الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مكان

20 سبتمبر 2014 00:10
يأتيك الصيف، موسم التفكير في السفر. الصيف هو الزمان وعليك أن تبحث عن المكان، فالسفر يعني البحث عن مكان تتأمل عجائبه وجماله وتسعد قلبك وتريح نفسك بالشعور بالتغيير ولو ليومين لكي تشتاق لمكانك. تتأمل ذلك المكان في حضارته وثقافته، تجدها في المناظر الطبيعية، في المتاحف، الفنادق الأسواق، الشواطئ، المتنزهات، الجبال. . ولكنك قد لا تجدها حقيقة في هذه الأشياء الصامتة، ربما كانت تعني بالنسبة لك شيئاً آخر. قديماً، كان الأهل يسافرون ويعودون من الباطنة أو خصب أو دبا أو رأس الخيمة ورؤوس الجبال بحصيلة من الدواجن والمانجو البلدي والسمن وغيرها من المنتجات التقليدية الرائعة. وكانوا يعودون أيضاً بحصيلة ثقافية عن «حياة الناس» و»إبداعهم» واهتماماتهم. هذه الحصيلة كانوا يحصلون عليها من خلال الاحتكاك بالناس ومعايشتهم، فكان الشعراء يعبرون في قصائدهم عما شاهدوه وعايشوه في سفرهم. وكان الناس يستمعون إلى أخبار وحكايات وقصص حقيقية وغير حقيقية تعبر عن المزاج الشعبي لأهل ذلك المكان. كان السفر للمكان للتأمل حتى في حياة الناس. تسافر الآن، تحاول الاقتراب من هذا الشيء. تريد أن ترحل في المكان وحياة الناس. ورغم أن الوصول إلى أي بقعة على الأرض لم يعد حكراً على الأغنياء، ورغم أنه صار بأسعار أقل ووقت أقصر، فإن التأمل في المكان بمعناه السابق صار مختلفا. أتذكر هذه الزميلة التي شدت الرحال إلى إحدى الدول الأوروبية، في رحلة سياحية ثقافية إنسانية كما تزعم. هذه المرة تقول، لم أسافر إلى مكان قريب، قررت الابتعاد عن الجيران والعرب الغارقين في همومهم. لكن هذه المرة انتابني الشعور بصحة النظرية القائلة بأن الأماكن في مجتمعاتنا البشرية، لم تعد بالفعل هي نفسها التي نشاهدها في الصور الفوتوغرافية، خاصة القديمة البريئة منها، التي تقرأ فيها تفاصيل ثقافة المكان. لم يكن في هذا المكان ناس يمثلون شعباً واحداً ولا لساناً واحداً، وإن حاولوا استعمال لغة عالمية واحدة يتهجونها بصعوبة بالغة، لتبدو كما لو أنها بحاجة إلى صنفرة على طريقة اللغوي الشهير «تشومسكي»، الذي يريد أن يسعفنا بالإسراع في تأسيس قواعد لغوية إنسانية مشتركة. من اللحظة قلت لنفسي، والحديث لها، الأماكن التي تقدمها لك التكنولوجيا المتقدمة، لم تعد الآن كما تبدو في الصور الفوتوغرافية أيام الأبيض والأسود. فالمكان يجمعك بأناس من مناطق مختلفة في العالم لا ينتمون إليه. يجمعهم إعلان بسيط عن طبيعة هادئة، وابتسامة أسرع من الصوت كلما شاهدوا بعضهم في الردهات. يبحثون عن المتاحف والسينما والمهرجانات. وأحيانا يلتقون في جلسات هادئة ممنوع فيها تلويث المكان ببقايا الباربكيو أو لعب الكرة. أماكن، لا شيء يعكر صفوها مثل لحظات التعارف. البرازيليون تعكر مزاجهم الساعات الطويلة، التي يمضونها في القطار للوصول إلى أماكن أعمالهم. الإيطاليون يحنون إلى الرومانسية التي كانوا عليها. البريطانيون يعكر مزاجهم الهنود واليابانيون الذين تفوقوا عليهم في القراءة. وأولئك الذين لاتعرف كيف أصبحت الفلافل من أحلى ما في موروثهم الثقافي! ينطقون الكلمة بشكل كريه، يلفظها أحدهم وعينه مليئة بالخوف من الفلسطينيين، الذين يقصفون مدينته. وأخيراً ينقذك الروائي الياباني «موراكامي» الذي يعلن أحدهم عن نزول روايته الجديدة في المكتبات، وحدهم اليابانيون يعرفون كيف يستحوذون على أي مكان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©