تحيزت لصالح النائب جون مورثا في السادس عشر من نوفمبر الجاري 2006 لرئاسة الأغلبية الديموقراطية في مجلس النواب بالرغم مما أحيط به فترة من الفترات من تهم بالفساد، وما هو متعلق بعلاقتها الشخصية به، في الوقت الذي تعد فيه نانسي الشعب الأمريكي بأن تكون هذه قضيتها الرئيسة، بل وبعد ساعات من وعدها للأمريكيين بقولها ''لن ··· نبهر بالمال والمصالح الخاصة''!·· · والإيطالية الأصل الأميركية المولد نانسي بيلوسي ولدت في السادس والعشرين من مارس عام 1940 لإحدى الأسر الكاثوليكية في بالتيمور بميرلاند، وقبل أن تبلغ السابعة من عمرها أصبح والدها توماس داليساندرو عمدة بالتيمور، لتشهد بعد ذلك حياة صاخبة في العمل العام وخدمة المجتمع حتى بعد أن ترك والدها منصبه الذي قضى فيه اثنتي عشرة سنة · كانت نانسي الأنثى الوحيدة بين إخوانها الستة والأصغر بينهم، ولعل هذا ما عزى بوالديها بتعليمها في مدارس منفصلة، فقد درست في إحدى المدارس الكاثوليكية في بالتيمور، كما أن تعليمها العالي كان في إحدى كليات الإناث التابعة للروم الكاثوليك، وبعد انتهاء دراستها تزوجت باول بيلوسي عام ،1963 فانتقلت بصحبته إلى سان فرانسيسكو بولايته كاليفورنيا لتنجب أطفالها الخمسة· وبالرغم من هذه الحياة المحافظة بكافة تفاصيلها كان هوى نانسي ديموقراطيا ونزعها ليبراليا إلى حدود اعتبرها بعض الناس متطرفة!· شغلت نانسي منذ عام 1981 بالعمل السياسي في الحزب الديموقراطي على مستوى الولاية ولكنه لم يأخذ شكله المتصاعد إلا بعد أن أنهت أصغر بناتها الدراسة الثانوية، فبدأ صعودها الحزبي يصبح أكثر وضوحا عندما دخلت الكونجرس الأميركي جراء انتخابات تكميلية بناء على وصية نائبة أخرى زميلة لها لترشح لمقعدها في حال وفاتها عام ·1988 ومنذ ذلك الحين لم تحصل نانسي على أقل من 70 بالمائة من أصوات الناخبين في دائرتها الانتخابية لتجلس بذلك على مقعد الولاية الذي أصبح حكرا على الديموقراطيين في الكونجرس لثماني دورات انتخابية متتالية· كباري ' وجسور تمتعت السيدة نانسي التي كانت قد وصلت الثامنة والأربعين وقت دخولها مجلس النواب بقدرات ذاتية غير عادية، فقد تألقت وبجدارة بين زملائها فكانت المسؤولة عن الاستراتيجيّة التّشريعيّة لحزبها، كما عملت دائما على ربط اعضائه ببعضهم وإطلاعهم الدوري على إصدارات الحزب والناخبين الجدد والأصوات جديدة· كما أكسبها عملها في لجان الكونجرس المختلفة مثل الصحة والتّعليم والإسكان والمخابرات والأمن القومي وحماية البيئة دورا في دعم علاقاتها مع السلطة التنفيذية بالإضافة إلى علاقات جيدة مع الجمهوريين في الكونجرس· غير أن قدراتها الخارقة في جمع أموال المتبرعين في كل فعاليات الحزب منذ سبتمبر عام ،2000 وحماسها لزملائها في هذا المجال لدرجة السفر إلى أكثر من ثلاثين ولاية لجمع المال لزملائها الديموقراطيين أثناء ترشيحهم للكونجرس دعمها وبقوة لقيادة الأقلية الديموقراطية في مجلس النواب عام 2003 لتصبح أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية تقود تكتلا حزبيا داخل الكونجرس· برزت نانسي في الفترة اللاحقة أثناء تصويتها ضد استعمال القوة ضد العراق في الكونجرس الأميركي، كما أن مواقفها المتحررة حول مساندتها لحقوق الشواذ ومعارضتها جهود تحريم الإجهاض دفعتها دائما لواجهة الأحداث، وهو الأمر الذي جعل الكثيرين يتحيرون أمام مواقفها، سيما بعد تصويتها لصالح موازنة الحرب بالرغم من معارضتها السابقة لها، غير أن ما عرف عنها بقولها في إحدى المقابلات الصحفية: إن السياسة مثل ''لعبة التنس، يمكن أن تنتقل فيها من اليمين إلى اليسار والعكس، لكنك يجب دائما أن تعود إلى الوسط''·· يوضح نهج هذه السيدة في تحركها· ساعدها الوسط دائما على أن تكون بالنسبة لفرقاء الحزب الديموقراطي مركز جذب، ولذا فقد نجحت فيما فشل فيه آخرون من دفع زملائها داخل الكونجرس بالتزام التصويت وفق سياسة الحزب، وهو التوفيق الذي نجحت بموجبه في كسر رهان أحد المخضرمين من الحزب الجمهوري عندما قال في نوفمبر عام 2002: إن على نانسي بيلوسي أن تبني ''الكباري'' لكي تقود الدّيمقراطيّين ثانية إلى الأغلبية وذلك في تعقيبه بعد فوزها على منافسها ''هارلود فورد'' لزعامة الأقلية في الكونجرس الأميركي بـ177 صوتا مقابل 29 فقط· غير أنها بنت فوق ''الكباري'' أبراجا عالية طالت السماء وقصفت التفوق الحزبي للجمهوريين داخل الكونجرس بعد تفوق دام اثني عشر عاما، بل وتنوي لإحداث ما هو أكثر من ذلك -حسب قولها-، فهي تنوي اقتراح قانون يحظر دعم الحكومة الأمريكية للشركات النفطية، وهو المقترح الذي يصيب الرئيس الأميركي بوش ونائبه ديك تشيني بالرعب· وإن كان هذا الأمر لا يزال غير مؤكد، إلا أن الطريقة التي تعاملت بها بعد فوز حزبها مباشرة بأغلبية أعضاء الكونجرس في دعوتها بإقالة وزير الدفاع دونالد رامسفلد كإشارة على رغبة بوش في التعاون مع الكونجرس، دليل آخر على جدية دعوات المرأة، على عكس ما توقع بوش عندما سأل عن نانسي وتوقعه حول طريقة تعاملها مع إدارته بعد فوز الديموقراطيين، فأجاب: ''عاصرت السياسة طويلا وأستطيع أن أتفهم ما يقال عندما تبدأ الحملات الانتخابية وما يقال عندما تنتهي···''· ويبدو أن الرجل على علم بطبيعة باودولينو التي تغلب على السياسيين، بأن ادعاءاتهم وأكاذيبهم كبيرة وكثيرة، ولكنه يجب عليه أن يدرك أكثر من غيره أن كثيرا من هذه الأكاذيب تتحول إلى حقيقة، سيما وأن فترة سرد الأكاذيب قد طالت،فصدق الراوي كذبته بعد أن أقنع الآخرين بها!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©