الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر والسجال حول المساعدات الأميركية

1 سبتمبر 2013 21:33
لابد للعلاقات الأميركية مع مصر أن تشهد تغيراً في منهجية التعامل لو أرادت واشنطن استعادة التأثير الناجع في مجريات الأحداث التي تشهدها القاهرة. ولا تزال الاستراتيجية التي تتبناها أميركا في مصر تركّز على مبدأ «شراء الولاء المصري» عبر المساعدة العسكرية، إلا أن الوقائع الماثلة على الأرض تؤكد أن هذا النهج بات ضعيف التأثير. وبعد نحو شهرين من عزل مرسي، ظهر أوباما على شاشة قناة «CNN» ليؤكد على أنه بصدد إجراء مراجعة كاملة للعلاقة مع مصر عندما قال: «لا يوجد ثمة شك في أنه لم يعد في وسعنا أن نبقي على طريقة التعامل مع مصر مثلما كانت بعد التطورات التي حدثت هناك». وفيما بدا أوباما للعديد من المراقبين أنه كان مغرقاً في تحفظه بشأن الحديث عن الموضوع، فإن ملاحظاته الأخيرة أوحت بأن عقداً كاملاً من العلاقات مع مصر عبر «مساعدات التعاون» بدأ يشهد فشله. وتحتكم الولايات المتحدة إلى قدرة لا تُجارى على معرفة طريقة عمل النظام المصري الجديد، إلا أن هذا الاختراق لا يمكن أن يعبّر بالضرورة عن قدرة على التأثير الفعّال في قرارات الحكومة المصرية المؤقتة. ولطالما كانت حزمة المساعدات الأميركية لمصر البالغة 1.3 مليار دولار تمثل مفتاح الدخول إلى البلد. وعقب اندلاع موجة العنف الأخيرة، عمد أوباما إلى إلغاء المناورات العسكرية الثنائية المشتركة مع مصر والتي كان من المقرر أن تنطلق في شهر سبتمبر الجاري، وجاءت آخر التهديدات من السيناتور «الديموقراطي» باتريك ليهي عندما صرح لموقع «ديلي بيست» الإخباري بأنه «فهم مما يدور في أروقة السياسة أن المساعدات المخصصة للجيش المصري توقفت وفقاً للمقتضيات القانونية». وفي حقيقة الأمر أن هذا التجميد للمساعدات جاء في صورة تأجيل غير محدود الأجل لموعد شحن التجهيزات العسكرية. وبالرغم من كل ذلك، نفت وزارة الخارجية صدور أي تصريح رسمي يشير إلى أن الولايات المتحدة أوقفت مساعدتها العسكرية لمصر. وبدا وكأن هذه الخطوات مجتمعة كانت ترمي إلى الضغط على الجيش المصري، وهي تهدف بالتالي إلى تشجيع الحوار الوطني. ولقد أعاد أوباما في حواره مع قناة «سي. إن. إن» التذكير بأنه «كانت هناك فرصة حقيقية بعد تنحية مرسي يحتاج اقتناصها إلى الكثير من العزيمة والعمل الدبلوماسي، وتمثل محاولة لحثّ الجيش للتحرك باتجاه الحوار الوطني إلا أنهم فوّتوها». ولن تنجح أي من هذه المحاولات، وهناك ما هو أكثر من ذلك، فلقد أعلنت الحكومة السعودية عن دعمها للنظام الراهن في مصر ووعدت بالتعويض عن قيمة المساعدات التي تقطعها الولايات المتحدة عن مصر بنفس قيمتها ومن خزينتها الخاصة. وعمدت السعودية أيضاً إلى تنظيم عملية دعم للنظام المصري بالتزامن مع مساعدات مماثلة من دول خليجية أخرى بلغت قيمتها الإجمالية 12 مليار دولار وصلت بالفعل إلى مصر بعد عزل مرسي عن السلطة مباشرة، وبما أدى إلى تخفيض أثر وقف حزمة المساعدات الأميركية أكثر وأكثر. وتعمل مصر الآن على تعزيز استقلاليتها عن التأثير الأميركي في مجالات أخرى. ففيما كان للولايات المتحدة دور أساسي في إبرام معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1979، والتي أثمرت عن اتفاقية للتعاون الأمني في شبه جزيرة سيناء بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة كانت تُستبعد في معظم الأحيان ترتيبات تطبيقها بسبب بعدها الشاسع عن المنطقة. ثم إن الاستراتيجية المتبعة حالياً في مجال المساعدة العسكرية لم تعد تحظى بشعبيتها في كلا البلدين. فلقد أظهر استبيان للرأي أنجزته مؤسسة «بيو» أن 82 بالمئة من المصريين يرون أن للمساعدات الأميركية تداعياتها السلبية على مصر. وبيّن استبيان آخر أجراه معهد «جالوب» عقب موجة العنف التي اندلعت خلال شهر أغسطس أن 51 بالمئة من الأميركيين يحبذون وقف المساعدات لمصر للتعبير عن الموقف الأميركي الحازم من تلك الأحداث. وقال نبيل فهمي وزير خارجية الحكومة المصرية المؤقتة في حديث أدلى به مؤخراً: «تعود العلاقات الوطيدة بين مصر والولايات المتحدة لزمن طويل. وكثيراً ما كانت تمر بفترات صعود وهبوط في الماضي، ونحن نأمل أن تعود الأمور إلى طبيعتها بأسرع وقت». وينبغي التذكير هنا بأنه بات من الضروري أن ترتقي هذه العلاقة حتى تتوافق مع الأوضاع المتغيرة التي تشهدها مصر. ولم يبقَ أمام الولايات المتحدة إلا خيار بسيط، ففي استطاعتها الآن أن تواصل إرسال المساعدة، وأن تقبل بتقليص تأثيرها في الشؤون الداخلية المصرية من أجل ضمان مصالحها الأمنية بما فيها حرية عبور قناة السويس واستخدام المجال الجوي المصري والتعاون الوثيق مع مصالح الاستخبارات المصرية. والخيار الآخر هو أن توقف الولايات المتحدة المساعدة لمصر لتخاطر بفقد العديد من المزايا الأمنية القائمة الآن. وهو خيار ليس سهلاً إلا أنه يوحي بشيء واحد وهو أن الربط بين المساعدة والتعاون لم يعد مجدياً. وهناك حل ثالث. فطالما أن الولايات المتحدة لم يعد في وسعها إزالة نتائج التوتر الذي حدث بالفعل في مصر، فإن هناك فرصة ضئيلة للتأثير في مستقبل السياسة المصرية من خلال العمل على جعلها أكثر ميلاً للديموقراطية. ويمكن تجميد المساعدة العسكرية لمصر بشكل مؤقت خلال الأشهر السبعة المتبقية حتى نهاية الفترة الانتقالية، وأن تعلن حكومة الولايات المتحدة للقيادة العسكرية المصرية أنها ستعيد إرسال المساعدات في نهاية الفترة الانتقالية إذا عمدت إلى إشراك الحركات الإسلامية التي تنبذ العنف في العملية الديموقراطية والانتخابات. وبشرط أن يضمن الدستور الجديد الحقوق المدنية لكافة المصريين بمن فيهم الأقليات والنساء والمسيحيون. ‎محمد المنشاوي محلل سياسي بمعهد «الشرق الأوسط»- واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©