الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الخربة» دراما سورية تترجم روح البساطة القروية والعيش على الفطرة

«الخربة» دراما سورية تترجم روح البساطة القروية والعيش على الفطرة
5 سبتمبر 2011 23:53
حصد المسلسل الكوميدي السوري الجديد «الخربة» نسبة مشاهدة عالية بين السوريين خلال شهر رمضان الفائت، كما أثار اهتمام النقاد والمتابعين، فاعتبره بعضهم منعطفاً مهماً للكوميديا والدراما السورية عموماً، بينما رأى آخرون أنه يؤسس لدراما أكثر التصاقاً بالواقع، وخصوصاً أنه حقق كسب السبق في إشارته إلى ما تعيشه بعض الشوارع العربية هذه الأيام، ولكن دون أن يتورط في تفاصيل مشهد لم تتضح معالمه بعد. ودون أن يغامر في إطلاق الأحكام، ولاسيما أن القراءة الفنية أو الأدبية لحدث ما تحتاج إلى مدة زمنية كافية، لتتمكن من استيعابه وتشكيل موقف نقدي تجاهه. (دمشق) - فاجأ «الخربة» المشاهدين بإشاراته المواربة، ثم حديثه الصريح عما تعيشه بعض البلدان العربية في الوقت الراهن، وهي جرأة تحسب للكاتب الدكتور ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو، بحيث بدا المسلسل وكأنه يتابع ما يجري على أرض الواقع حلقة بعد أخرى، وقد أثمرت هذه المواكبة عن ارتفاع نسبة المشاهدة وأضافت عنصر نجاح جديد للعمل. بطولة جماعية بعض المراقبين توقعوا أن يأتي «الخربة» كنسخة ثالثة عن مسلسل «ضيعة ضايعة»، ولاسيما أن هناك تقاطعات كثيرة بينهما، تبدأ بالكاتب والمخرج وبعض الفنانين، وتشمل فكرة العمل التي تشبه في ملامحها الأولية أجواء «ضيعة ضايعة»، حيث تجري الأحداث في قرية نائية تعيش بين أحضان الطبيعة بعيدة عن الحداثة والتطورات التكنولوجية. إلا أن ما قدمه المسلسل تجاوز هذه التكهنات، فمسلسل «الخربة» قدم حالة درامية أكثر عمقاً وأهمية من «ضيعة ضايعة»، كما اعتمد على البطولة الجماعية، رغم وجود فنانين كبار، كدريد لحام بتاريخه الكوميدي الحافل، والفنان رشيد عساف برصيده الجماهيري المهم، بالإضافة إلى النجوم باسم ياخور ونضال سيجري ومحمد حداقي وأدهم مرشد ورافي وهبة ومهند قطيش وشكران مرتجى وضحى الدبس وغيرهم. أما من حيث البناء الدرامي، فجاء «الخربة» كعمل درامي متصل ومتصاعد بخط انسيابي، يمضي بالشخصيات من البداية إلى النهاية، رغم وحدة الموضوع في كل حلقة. ثلاث ركائز المسلسل قدم حالة كوميدية غاية في الطرافة والإتقان، اعتمدت على روح البساطة القروية والعيش على الفطرة بعيداً عن تعقيدات الحياة المدنية، فالخربة قرية تعيش في أحضان الريف بمحافظة السويداء السورية، هجرها معظم أبنائها، وهي تتكون من عائلتين: آل أبو قعقور وآل أبو مالحة، وهما في خصام دائم، لا يُعرف له سبب، حيث تحاول كل عائلة إثبات تفوقها على العائلة الأخرى بجميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فيتآمرون على بعضهم ويكيدون لبعضهم، ما يولد الكثير من المفارقات الضاحكة. يقوم العمل على ثلاث ركائز رئيسة، أولها الولاء الضيق للعائلة، ويرمز لبقية الولاءات الضيقة، التي تقود إلى نزاعات ليس لها مبرر أو هدف سوى إثبات التفوق على الآخرين. وثانيها صراع القيم بين الريف والمدينة، فالعمل لا ينظر إلى الريف كمجتمع مثالي، ولا إلى المدينة كمصدر للزيف وللشرور، ففي الريف هناك العادات والتقاليد الأصيلة والنبيلة، لكنه ينطوي أيضاً على الكثير من القيم الرثة. وكذلك فإن المدينة ليست مصدر الفساد فقط، وإنما هي مصدر الحداثة والتطور. وعلى هذا الأساس تبرز التناقضات، بين بعض أهالي القرية العائدين من المدينة وأولئك الذين لم يغادروها، وتبدأ التمردات على سلطة العائلة، ويستبدل البعض ولاءاتهم بحسب معتقداتهم وأفكارهم الجديدة. أما الركيزة الثالثة للعمل، فهو الصراع بين الأجيال، فهناك الجيل القديم المتمسك بعادات وتقاليد أكل عليها الدهر وشرب، وشباب جديد يتطلع إلى المستقبل، ويريد أن يعيش عصره، بكل غناه المعرفي والتكنولوجي، ما يفجر التناقضات بين الأجيال ويولد المواقف الساخرة. هذه الأفكار الثلاث اللافتة التي تقوم عليها «الخربة» جعلت قراءة العمل ممكنة في مستويات متعددة، فهناك من شاهده كاقتراح كوميدي طريف، يعتمد على المبالغات والكركترات المضحكة، وهناك من عده عملاً جاداً في ثوب الكوميديا، وقرأ فيه مقولات غاية في الأهمية، وكنتيجة، فإن «الخربة» أثبت مرة أخرى أن بإمكان الكوميديا أن تقدم تشريحاً دقيقاً للمجتمع وتعرض مشكلاته وتناقضاته من خلال رؤية شاملة، وليس فقط من خلال اللوحات القصيرة التي تشير بشكل جزئي إلى قضية هنا وأخرى هناك. كما أثبت أيضاً أن فكرة الإضحاك لمجرد الإضحاك باتت مقولة رثة من الماضي. انتقادات أثارت اللهجة التي تحدث بها المسلسل حفيظة البعض، فهي لهجة أهالي محافظة السويداء، لكنها بدت ثقيلة، وغير متقنة أحياناً من قبل بعض الممثلين، ما أضعف قليلاً من عفوية الكوميديا. ولكن تبقى هذه الملاحظة محدودة الأثر، نظراً لأن معظم المشاهدين لم يميزوا هذه الثغرة. أما الانتقادات الأخرى التي تم توجيهها إلى العمل، فهي زيادة جرعات التنظير السياسي بلا مبرر، والخوض في قضايا أيديولوجية بهدف خلق المفارقات الكوميدية، وهو ما أثقل على المسلسل وتناقض مع براءة القرية وعفوية أهلها الذين يفترض أنهم ما زالوا يعيشون على الفطرة في مكان افتراضي، هو قرية «الخربة». وقد يتفق البعض مع هذا التنظير، باعتبار أن محافظة السويداء لها تاريخ سياسي عريق، وأن العمل يتناول بيئة السويداء، وبالتالي لا بد من عكس هذه الصورة الواقعية. «الخربة» مقصد سياحي يبقى «الخربة» مسلسلاً كوميدياً، وإن كان قد اتخذ من قرية «زكير» وبيئة محافظة السويداء السورية مسرحاً لأحداثه، فإنه لا يعبر بالضرورة عن واقع الحياة في هذه القرية أو المحافظة، فهو مجرد اقتراح كوميدي، لا يزعم أنه يعكس صورة واقعية، ولا حتى كاريكاتورية عن بيئة معينة وأهلها، وإنما عن مجتمع عربي يشترك بالكثير من الهموم والقضايا والمشكلات. وإذا كان لقرية «زكير» في محافظة السويداء نصيب من نجاح «الخربة»، فهي أنها بدأت تتحول إلى مقصد سياحي، بعد الجماهيرية الواسعة التي حققها العمل، وهو ما حصل للقرية التي تم فيها تصوير مسلسل «ضيعة ضايعة»، حيث توافد الزوار إليها بالآلاف، وهي التي كانت «ضيعة ضايعة» حقاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©