السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا ومحاذير التدخل الأميركي

سوريا ومحاذير التدخل الأميركي
1 سبتمبر 2013 21:30
يردد السوريون دائماً أن بلدهم هو قلب العروبة النابض، وذلك بالنظر إلى دوره المهم في تاريخ المنطقة وسياستها بدءاً من عهود الإسلام الأولى في القرن السابع الميلادي وليس انتهاء بالثورة العربية إبان الحرب العالمية الأولى، فضلاً عن مشاركته في الحروب العربية الإسرائيلية. ولكن بعد عامين ونصف العام من الصراع الأهلي المرير بات من الصعب النظر إلى سوريا باعتبارها قلب المنطقة وروحها، فمن بين سلسلة طويلة من الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ضد شعبه كان قصف منطقة الغوطة الشرقية في 21 أغسطس المنصرم بالسلاح الكيماوي هو أبشعها على الإطلاق، ما دفع واشنطن وعدداً من العواصم الدولية إلى التفكير في ضرورة معاقبة الأسد، على غرار معاقبة صدام، لاحتلاله دولة الكويت، وهو ما يعني رداً عسكرياً لردع الأسد. فالنظام يستحق العقاب، كما أنه على قادة إيران وكوريا الشمالية إجراء حسابات دقيقة قبل التفكير في استخدام أسلحة الدمار الشامل. ومع أن هذا التصور ينطلق من أسس أخلاقية سليمة وواضحة، إلا أنه من الواجب على إدارة أوباما وحلفائها أن يدركوا أيضاً أن أي تدخل عسكري في سوريا ينبغي الحذر من أن يؤدي إلى تفككها. فقد مرت لحظة في بداية الأزمة السورية كان يمكن فيها للمرء أن يتصور تدخلاً عسكرياً بنتائج إيجابية، وقد كتبت في يناير 2012 على موقع مجلة «ذي أتلانتيك» الإلكتروني مقالاً طرحت فيه المسوغات الأخلاقية والاستراتيجية للتدخل العسكري، وبنيت مطلبي الداعي للتدخل على التاريخ السياسي لسوريا وسجل عائلة الأسد في الحكم واستعداد النظام لاستخدام العنف لأستنتج أن الأسد سيسلك طريق القتل كحل وحيد للأزمة السورية وللخروج من مشاكله السياسية. وهو أمر يذكرنا بما جرى في عام 1982 عندما كان حافظ الأسد في السلطة، حيث اختار قصف مدينة حماة المتمردة حتى الاستسلام، مخلفاً أكثر من 20 ألف قتيل. وبحلول أواخر 2011 كان بشار أيضاً منخرطاً في سيناريو مشابه عندما باشرت قواته الأمنية قتل المتظاهرين السلميين، وعلى رغم وعود الإصلاح الزائفة كان واضحاً أن الأسد قد تبنى نهج والده واستراتيجيته في إخضاع البلاد وإحكام سيطرته عليها بالقوة. ولكن في ذلك الوقت لم يكن عدد القتلى قد تجاوز خمسة آلاف سقط أغلبهم على يد قوات النظام، وهو رقم يبقى مع ذلك أعلى مما قتل القذافي عشية تدخل قوات حلف شمال الأطلسي، وإذا كان الليبيون استفادوا من حماية الغرب فلماذا لا يحظى السوريون بنفس المعاملة، ولاسيما أن التدخل العسكري بدا حينها هو الحل الوحيد الممكن لوضع حد للأزمة ما دامت في بدايتها ولوقف إراقة الدماء التي انخرط فيها النظام، بدل الجري وراء وهم الحل الدبلوماسي والسياسي. ولو كانت أميركا قد تدخلت وقتها لإسقاط النظام لكانت حققت هدفها طويل المدى المتمثل في عزل إيران، أو على الأقل تعقيد سياستها في خلق الاضطرابات بالشرق الأوسط والتدخل في العالم العربي. ولكن هذا الأمر كان صالحاً في بداية الثورة السورية قبل أن يتجاوز عدد القتلى 100 ألف ويهرب 10 في المئة من سكان سوريا خارج الحدود ويتحولوا إلى لاجئين. وكان أيضاً ممكناً قبل ظهور الأعطاب والجروح النازفة الحالية التي تحيط المشهد السوري وتزيد من تعقيده، ففيما كانت الحرب الأهلية السورية مجرد انتفاضة سلمية ثارت ضد بطش الاستبداد، تحولت اليوم إلى اقتتال عنيف بين الطوائف والعرقيات حول من سيتولى السيطرة على البلاد، بالإضافة إلى دخول البعد الإقليمي على الخط لتصبح سوريا ساحة للصراع بين دول الشرق الأوسط، ناهيك عن دخول تنظيمات متطرفة مرتبطة بـ«القاعدة». وهذا التطور المخيف والمعقد للأزمة السورية ربما هز بعض الشيء مبررات التدخل الأخلاقية والاستراتيجية، حتى لو كان التدخل مجرد عقاب محدود للنظام جراء استخدامه لأسلحة كيماوية وردعه عن تكرار اللجوء إليها في المستقبل. فقد سعت إدارة أوباما إلى تضييق نطاق التحرك الأميركي وعدم الانغماس في الحرب السورية، واضعة في حسبانها المعارضة الداخلية للانخراط الأميركي، ومنسجمة مع أجندة أوباما القائمة أساساً على فك ارتباط الولايات المتحدة بحروب الشرق الأوسط. كما تدرك الإدارة أيضاً أنه مهما بلغت درجة احتقار النظام السوري من قبل شعوب الشرق الأوسط، إلا أن أي استخدام للقوة ضد بلد عربي آخر بأغلبية مسلمة قد يؤجج المشاعر المناهضة لأميركا، هذا بالإضافة إلى عامل آخر أدرجه أوباما في حساباته وهو أن قصف سوريا بالصواريخ البعيدة قد يسرع من تفككها، فالأسد لن يزحزح مواقفه، بل سيتحدى أميركا من خلال الزيادة في العنف لإخضاع البلاد من جهة، ولإثبات أن الضربة الأميركية فشلت في التأثير عليه من جهة أخرى، هذا في الوقت الذي سيزيد فيه مناصرو النظام الإقليميون، سواء إيران أو «حزب الله»، من استثمارهم في نظام الأسد، ليمدوه بالسلاح والمقاتلين، فيما سيتواصل في الجهة المقابلة تدفق المقاتلين المتشددين للانخراط في صفوف المعارضة، ومثل هذا الوضع سيرفع حدة الاحتقان الطائفي والإثني ويعمق الانقسامات السياسية. وبالطبع يمكن للقوة العسكرية الأميركية الهائلة التغلب بسهولة على جيش الأسد الأقل قوة، ولكن في مفارقة يتفرد بها الصراع السوري ستعمل الصواريخ الأميركية على إضعاف قدرات جيش النظام لفائدة بعض المقاتلين المتشددين، وهم نفس العناصر الذين تحاربهم أميركا في أماكن أخرى مثل اليمن عبر الطائرات بدون طيار. والمشكلة أنه خلافاً ليوغوسلافيا التي انقسمت على نفسها في التسعينيات، لا تضم سوريا كيانات مشابهة يمكنها الانفصال، ما يعني أن العنف وانعدام الاستقرار سيظل قائماً في قلب الشرق الأوسط لسنوات قادمة. ستيفن كوك باحث بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©