الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التغير المناخي.. وما وراء «باريس»!

28 فبراير 2016 23:08
ظلت ألمانيا دوماً مدافعاً رائداً في مواجهة التغير المناخي. لكن الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات.. والتوقيعات على أي اتفاق عالمي! ولعل فضيحة شركة «فولكسفاجن» الأخيرة هي أحدث حالات النفاق المتعلقة بسياسات المناخ. وقد أدركت دول العالم، التي اجتمعت في باريس، ديسمبر الماضي، الأدلة العلمية التي لقيت قبولاً عاماً على أن التغير المناخي حقيقي. وقبلت أيضاً تحمل بعض المسؤولية من أجل التحرك حيال ذلك. وما يدعو للاحتفال والبهجة، أن 195 دولة، من بينها ألمانيا والولايات المتحدة، وقعت على اتفاق باريس، متعهدة بتحديد أهداف لخفض الانبعاثات وتقليص الكربون والحفاظ على أمِّنا الأرض العجوز من التعرض لكثير من ومضات الحرارة وحدود البرودة القصوى. وتولت الدول الديمقراطية المتقدمة، بدفع من مواطنيها، زمام المسؤولية من أجل التوصل إلى اتفاق شامل لتعويض التلوث الذي حدث في الماضي، ومنع الدول النامية من تكرار آثامها. وحاولت دول مثل كندا وانجلترا وفرنسا إقناع وحمل تلك الدول النامية على الزهد في الطاقة غير النظيفة. وكان ذلك أمراً يصعب ترويجه، بينما تريد الدول النامية الحصول على دورها في تحفيز النمو باستخدام الكربون واللحاق بالدول الغنية التي تحرق البنزين وتتسبب في الاحترار العالمي. ورغم ذلك، إذا ما نظرنا إلى ما وراء حكايات التضحية التي تخطط لها الدول الصناعية، فسنجد قصصاً تبدو أقل نبلاً ومصداقية. ومن الواضح أن فرنسا، على سبيل المثال، متأهبة للاعتماد بدرجة أقل على الوقود الأحفوري، بينما أضحت أكثر اعتماداً على الطاقة النووية في تقدمها، وما يصل إلى 78% من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية تلبيها عبر محطات الطاقة النووية التي لا ينبعث منها أي كربون. وبالطبع ستمثل خططها المستقبلية الرامية للتخلي عن محطات الطاقة النووية، بينما تقلص انبعاثاتها الكربونية، تحدياً كبيراً. وتفاخر ألمانيا بقدرتها على خفض قدر كبير من انبعاثاتها الكربونية وغلق محطات الطاقة النووية، لأنها طورت بدائل كافية من طاقة الرياح والطاقة الشمسية في تقديم طاقة نظيفة ومجانية للجميع. وبلغت الإحصائيات الألمانية ذروتها مؤخراً، عندما لبت أكثر من 50% من احتياجاتها من الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية، ونحو 80% من مصادر الطاقة المتجددة. وفي كل حالة من حالات خفض انبعاثات الكربون بصورة اختيارية، يتوقع أن تسعى الدولة المعنية لتحقيق مصالحها، بينما تعمل في الوقت ذاته على حماية امتيازاتها التنافسية. غير أن ألمانيا ذهبت أبعد من ذلك مؤخراً عبر تأييدها علناً لمكافحة التلوث، بينما سعت في الوقت ذاته إحدى الشركات المهيمنة التي تدعم القوة الاقتصادية الألمانية الهائلة، سراً، إلى تقويض الأهداف البيئية. واكتشفت شركة «فولكسفاجن»، عملاق الصناعة الألمانية، أنه يمكنها الدفاع عن فرض قواعد أشد حسماً على الآخرين، بينما تنجح بطريقتها في الخداع عن طريق التحايل على متطلبات انبعاثات السيارات التي تحددها وكالة حماية البيئة الأميركية. وتوصلت «فولكسفاجن» إلى حل مخادع، يصعب اكتشافه، لمعايير التلوث غير الملائمة. فوضعت برنامجاً إلكترونياً في 11 مليون سيارة تعمل بالبنزين في أنحاء العالم تحفز إصدار انبعاثات نظيفة معدة للمعمل وليس للاستخدام على الطريق. وإلى ذلك، ثمة أدلة على أنه في حالة انبعاثات السيارات، كان الاتحاد الأوروبي يشك، إن لم يكن يدرك بوضوح، فشل اختبارات الانبعاثات الكربونية في السيارات قبل سنوات من فضيحة «فولكسفاجن»، حسب الاختبارات الأوروبية التي أجريت عام 2007. وبعد رفضها التحكم العسكري في بناء وتطوير مشاريع الطاقة، شكلت الحكومات الألمانية المعاصرة روابط قوية بصورة متفردة مع قطاع الصناعة. وركزت السياسات الصناعية الصديقة للشركات والسياسة الخارجية التي تركز على الصادرات على دعم المحطات الكهربائية الاقتصادية التي تعتبر المعجزة الاقتصادية الألمانية في القرن الحادي والعشرين. ويبدو أن تحقيق هذه المعجزة الجديدة المعاصرة تجاوز أية سياسات أو مبادئ أو مفاهيم أو معايير أو أهداف أخرى. وتجاوز الاقتصاد كل المخاوف على الصحة العامة أو البيئة العالمية في الماضي، لذا بينما هنأ قادة دول العالم أنفسهم وصفق لهم المواطنون استحساناً لاتفاق باريس، على العالم ألا يتغاضى عن الأساليب التي يمكن من خلالها انتهاك القواعد. *زميل الجامعة الأوروبية المركزية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©