الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

كلمات وأشياء

18 نوفمبر 2006 23:37
جنون الأبطال فوجىء حضور المنصة الشرفية على قلتهم، ذات لحظة من زمن مباراة المغرب الودية أمام منتخب الجابون، برجل يكسر رتابة الصمت البارد، عندما انطلق يصرخ وكأنه به مس من الجنون، نطق بكلمات متسارعة، خرجت من فمه ممزوجة بلعاب الغضب، ثم سقط على وجهه وانخرط في حركات متسارعة، ما تصور معه الكثيرون أن الرجل مصاب بداء الصرع· كل من عرفوا الرجل وفهموا نواياه، سارعوا نحوه، وحضنوه، بل منهم من كتم صوته وضغط عليه ليسترد هدوءه وتوازنه·· لم يكن الرجل في كل الحالات مشاهداً عاديا، فالذين عرفوه إما بالاسم وإما بتقاسيم الوجه الذي عبث به الزمن، وإما بالمعاناة التي يتكبدها وبالآلام التي لم يعد يطيقها، أفهموا بعضا من أبناء الجيل الحالي، أن الرجل كان نجما من نجوم كرة القدم المغربية، بل كان صانعا لأحدث أهم إنجازاتها· الرجل هو الغزواني، عرفته الملاعب المغربية في عقدي الستينيات والسبعينيات، نشأ بمدينة الدارالبيضاء، ولعب للاتحاد قبل أن يجتذبه لصفوفه نادي الجيش الملكي ومنه إلى الفريق الوطني· كان الغزواني من العلامات المضيئة لأسود الأطلس عند مشاركتهم لأول مرة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم سنة 1970 بالمكسيك، فمن يذكر بالاسم اللاعب حمان الذي وقع للمغرب أول أهدافه في تاريخ المونديال، وكان بمرمى الحارس الألماني سيب مايير، يذكر أيضا بالاسم وبالإبداع الجناح النفاثة الغزواني، الذي وقع من قذفة صاروخية للمغرب هدف التعادل في مرمى بلغاريا، ليكسب أول نقطة له في تاريخ المونديال· لم يعد أحد يذكر الغزواني، إلا من خلال سيرة المونديال، التي تصبح لازمة كل أربع سنوات مع حلول الحدث الكوني، فقد طوته السنوات، وباعدت الأيام بينه وبين الأضواء، وانخرط في حياة ساحقة، لا يعتر النجم في تفاصيلها على أي شيء يحيله بالذكر الجميل على الأيام الخوالي التي كان فيها يقيم الدنيا ويقعدها· ضاقت السبل والدنيا بالرجل، فلم يجد بداً من أن يقصد اتحاد كرة القدم ليسأل عن مؤخر نفقة على خدمة متقادمة، فقد قيل له إن هناك صندوقا لإسعاف وإغاثة النجوم الدوليين القدامى، يقتات من نسب مقتطعة من عائدات انتقالات اللاعبين المغاربة للخارج· جرب أن ينال حظه منه، فلم يحصل على أي شيء·· جرب أن يلتقي برئيس اتحاد الكرة الذي لعب حارس مرمى لنادي الجيش الملكي الذي لعب له أيضا الغزواني، ولم يسعفه الحظ باللقاء·· وجرب أن يوصل صوته عبر أجهزة الأعلام، ليجهر علنا بمعاناته وآلامه، وحصل على مساحات متقطعة، لم تأت للأسف بأي نتيجة· ففكر الرجل في طريقة معبرة وكاشفة عن ضرر معنوي وشظف معيشي، فلم يجد غير لحظة شاردة من مباراة باردة بين المغرب والجابون، ليقدم وصلة معبرة عن حالة من الهذيان اللاشعوري، الذي ينفس عن كرب وأحزان غير قابلة للكبت· كانت الصورة جارحة ومعبرة، فقد أتى الغزواني بما لم يستطع عشرات بل مئات النجوم والأبطال غيره أن يأتوا بمثله، لقد كشف الغزواني عن ظلم جاء به ذوو قربى، عن عمد أو غير عمد، هذا لا يهم،إذ لا أحد يقبل أن يصبح نجوم وأبطال خدموا رياضة البلد، ورفعوا رايته في الملتقيات القارية والعالمية عرضة للإقصاء والتهميش والضنك الذي يقود أحيانا للصرع وأحيانا أخرى للموت الزؤام·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©