السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجرد سحابة

19 نوفمبر 2006 00:58
سعاد جواد: شبح مخيف يطاردني، لا أدري هل هو جني أم شيطان، أم هو وهم وخيال نسجته نفسي المريضة؟ في كل ليلة يأتيني، يجلس أمامي، يحدثني، ثم يختفي· حاول أن يكسب حبي ورضاي ولكني بقيت أكرهه، وأرفضه كلما عاودني· إنه كابوسي المدمر الذي يحرق سنين عمري وهي في عزها وأوجها، فلا زلت في عز الشباب· أما قلبي فإنه تحول إلى قلب عجوز في السبعين وكل ذلك بسببه· أهلي تعبوا من شكواي، والأطباء احتاروا في أسباب أمراضي المتعددة التي تأتي وتختفي بلا تفسير معقول· صرت زبونة دائمة لعيادة الأمراض النفسية· لا أحد يعرف الحقيقة كما أعرفها، أنا وحدي أعلم من أين جاء هذا الشيطان، وكيف تجرأ عليّ· أعرف كل شيء ولكن كيف أستطيع أن أتخلص منه؟ لم أكن أقدر حتى وجدته، فارس أنقذني من بئر وأوقعني في بئر جديدة فأصبح هو منقذي ومغرقي بنفس الوقت· قصة عجيبة وغريبة تستحق أن تعرف· عندما كنت طفلة في السابعة من عمري كانت لي صديقة مقربة إلى نفسي، نلعب معا، نذاكر دروسنا معا، أذهب إلى بيتها وتجيء إلى بيتي، كنا معا طوال الوقت· في أحد الأيام كنت أذاكر معها في بيتها· أمها لم تكن موجودة، أخذت الصغار والخادمة إلى الجمعية للتسوق، دخل أخو صديقتي علينا بشكل مفاجىء، وهو شاب في السادسة عشر من عمره، نظر إلى أخته نظرة لم أفهم معناها فتركتنا لوحدنا وانصرفت· كنت في حالة ذهول لا أدري ما يحدث، هجم علي بسرعة واغتصبني وأنا أصرخ مستغيثة ولا أحد يسمعني حتى بح صوتي وصرت مثل الخرقة لا أحس بأي عضو من أعضائي· فعل فعلته وخرج من الغرفة مسرعا، عادت صديقتي وكأنها لا تدري عن شيء، ثم صارت تمثل دور المتفاجئة مما حدث، وحاولت أن تواسني ولكني دفعتها عني بقوة، ولملمت نفسي وخرجت من عندهم وأنا محطمة تماما· سكوت وألم لم أستطع أن أخبر أحدا بما حدث لي لأنني كنت خائفة· أعلم أن أسرتي متشددة ولن يتفهموا أبدا بأن ما حدث لي كان مجرد حادثا مؤلما لم أكن السبب في حدوثه· منذ ذلك اليوم وأنا إنسانة أخرى تماما· طفولتي ذبحت وأحاسيسي كلها انقلبت إلى الحزن والألم فأصبحت أعيش وأنا مقتولة· جسدي يتحرك، وقلبي ميت ونفسي كئيبة لا تعرف الفرح والضحك واللهو واللعب· كل شيء أصبح أسودا، اختفت الألوان كلها وصرت أكبر وأشيخ ولا أحد يدري ماذا حل بي· في لحظات الحزن القاتل والضعف والإحساس بالانكسار ولد ذلك الشيطان· في البداية كان يظهر ويختفي، ثم استقوى علي وصار يطيل البقاء معي وهو يعلم جيدا كم أكرهه وكم أخاف منه، ولكنه كان يزداد قوة كلما ازددت خوفا ورعبا حتى تمكن مني تماما، وصار يأتيني بلا خوف كلما شاء· لم أكشف هذا السر أيضا وبت مغتصبة مرتين، مرة من أنسي متوحش ومرة من جني ظالم· تركت دراستي لكثرة شكواي وانعزلت في غرفتي· أجلس وحيدة طوال الوقت لا هدف في حياتي ولا أمل جديد انتظره· أعيش الموت وأنا حية· حاولت أختي التي تكبرني أن تساعدني وتخرجني من وحدتي فعلمتني المحادثة عن طريق الانترنت وقالت لي: تعرفي على الناس، تحدثي معهم، قولي لهم كل ما يجول بخاطرك، إنهم لا يعرفونك وستجدين في مشاركتهم لك شيئا مسليا يخفف عنك الكآبة التي تشعرين بها بلا سبب معقول· سمعت كلامها ودخلت إلى هذا العالم الغريب· صرت أختلط بعقول الناس وأتجول في أفكارهم وفلسفتهم، وجدت أن العالم كبير جدا وأنني لا أشكل إلا نقطة في بحر· الكل لديه هموم ومشاكل، والكل لديه معاناة وأمراض نفسية وجسدية، والحياة تمضي، والأيام تمر ولا أحد يكترث لأحد، الكل على قناعة تامة بأن الصعوبات تنتهي والأيام الحلوة أيضا تمر، والكل يسير إلى النهاية عاجلا أم آجلا· الفارس المنقذ تعرفت عليه، شاب مثقف فاهم لديه أفكار حلوة· تحدثت معه طويلا وقد ارتاحت له نفسي وأحسست بصدقه وبمعاناته، فهو يعاني من الفقر بسبب عمل والده كفراش في إحدى المدارس· كنت أستمع إلى تلك المعاناة باستغراب كبير وأنا غير مصدقة، إنهم يأكلون الرز والعدس لأيام عديدة دون أن يذوقوا طعم اللحم أو السمك أو الدجاج، وهم يلبسون ثيابا قديمة بشكل متواصل لا يفكرون بشراء غيرها إلا في الأعياد· ومن أغرب ما أخبرني به هو أنه يأكل بقايا الطعام التي يتركها الزملاء في كافتيريا الكلية، ويضطر أحيانا للسير على قدميه لساعات لأنه لا يملك ثمن أجرة السيارة، وأنه يبقى في كليته طوال النهار ليتمكن من استخدام الكمبيوتر الموجود فيها لأنه ليس لديه خدمة انترنت في المنزل· أشياء كثيرة وغريبة كان يتحدث عنها· أحيانا كنت أتصور بأنه يكذب وأعود فأصدقه لأنه صادق فعلا وهذه هي الحقيقة التي يعيشها بلا زيف· فماذا تفعل الثلاثة آلاف درهم التي تتبقى من الراتب التقاعدي الذي يستلمه أبوه مع عائلة مكونة من زوجتين وخمسة عشر فردا من إخوته وأخواته· حتى الإخوة الذين كبروا وحصلوا على عمل لم يستطيعوا حل الأزمة· فكل واحد منهم اشترى لنفسه سيارة ثم تزوج وانصرف بحياته بعيدا عن اسرته· تقاربت افكارنا وفتحت له قلبي وحدثته عن مأساتي فوجدته متفهما ومتعاطفا معي، أخبرني بأن ما حدث لي هو مجرد حادث مقدر ومكتوب، فكثيرا ما يتعرض الإنسان لحوادث يفقد فيها أحد أعضاء جسده، لذا يتوجب علي أن أحمد ربي لأنني فقدت شيئا مختفيا لا يشكل عائقا كبيرا في حياتي· سعدت كثيرا لرجاحة عقله وطريقة تفكيره الناضجة، ثم تجرأت واخبرته عن مشكلتي الأخرى وهي وجود ذلك المخلوق الغريب وتأثيره السيء على حياتي· أيضا تفهم وضعي وأخبرني بأن ذلك المخلوق هو شيطان كافر استغل ضعفي وخوفي· بدأ بمساعدتي على التخلص من ذلك الشيطان عن طريق التقرب إلى الله والصلاة وقراءة القرآن الكريم ووضع أشرطة القرآن طوال الوقت وسماعها بشكل مستمر في غرفتي، فالشيطان لا يدخل المكان الذي يقرأ فيه القرآن، وبالفعل فقد تخلصت منه ولم يعد يأتيني أبدا· الوقوف المتعادل بعد أن خلصني من مشكلتي طلب مني مساعدته في حل مشاكله، وما هي تلك المشاكل؟ المشكله الأولى هي أنه قام ببعض العلاقات مع فتيات أكبر منه وهن يعملن ولديهن رواتب، كان يوهمهن بالحب من أجل الحصول على بعض المساعدات المادية· وقد أظهر ندمه الشديد على هذا السلوك وهو يريد التخلص من تلك العلاقات والتي صار يحس وكأنها قيد معلق في رقبته· صدقته ووقفت إلى جانبه أهيئ له الخطط ليتخلص من تلك الارتباطات بأقل الخسائر النفسية التي قد يتسبب فيها لهن· بعد أن انتهت مشكلته الأولى فاتحني بمشكلته الثانية وهي حاجته لمبلغ شهري بسيط يساعده لحين إتمام دراسته، فهو في سنته الأخيرة ويحتاج إلى المال حتى يتخرج ويجد لنفسه عملا· لم يكن الأمر سهلاً، ليس لأنني لا أملك المال، فالمال متوفر ولله الحمد، ولكن الطريقة التي أوصل له بها ذلك المال كانت صعبة، فوضع عائلتي المتشدد لا يسمح لي بالخروج من المنزل والتحرك بحرية، لذلك فقد أعطيته عنوان بيتنا وصرت أترك له المال في كيس أضعه تحت صخرة عند باب البيت· مرت الأيام والشهور، كان خلالها نعم الصديق والأخ والحبيب، وقد وعدني بأن يكون لي نعم الزوج الذي يحقق لي أسباب الراحة والسعادة وأن يعوضني عن سنين المعاناة والقهر التي عشتها بسبب ما حدث لي· كان صادق الوعد، فبمجرد أن تخرج وعمل بوظيفة طيبة، تقدم لخطبتي بلا تردد· لم يكن من السهل إقناع الأهل بالارتباط بشخص هو أقل من مستوانا الاجتماعي، ولكن أنا بالذات تختلف معي المقاييس، فقد أيقن الأهل بأن زواجي هو شيء من المستحيلات، فقد تقدم لي في الماضي أكثر من شخص ولكن أهل الخاطب وبمجرد رؤيتي يغيرون رأيهم· فهم يجدون بأنني أصبحت بشعة جدا في تلك اللحظة، حتى أن أهلي يستغربون لما يحدث ولا يجدون له تفسيرا· ثم إنهم وجدوا بأن حظي في الزواج شبه معدوم بسبب كآبتي الدائمة وانعزالي وعدم خروجي إلى الأعراس والحفلات الاجتماعية التي تلتقي فيها النساء ويتم فيها اختيار العرائس· كل ذلك جعل أهلي يوافقون على هذا الخاطب وبلا تردد كبير· ثم عقد القران وتوطدت العلاقة بيننا بعد أن شاهدنا بعضنا البعض، فأخبرني بأنني أجمل مما تصور، وأنا وجدته وسيما وجذابا للغاية فأسعدني ذلك أيما سعادة· كان عطوفا معي لأبعد الحدود فكسب قلبي وروحي واندفعت في حبه ونسيت الماضي كله وكأن شيئا لم يكن· حاولت أن أكون في الصورة التي يتمناها لزوجته فالتزمت بصلاتي وصرت أطيعه في جميع أفكاره··· حتى أني تنازلت عن إقامة العرس والتكاليف التي ستترتب عليه، وقد أعنته في شراء شبكتي وقدمت له جزءا كبيرا من المهر الذي طلبه أهلي منه وأنا أعلم بأن إمكانياته لا تساعده على إيفاء ذلك المبلغ· فعلت كل ذلك وأنا في أشد السعادة والرضا· حياة جديدة في عرس بسيط ضم الأهل والمقربين زففت إليه وأنا في أوج تألقي وفرحي، في الليلة الأولى شعرت بلسعة الألم مرتسمة على وجهه، فقلت في نفسي إنها سحابة سوداء لا بد أن تمر وسينساها بالتأكيد· صرت له الزوجة الحنونة المخلصة وتحملت نفقات استئجار وفرش شقتنا التي انتقلنا إليها بعد زواجنا بأشهر قليلة، فلم يكن مناسبا أن أزاحم عائلته في ذلك البيت الصغير فاقترحت عليه أن نترك لهم الغرفة التي نحتلها لنخفف عنهم، وبالطبع فإنني لم أقصر معهم في مساعدتهم ماديا فامتلأ بيتهم بالخير والنعمة· كبرت سحابة التغيير التي خيمت على وجهه منذ ليلتنا الأولى، وصار يهرب مني متحججا بعمله وانشغاله· حاولت أن أستعيده إلي ولكنني كنت أعجز عن ذلك· طلبت منه تفسيرا يبرر هروبه مني فبقي ساكتا ثم قال: لم استطع أن أتقبل وضعك فأعذريني· قلت له: أنت تعلم بأنني لست المسؤولة عما حدث لي، فلا يمكن لإنسان أن يتعذب طوال حياته ويتحمل نتيجة حادثة وقعت له· ألا تتذكر قولك بأنها مجرد حادثة؟ ألم أكن صريحة معك منذ البداية؟ قال: نعم·· كنت مقتنعا ولكن الشيطان يطلق برأسي أفكارا متعبة لا طاقة لي على احتمالها· أعرف أنك نعم الزوجة المخلصة الوفية وأنك كنت ولازلت تقفين إلى جانبي طوال الوقت، ولن أنسى جميلك علي وعلى أهلي، ولكني أتعذب بسببك، فكلما رأيتك تنتابني الأفكار الغريبة فأهرب منك· صدقيني أنا لست مسؤولا عما يحدث، فما يحدث هو شيء غريب لا يمكنني استيعابه· في هذه اللحظة أدركت بأن المسألة هي نوع من التهرب، فالتناقض واضح في كلامه· قلت له: لقد تفهمت وضعك وأنا أقدر لك كل ما تفعله لأجلي وسأتقبل فكرة الانفصال لأنها الحل الوحيد الذي سيريحك كما أعتقد· وكأنه لم يتوقع مثل هذا الموقف الحازم، نظر إلي باستغراب فأكملت حديثي قائلة: ماذا تظنني؟ إنسانة غبية أم جاهلة؟ إنك تحاول أن تستعين بما حدث لي في الماضي وتجعله كنقطة ضعف لأبقى في حياتك كزوجة على الهامش، تخرج وتلهو وتعبث هنا وهناك وكلما جادلتك تجلس أمامي لتذكرني بأنني لم أكن زوجة كاملة لتكون لي الحقوق الكاملة· لن أرضى لنفسي حياة من هذا النوع· لقد علمتني كيف أكون أقوى من ضعفي ومن الشيطان الذي كان يحاصرني فصرت قوية كما أردت، فلا مجال لعودتي إلى الحالة الصعبة التي كنت عليها· لقد أحببتك بكل ذرة من كياني وسأكون مخلصة لك طوال حياتي وأنت تعلم صدقي، فإن كنت تريدني زوجة كاملة فلنستمر معا··· وإن كانت لك أفكار أخرى فليذهب كل منا في طريقه· قال لي: أيتها الذكية··· كنت أختبرك فقط ولن أعيش بدونك·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©