الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

زوجات الشهداء في فلسطين ومعاناة البحث عن لقمة العيش

19 نوفمبر 2006 00:10
غزة- محمد أبو عبده: تضطر السيدة انتصار أبو شرخ إلى الاستيقاظ عند الساعة الخامسة فجر كل يوم، من أجل تلبية شؤون منزلها وأولادها، قبل أن تهم عند السابعة صباحا بفتح (دكان) زوجها الشهيد والذي هو مصدر رزقها الوحيد والمكوث فيه طيلة ساعات النهار· وما بين احتياجات الزبائن وجدل التجار حول الأسعار والكميات والأمور التجارية صعبة المراس، تقضي السيدة انتصار يومها الطويل في دكانها الصغيرة في مخيم الشاطئ للاجئين، غرب مدينة غزة، عين على الزبائن وشؤون الدكان وأخرى على أولادها واحتياجاتهم التي لا تنتهي· تقول انتصار التي تعيل أحد عشر فرداً بعد استشهاد زوجها ''عيد'' برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي منتصف العام ''2001: بعد استشهاد زوجي أتحمل مسؤولية أولادي كاملة، وأمام ندرة المساعدات وتقطع صرف راتب زوجي الشهيد الذي بالكاد يصرف كل 4 شهور، اضطررت إلى فتح الدكان والجلوس مكان زوجي لأعيش مع أولادي''· وأضافت '' أسرتي كبيرة وعلينا مسؤوليات جسيمة وعلي تحلم مشاق العمل والجمع بين متطلبات المنزل وحاجات الأبناء من جهة، وتسيير أعمال دكان من جهة أخرى، وهي مهمة صعبة بالفعل، لكن الله يساعدنا دائما''، وتقول انتصار، إنها لا تستطيع أن تبقى بانتظار مساعدات الجهات الحكومية أو أهل الخير لتوفير الطعام لأبنائها اليتامى، مشيرةً إلى أن هذه الإعانات على قلتها تراجعت كثيراً في العامين الأخيرين وهو ما دفعها لفتح الدكان والعمل بنفسها· وتضيف السيدة ''انتصار أبو شرخ'' قائلة: ''لا أضمن لأولادي لقمة العيش إذا لم أنزل إلى السوق وأفتح الدكان، ورغم كبر سني ومرضي والصعوبة التي ألقاها في التعامل يومياً مع الرجال والتجار، فإنني أتحمل لأن لا بديل أمامي غير ذلك''· وتعاني الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، من أزمة اقتصادية خانقة جراء تواصل الحصار الإسرائيلي وقطع المساعدات الدولية على خلفية فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات التشريعية الثانية· الفقر ظاهرة عامة وحسب تقارير حديثة للجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء فإن 65,8% من الأسر الفلسطينية تعاني من الفقر، بواقع 54,6% في الضفة الغربية و87,7% في قطاع غزة، فيما تعاني ما نسبتها 55,5% من مجموع الأُسَر من الفقر الشديد· ويتوقع الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء أن تبلغ معدلات الفقر في صفوف الأُسَر التي يعمل أربابها في القطاع العام حوالي 75,8% خلال الربع الرابع من العام الحالي، ما يعني انضمام حوالي المليون وربع المليون فلسطيني إلى معسكر الفقراء، وهي مخاطر حذر منها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في تقرير أصدره بداية الشهر الجاري، مشيرا إلى أن الفقر ازداد اتساعا وعمقا في المجتمع الفلسطيني بحيث انخفض متوسط الدخل الشهري للأسر الفلسطينية إلى 355 دولارا منذ نهاية عام 2005 أي أدنى بنحو 30 دولارا من خط الفقر المطلق· ويشير التقرير إلى أن المعدل الإجمالي لفقر الأسر الفلسطينية ارتفع من 61% في الربع الأخير من عام 2004 إلى 66% في نهاية الربع الثاني من عام ·2006 هذه المؤشرات التي ترخي بظلالها الكئيبة على المجتمع الفلسطيني، فاقمت من معاناة الكثير من النسوة اللواتي استشهد أزواجهن خلال انتفاضة الأقصى الحالية، والمستمرة منذ أكثر من خمسة أعوام، كما تقول السيدة ''أنيسة عفانة'' التي ناهزت الأربعين من العمر من منطقة ''تل الزعتر'' شمال قطاع غزة، والتي استشهد زوجها في أكتوبر من العام ،2004 إثر قصف صاروخي جوي استهدفه ومجموعة من الناشطين الفلسطينيين· وتشير السيدة عفانة التي تعيل 11 من الأبناء منهم 5 أولاد و 6 بنات إلى زيادة معاناتها بعد استشهاد زوجها، الذي كان المعيل الأساسي للأسرة كما تقول، حيث لم يخطر على ذهنها قبل استشهاده أن تخرج للعمل، سيما وأنه كان يحرص دائما على توفير جميع متطلبات أسرته الكبيرة العدد بالرغم من الأوضاع الصعبة التي كان يواجهها بسبب الممارسات الإسرائيلية· وتضيف أنها بعد استشهاد زوجها المفاجئ لم تجد بدا من البحث عن عمل، حيث وجدت ضالتها في العمل كمدرسة في إحدى رياض الأطفال الخاصة في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، مما يتيح لها توفير دخل سنوي لا يتجاوز 1200 دولار سنويا، الا أنه يساعد في توفير بعض المتطلبات لأسرتها التي أصبحت بدون عائل· ويشكل التحاق السيدة عفانة وغيرها من زوجات الشهداء ارتفاعا واضحا في نسبة النساء العاملات في المجتمع الفلسطيني أو الباحثات عن العمل، يساهم في ذلك أيضاً الأزمة الاقتصادية الخانقة، مما يساهم في زيادة الضغوط النفسية الكبيرة التي تعاني منها النساء الفلسطينيات، ولا يستطعن التعبير عنها، فغالبا ما يأتي بحث الزوجة عن فرصة عمل على حساب الأطفال والصحة البدنية والنفسية للزوجة نفسها التي تضطر لتوزيع نفسها بين زوجها ومتطلبات أطفالها وأسرتها· تؤكد إحصاءات وزارة العمل الفلسطينية أن مشاركة النساء بسوق العمل سجلت ارتفاعا كبيرا وصل إلى ما نسبته 40% من النساء مقابل 60% من الذكور· ومثل الحصار الإسرائيلي المفروض على الشعب الفلسطيني، بعد نجاح حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' في الانتخابات التشريعية وما تمخض عنه من انقطاع للرواتب عن أكثر من 160 ألف موظف وموظفة يعملون في وزارات ومؤسسات السلطة الفلسطينية، أزمة جديدة تركت آثاراً عميقة داخل المجتمع الفلسطيني، خاصة على صعيد ارتفاع نسبة الفقر· الحصار الدولي والمرأة وتؤكد السيدة عندليب عدوان، رئيسة تحرير مجلة الغيداء ـ مجلة نسوية تصدر في غزة-، إن الحصار الدولي المفروض على الشعب الفلسطيني أثر سلبيا على المرأة بشكل مباشر وغير مباشر·، وتقول في هذا الصدد: إن ''برامج التشغيل وكذلك المعونات المادية التي كانت تقدم عبر الجهات الحكومية وتستفيد منها النساء بشكل كبير توقفت بسبب انعدام الموازنات، وبات مفروضا على المرأة أن تتعايش مع موارد مادية قليلة جدا لا تفي الحاجات والمتطلبات لأساسية لأفراد الأسرة''· وتعترف عندليب بأن عمل النساء من أجل نيل حقوقهن الأساسية في المجتمع تراجع بسبب الأوضاع التي تعيشها الأراضي الفلسطينية، بحيث باتت قضايا كالحد من العنف الممارس ضد النساء من قبل الرجل، أو رفع سن الزواج، أو مشاركتها في صنع القرار، أشياء ثانوية أمام حاجتها الأساسية للقمة عيشها وعيش أطفالها، بل إن عددا كبيرا من المؤسسات الأهلية المتخصصة في الدفاع عن حقوق المرأة حولت برامجها السياسية إلى معونات إغاثة على حساب التركيز على الجوانب الحقوقية للمرأة· ''اليونيسيف'' والبحث عن دور لاشك أن خروج زوجات الشهداء للعمل قد ألقى بظلاله على أوضاع الأطفال الفلسطينيين الذين يشكلون أكثر من نصف المجتمع الفلسطيني، الأمر الذي يفاقم أيضا من معاناتهم الحاضرة في الأساس، ويدرك صندوق الأمم المتحدة للطفولة ''اليونيسيف''، اليوم، خطورة الأوضاع في قطاع غزة على الأطفال أكثر من أي وقت مضى· وقال ''دان رومان''، الممثل الخاص ''لليونيسيف'' في الأراضي الفلسطينية، في بيان له صدر مؤخرا، إن الأطفال في القطاع يعيشون في بيئة من العنف والخوف والقلق إلى حد يفوق العادة، مشيراً إلى أن 1,44 مليون نسمة في قطاع غزة منهم 838,000 طفل وطفلة، يعيشون في ظروف صعبة جداً· وأوضح رومان في بيانه، أنه في ضوء الأزمة الإنسانية القائمة في غزة، تقوم ''اليونيسف'' برفع مستوى دعمها في مجالات الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي والإرشاد النفسي- الاجتماعي، والأنشطة الموجهة للفتيان والفتيات وصغار الأطفال، وفي هذا الإطار فإن ''اليونيسف''، تذكر جميع الأطراف بأن لكل الأطفال حقوقاً يجب أن تحترم، ومنها حقهم في الصحة والمياه والتعليم والحماية، مشيراً إلى أنه من الضروري أن تتم حماية هذه الحقوق بغض النظر عن البيئة التي يعيشون فيها، وأكد أن حماية المدنيين بمن فيهم الأطفال، حسب اتفاقية جنيف الرابعة، تعد أمراً إلزامياً بمقتضى القانون الدولي الإنساني· شهداء وسلطات الاحتلال ووفق مركز المعلومات الصحية في وزارة الصحة الفلسطينية فإن إجمالي عدد الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني في العام السادس للانتفاضة، بلغ 534 شهيداً، فيما بلغ عدد الجرحى 3088 مواطناً فلسطينياً· وبين تقرير صادر عن المركز الصحي في الأول من أكتوبر 2006 -في مناسبة الذكرى السادسة لانطلاقة انتفاضة الأقصى- أن الشعب الفلسطيني قدم خلال ما يقارب الـ ''''72 شهراً الماضية، ما يزيد عن 4,412 شهيداً و48,322 جريحاً· ومن جانبها، ادعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أن ما يحصل لهؤلاء السيدات الأرامل هو وضع طبيعي في ظل ظروف الحرب، محملة الجانب الفلسطيني المسؤولية الكاملة إزاء ما يحدث، وفي هذا قالت ''أميرة أرون'' مديرة الصحافة العربية في الخارجية الإسرائيلية: ''إننا نعيش حربا، وهناك كثيرون من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تضرروا جراء هذه الحرب·· وان هناك ثمنا لكل شيء دائما، إلا أن إسرائيل لا تتحمل المسؤولية عما يحدث لهؤلاء السيدات الذين يحارب أزواجهم إسرائيل، و''من يريد الاستشهاد عليه أن يتحمل النتيجة''· وتضيف ''أرون'' على ذلك بالقول، إن الجانب الإسرائيلي انسحب من قطاع غزة إلا أن الفلسطينيين مازالوا يضربون الصواريخ الفلسطينية المحلية تجاه إسرائيل، ويحاولون تنفيذ عمليات تفجيرية في المعابر، ما يدفع السلطات الإسرائيلية إلى المحافظة على أمن مواطنيها، مما تترتب عليه خسائر· كما شددت على أن اسرائيل لا تتحمل أية مسؤولية إزاء ذلك، وعلى من أسمتهم ''المعتدلين'' في الجانب الفلسطيني أن يرفعوا أصواتهم ويقولوا للمتشددين: '' كفاية·· فنحن نريد أن نعيش في أمن وطمأنينة''·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©