الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيت إماراتي يمزج بين دفء الماضي وحداثة الحاضر!

بيت إماراتي يمزج بين دفء الماضي وحداثة الحاضر!
4 يناير 2010 23:15
دخلنا بيته للمرة الثانية، لكن لم تكن هذه المرة للاستفسار عن الحديقة الخارجية المحيطة بالبيت، وإنما دفعنا الفضول لاكتشاف صورة المنزل من الداخل خصوصاً وأن تساؤلاً مشاغباً ظل يراود العقل والعاطفة معاً.. إنْ كانت الحديقة العامة وبحكمها ملتصقة بمنزله بهذا التنسيق والجمال، فكيف سيكون منزل المهندس صياح محمد موسى من الداخل يا ترى؟؟ شموع تنشر العطور استقبلتنا صاحبة البيت أم أحمد كعادتها وكعادة أهل الإمارات بكرمهم وحسن ضيافتهم، وقد كان المدخل في حد ذاته عنواناً لذوقها الرفيع المستوي في تنسيق الديكور الداخلي وترتيب المنزل، وقد لمحنا شموعاً وضعت في مختلف الزوايا، على الطاولات وجنب الأباجورات وكانت كلها شموعاً عطرية تنشر روائح زكية وتبعث دفئاً ساحراً يغمر الضيف أو الزائر، وقد تنوعت أشكال هذه الشموع واختلفت ألوانها، بين الأحمر والأبيض، والأصفر والأخضر، فمنها الطويلة الرفيعة، ومنها الكروية الصغيرة، وأخرى تظل بظلالها من تحت أوعية وكؤوس زجاجية مزركشة ومنقوشة بالفضي أو الذهبي، فكان واضحاً حب صاحب البيت للشموع خصوصا وأنها تؤمن بتأثيراتها القوية على نفسية الشخص ومزاجه، وأنها تبعث على الراحة والاسترخاء. مجوهرات قديمة غير بعيد عن مدخل المنزل، ألصقت أم أحمد على الجدار سجادة قديمة حمراء اللون، وعلقت عليها أنواعاً عديدة من المجوهرات التقليدية القديمة التي اقتنتها، وكل قطعة منها تعبر عن منطقة ما من مناطق الدول العربية والصحراوية وتروي قصصا عن حضاراتها الكثيرة كالأمازيغ والبربر، فوضعت السلاسل والعقد، والخلخال الذي تزين به النسوة أقدامهن، إضافة إلى أقراط مزركشة ومحلاة بأحجار كريمة ملونة. الأزرق سيد الألوان فرشت أم أحمد بيتها بقطع متفاوتة الأحجام من السجاد الأصلي الذي تنوع بين الإيراني والتركي والعربي القديم، وضعت عليه قطعاً خشبية جميلة ومتحدة اللون “بني داكن”، تقول أم أحمد: “أنا أفضل استخدام الأثاث المصنوع من الخشب، لأن الخشب يتماشى مع جميع أنواع الديكور ومع مختلف ألوان وأشكال الأرائك، إضافة إلى كونه يعطي نوعاً من الارتباط الوثيق لعناصر البيت، بينما الزجاج والأشياء الأخرى أحس أن لا طعم لها”، وعن الأحمر الذي بدا واضحا حب أم أحمد له من خلال انتشاره في أرجاء البيت عن طريق الأرائك والوسادات، تقول: “أنا أعشق اللون الأحمر الذي يشعرني بالأصالة، حيث يذكرني بالماضي الذي هو جزء لا يتجزأ منا، فتاريخنا وماضينا هو أساس ما نحن عليه الآن ودافعنا إلى الحاضر والمستقبل، فالأحمر لون لا يمكن الاستغناء عنه في أي ديكور منزلي، والبيت الذي أدخله ولا أجد به اللون الأحمر أحس أنه بيت خالٍ من الذوق والأناقة !”، أما صالة الضيوف الكبرى فهي مطلة على المسبح من خلال نوافذ زجاجية طويلة شفافة تعكس المنظر الخارجي الجميل للحديقة التي زرعت بها شجيرات ونباتات وأزهار رائعة الشكل والرائحة، يطغى اللون الأزرق الملكي على الستائر والأرائك والذي امتزج بطريقة مذهلة مع اللون الذهبي، مما أعطى فخامة للمكان وعليا في مستوى الذوق، حيث يشعر الضيف أو الزائر للبيت -حسبما تخبرنا صاحبته- بالرقي والفخامة، فالأزرق سيد الألوان وقوة تأثيره كبيرة جداً على النفسيات ومهدئة للعين وللأعصاب معاً. جلسة عربية في الزاوية حاولت أم أحمد أن تمزج بين الحداثة والأصالة: “أحب أن أغير ديكور بيتي باستمرار، حيث إنني أكره الروتين وأحب التجديد، كما أنني أحب الكلاسيكية ولكني أمزجها بالعصرية، فأكون قد منحت كل طرف نصيبه وحقه، أي أحافظ على أصالتي مواكبة في الوقت نفسه العصرنة”، وهذا ما ظهر جلياً في الجلسة العربية المتكونة من سجادة قديمة حمراء بمخداتها المخططة التقليدية، والدلال النحاسية القديمة التي تذكر أم أحمد بوالدتها، أما الجرة المصنوعة من الطين فقد كسرت صاحبة البيت جزءاً بسيطاً منها لتضع مصباحاً يضيء بلونه الخافت ليلاً رفقة شموع عطرية جميلة، فيما بعثرت على الحواف قطعاً من المجوهرات القديمة قائلة: “أرى أن هذه الأشياء القديمة تعبر عن الإنسان، واللي ما له قديم ما له جديد! “. تمساح وأسود عند مدخل البيت الرخامي تستقبلك بطتان بيضاوان جميلتان وناعمتان، ولكنهما لا تتحركان، إنهما من ضمن مجموعة المنحوتات التي وزعت في مختلف أركان وزوايا المنزل، حيث تحرص أم أحمد على اقتناء هذه القطع التي زادت ديكور بيتها أناقة وجمالاً، وبعثت الحياة في أشيائه الجامدة، فعند عتبة الصالة يوجد أسدان نحاسيان يحرسان حديقة زهور رخامية، أما الغزالتان بعينيهما الناعستان فجلستا حول شاشة التلفزيون، وفرسان على خيولهم الأصيلة اصطفوا فوق الرفوف بمحاذاة المرايا المتفاوتة الأطوال والموضوعة بطريقة رائعة ودقيقة، أما التمساح فقد تخبأ تحت طاولة الأكل خشية من أن يفزع الضيوف عند مشاهدته، ولوحات الخيول العربية زينت بها الجدران التي ترمز بحد ذاتها للأصالة والعراقة.. إنه فعلا ديكور رائع من امرأة تتمتع بذوق راقٍ وحس عالٍ في اقتناء وتصميم بيتها الخاص بأناملها السحرية ومشاعرها الشجية. الطراز الشعبي أصالة وعراقة المزج بين الديكورات الحديثة والتراثية موضة العصر أبوظبي (الاتحاد) - “أمة بلا تراث...أمة بلا تاريخ” مقولة أكثر من صحيحة، ذلك أن أي أمة مهما بلغت من التطور إن لم يكن لها تراثها وعاداتها الخاصة بها، فإنه لا تاريخ لها ولا أرشيف، واليوم نشهد حملات وليس حملة واحدة من الموضة والصرعات الغريبة والدخيلة علينا، لا ننكر أن البعض منها جميل ورائع لكن في المقابل، لا بد لنا من المحافظة على تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، ليس فقط في الأكل واللبس وإنما كذلك في العمران والديكور !! جمال وفخر واعتزاز ها نحن اليوم نتتبع خطوط الموضة وأحدث ما أنتجه المصممون و ما أفرزته عقلية خبراء الديكور والتصميمات الداخلية لا شعورياً، أو إن صح القول إلزاماً لا اختياراً حتى نواكب العصرنة والحداثة ونلحق ركب الموضة والتطور، حروب الألوان وفسيفساء الصور، أثاث غريب وعجيب، إضاءة صارخة وأشكال جنونية . لكن الجميل الذي يثلج الصدور هو أنه في خضم هذه الصرعات تولدت صراعات تبناها بعض الغيورين على التراث، الحريصون على أن يكون تراثنا جزءاً لا يتجزأ من لمسات الديكورات الداخلية لمنازلهم وحدائقهم. الحنين لمنزل الطفولة كثير منا إن لم نقل كلنا، يحن إلى الماضي وإلى ذلك البيت الذي ترعرعنا وكبرنا ومشينا فيه أولى خطواتنا، لعبنا وسقطنا، مشاغبات الطفولة التي خزنت في ذاكرتنا ولن تمحى مهما مرت الأيام والسنين هناك بجانب البئر الذي يتوسط باحة المنزل، القريب من مطمورة القمح أو جرار الماء، داخل الصالة على السجاد المنسوج بأيادي الجارات من الفريج الواحد، ولعل هذا الحنين قد ساهم كثيراً في ابتكار الجديد حيث إنه أعطى المصممين فرصة لاستلهام التراث و توظيفه في مساحات و مفردات شعبية تضاف إلى التصاميم الحديثة للمنزل، فكأنه بذلك بث الروح من جديد لروح المنزل التي دفنت عند اجتياح العصرنة وجعلته أجمل من كل الابتكارات، ففي التراث المحلي نكهة جمالية وأبعاد نفسية لا يعرفها إلا من كان متفاعلاً معها ومحباً للتراث والأصالة. قطع غير مستخدمة قد يتساءل الواحد منا كيف لنا أن نصمم ديكوراً تراثياً وتقليدياً من دون الاستعانة بمهندس الديكور؟ إن الإجابة على هذا التساؤل سهلة للغاية، حيث بإمكاننا أن نجمع من عند أهلنا وأقاربنا قطعاً قديمة لم يعودوا بحاجة إليها كالدلال المتصدية والجرار المكسورة والأواني الفخارية القديمة، حتى أواني الطبخ المعدنية القديمة بالإمكان تنظيفها واستخدامها في الزرع لتزيين الحديقة الخارجية، أما باقي القطع فيتم وضعها بشكل لائق ومدروس في مختلف أركان وزوايا المنزل، كالمداخل والمجالس العربية والخيمة العائلية، وبهذا نكون قد وفرنا عناء اختيار ديكور قد يتماشى مع تصميم منزلنا أو لا، كما أنه بالإمكان المزج بين الديكورات العصرية وتلك التراثية، وهذا ما أصبح سائداً بشكل كبير في وقتنا الحالي، خصوصاً في الفنادق والمنتجعات السياحية لما له من دور بالغ في إبراز التراث وخلق جو الأصالة والتذكير بحياة الأجداد في الماضي. وكما سبق، وقد ذكرنا، فعادة ما تكون هذه القطع غير مستخدمة، ولكن أهميتها تكمن في قيمتها التراثية، وأصبح وجودها في ركن خاص بها يعطي مزيداً من الخصوصية والتفرد فصار الركن التراثي في المنزل شخصية مستقلة تربط الأبناء بماضيهم و تذكر الآباء بموروثهم و تعطي الزائر انطباعاً جميلاً عن عاداتنا وتقاليدنا وأصالتنا..وبهذا نكون قد واكبنا الحداثة وحافظنا على الأصالة
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©