الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ملاحقة القادة وسجنهم ظاهرة النظام الدولي الجديد

20 نوفمبر 2006 00:49
عرض - حلمي النمنم: تابع الملايين خلال الشهور المنقضية جلسات محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ورأوا لاول مرة رئيسا عربيا في قفص الاتهام يساءل كمتهم والقيود في قدميه· يأتي هذا المشهد وقد ظل منصب الرئيس موضع اجلال وتقدير لمن يشغله لعقود طويلة، وكان ذلك الاجلال في العالم كله، اما في منطقتنا فقد اقترب هذا الاجلال من التقديس، حتى ان هناك قوانين تجرم من ينتقد الحاكم رئيسا أو ملكا وفي مصر اقر دستور 1923 تهمة اسمها العيب في الذات الملكية، وقبل هذا الدستور كانت هناك تهمة العيب في الذات الخديوية وهي التهمة التي حُوكم وادين بها الصحفي أحمد حلمي في اوائل القرن العشرين حين انتقد الخديو عباس حلمي، وحُوكم محمود عزمي وعباس العقاد بتهمة العيب في الذات الملكية عام ،1930 وعندما اعلنت الجمهورية بعد ثورة 1952 ظل هذا القانون قائما وإن تم تعديله ليتناسب مع الجمهورية، وهناك في مصر متهمون حاليا أمام المحاكم بتهمة إهانة الرئيس وفي الأردن هناك تهمة إطالة اللسان في حق الملك· غير ان هذه الصورة تبدلت الآن، وبدأ منصب الرئيس في ظل العولمة يفقد جلاله، وبات الرؤساء معرضين للملاحقة القضائية والجنائية حتى وهم في موقع الرئاسة، ويمكن أن يسجنوا وهم خارج الرئاسة حتى لو كانوا رؤساء في مواقعهم بالانتخاب الديمقراطي الحر، ولعل الذين تحدثوا عن النهاية الحاسمة للنظام القديم لم يكونوا مخطئين تماما، ذلك أن جلال المنصب الرئاسي هو الذي يجري أمام أعيننا قطع رأسه بالمعنى الحرفي للكلمة كما يقول ''اينياسيو رامونيه'' في كتابه ''حروب القرن الواحد والعشرين·· مخاوف واخطار جديدة'' والذي ترجمه الى العربية خليل كلفت· الرئيس الفرنسي جاك شيراك تمت ملاحقته قضائيا لبعض الوقت وهو على مقعد الرئاسة، وأزعجته وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية، بل إن الرؤساء الكبار الذين اجتمعوا في ''جينوا'' بايطاليا من 20 إلى 22 يوليو عام 2001 في قمة البلدان السبعة الغنية -أصبحوا ثمانية بعد ان انضمت اليهم روسيا- واجهتهم أيضا مظاهرات غضب واسعة جدا، ولم تكن تلك المظاهرات موجهة ضدهم بشكل شخصي ولكن ضد العولمة التي يجسدونها، وظهر هؤلاء الرؤساء أمام الرأي العام في بلدانهم باعتبارهم يمثلون الصورة الكريهة أو الوجه القبيح لنادي الاثرياء جدا، بينما الكثير من المواطنين في العالم في مجاعات· لقد جلس هؤلاء الرؤساء على متن سفينة فاخرة في حماية أسوار عسكرية تعزلهم عن المتظاهرين الغاضبين الذين واجهوا الشرطة في حالة حرب، كما لم تتردد الشرطة في قتل شاب محتج في الثالثة والعشرين من العمر هو ''كارلو جيولياني''، وقد وصل الى الرؤساء السبعة نبأ المظاهرات التي تحاصرهم بحوالي 200 ألف محتج ولم يجدوا وسيلة للدفاع عن أنفسهم سوى ترديد أنهم منتخبون ديمقراطيا، وقد نجحت هذه العبارة في التخفيف من حدة اللوم لهم· غير أن المظاهرات اثارت قضية أخرى مهمة ذلك ان كون الرؤساء منتخبين ديمقراطيا لا يبيح لهم امام مواطنيهم ان يتراجعوا عن وعودهم الانتخابية والمصلحة العامة أو ان يخصخصوا ويحرروا الاقتصاد على هواهم، أو ان يقوموا بتلبية رغبات الشركات التي مولت حملاتهم الانتخابية· كان بين الرؤساء السبعة الرئيس الأميريكي ''جورج بوش'' و''بيرلسكوني'' رئيس وزراء ايطاليا السابق يمثلان أوساط رجال الأعمال في بلديهما أكثر من تمثيلهما لمواطنيهما· أوراق اللعبة إن مطاردة الرؤساء والحكام أو المسؤولين المتهمين بجرائم حرب أو ارتكاب جرائم ضد الانسانية، أصبح أمرا ممكنا كما حدث مع الجنرال ''بينوتشيه'' ديكتاتور تشيلي السابق، فقد اعتقل في لندن عام 1998 بناء على شكوى من القاضي الاسباني ''بالتاسار جارتون'' واعيد الى بلاده في مارس عام ،2000 ثم واجه تهما جديدة وتعرض لملاحقات ابتداء من 9 يوليو عام ،2000 ومؤخرا صدر حكم ضده، ومنذ ملاحقة ''بينوتشيه'' تغيرت اوراق اللعبة في حصانة القادة السياسيين وفي أماكن كثيرة من العالم· فقد وجدنا استدعاءات لمسؤولين وحكام سابقين، إذ استدعى قاضي التحقيق في باريس وزير خارجية اميركا الاسبق ''هنري كيسنجر'' بسبب مشاركته المفترضة في الانقلاب ضد الرئيس الاشتراكي في تشيلي ''سالفادور الليندي'' عام ،1973 وهو الانقلاب الذي ادى الى مقتل الليندي وتولي بينوتشيه الحكم! وفي باريس استدعى احد القضاة وزير الدفاع الجزائري الجنرال خالد نزار متهما بارتكاب جرائم حرب في إطار الحرب ضد الإسلاميين المتشددين في الجزائر، كما ان ''ارئيل شارون'' رئيس وزراء إسرائيل السابق مضطر لتجنب دخول بلجيكا حيث رفعت ضده دعوى وقدمت ضده شكاوى بسبب التواطؤ في مذابح صبرا وشاتيلا في بيروت عام ·1982 وفي 3 فبراير عام 2000 كان الرئيس التشادي السابق حسين حبري لاجئا في السنغال وتم وضعه هناك تحت المراقبة وقيد الإقامة الجبرية بتهمة التواطؤ في أعمال تعذيب أثناء توليه الحكم في بلاده· وفي 29 يونيو عام 2001 أحيل الرئيس اليوغسلافي السابق ''سلوبودان ميلوسفيتش'' إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي متهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وكان حلف الأطلنطي قد قصف في 24 مارس عام 1999 يوغوسلافيا السابقة، وهي المرة الأولى التي يهاجم فيها الحلف دولة أوروبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي ايضا المرة الأولى التي تهاجم فيها دول من حلف الأطلنطي دولة أوروبية أخرى ذات سيادة ودون أن يرتكب هذا البلد اي عدوان خارج حدوده، وقد وصف ''خافيير سولانا'' الذي كان أمينا عاما لحلف الأطلنطي آنذاك هذا القصف بأنه ''واجب أخلاقي''، بحجة أن الهدف من الحرب استعادة الاستقلال الذاتي لإقليم كوسوفو، واحترام بلجراد للحريات السياسية والثقافية والدينية لسكان كوسوفو، وبغض النظر عن دوافع هذه الحرب فقد استدعي ''ميلوسفيتش'' إلى المحاكمة وحوكم بالفعل وظهرت صوره وهو في المحكمة والقيود في يديه وهو في طريقه إلى الجلسات· وفي 2003 اقترب هذا الملمح من العالم العربي فقد تم إسقاط نظام صدام حسين وجرت مطاردته حتى أمكن القبض عليه ووضعه قيد الحبس، وجرت محاكمته وهو الذي تم انتخابه بنسبة 100 في المائة قبل إسقاطه بشهور! ليست جرائم الدم وحدها التي تضع بعض المسؤولين الكبار في ملاحقة قانونية وقضائية، لكن هناك أيضا الجرائم المالية أو قضايا الفساد، وقد اخذ هذا الجانب صورة الضرورة الأخلاقية في نظام العولمة وعلى هذا النحو تم في يونيو عام 2001 اعتقال الرئيس الأرجنتيني السابق ''كارلوس منعم'' متهما بالاتجار في السلاح وتقاضي عمولات سرية عن هذا البيع، وقدرت تلك العمولات بعشرات الملايين من الدولارات، وفرضت الإقامة الجبرية عليه، صحيح انه في نهاية المطاف تمت تبرئته، ولكنه مثل كمتهم أمام المحكمة والرأي العام وتناقلت وسائل الأعلام صوره كمتهم· في نوفمبر عام 2000 لجأ إلى اليابان هاربا من العدالة الرئيس ''البيرتو فوجيموري'' رئيس بيرو السابق متهما بالفساد المالي والقتل، صحيح أن العدالة لم تمسك به، غير أنها تمكنت في يونيو 2001 من اعتقال ذراعه اليمنى ورجل النظام القوي ''بلاديميرو مونتيسفوس'' واودع السجن بسبب قضايا فساد مالي وتربح· أما في الفلبين فقد اختلف الأمر قليلا، ففي 20 يناير عام 2001 القي القبض على الرئيس ''استرادا'' وتم اعتقاله متهما بنهب وسرقة 80 مليون يورو من الموارد الاقتصادية لبلده وشعبه الذي يعاني أزمات اقتصادية· وفي اندونيسيا وتحت ضغط الرأي العام والاحتجاجات الشعبية تم طرد الرئيس الاندونيسي ''عبدالواحد'' من موقعه في 23 يوليو عام 2001 بعد اتهامه بالفساد، وصار الرئيس في نظر الأغلبية من شعبه رمز الفساد والسرقة المالية· وفي 28 ديسمبر 2001 تمت محاكمة الرئيس السابق للكونغو ''برازافيل اباسكال ليسوبا'' غيابيا وصدر عليه أقسى حكم يصدر بحق رئيس سابق، وهو الأشغال الشاقة لمدة ثلاثين عاما متهما بالخيانة العظمى، ولا تتعلق تلك الخيانة بمسائل او أسرار عسكرية ولا تسليم البلد للأعداء، بل اختلاس الأموال العامة· والأمثلة كثيرة وتتعلق برؤساء منتخبين ديمقراطيا ونالوا أغلبية وأيضا غير المنتخبين، وكأن العولمة المالية والاقتصادية في العالم ترافقها عولمة للضرورة الأخلاقية أيضا للحد من الفساد المالي وسوء استعمال السلطة، وهذا يفسر السرعة الشديدة لحركة مناهضة العولمة في كل مكان، من سياتل إلى جنيف ودربن وغيرها وتحولت هذه الحركة من احتجاج فولكلوري إلى تمرد جيل بأكمله وحرب اجتماعية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©