الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشرحة بغداد.. مرآة العنف في العراق

21 سبتمبر 2014 00:15
قتل رجل في منتصف العمر ليلاً، أثناء توجهه إلى سيارته في العاصمة العراقية بغداد، ولا يبدو أن أحداً يعلم من فعل ذلك أو لماذا. ووضعت جثة الرجل المنتفخة على طاولة تشريح معدنية. بينما كانت أسرته تنتظر في الخارج، وكانت المعلومة الوحيدة المؤكدة عن وفاته في قارورة تمسك بها الطبيبة الشرعية الدكتورة «آيسا»، التي قالت: «رصاصتان في الصدر وواحدة في الرأس». وفي هذه الدولة التي يغمرها الموت، لا يتم إلقاء القبض على غالبية الجناة. ويقتل مسلحو تنظيم «داعش» بلا روية ودون حساب في المدن التي يسيطرون عليها. وفي المناطق الأخرى، تفتقر الشرطة إلى التدريب، وتعاني من الإنهاك الشديد والعجز عن حل القضايا. وفي بعض الأحيان يكون أفرادها أنفسهم هم الجناة! ولكن مشرحة بغداد هي أحد الأماكن القليلة التي يمكن أن تحصل فيها على إجابات. وأوضحت الدكتورة إيمان، أخصائية الأشعة، «إننا نرى الجانب المظلم من المجتمع، وأعتقد أننا نشاهد الحقيقة، وليس فقط ما نتابعه على شاشات التلفزيون أو نقرأه في الصحف». وارتفعت معدلات القتل إلى مستويات كبيرة أثناء القتال السُني الشيعي بين عامي 2006 و2007، ثم تراجعت. وها هي الآن تعاود الصعود، وحسبما أفادت بعثة الأمم المتحدة في العراق، لقي ما لا يقل عن 1. 265 مدنياً حتفهم في أغسطس السابق، مقارنة بـ 716 خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وتعزو الزيادة إلى صعود تنظيم «داعش»، وأيضاً إلى عوامل أخرى. وتشير الحروق والجروح التي تظهر على الجثث التي تم تسليمها مؤخراً إلى عودة الأساليب القديمة للحرب الطائفية. ويحاول عمال المشرحة، الذي يرتدون ثياباً زرقاء ويضعون أقنعة جراحية، تطبيق العلم على ذلك العالم الذي يتسم بالفوضى. ويعرفون أشياء لا يعرفها كثيرون عن مشهد وطبيعة العنف. ويدرك هؤلاء العاملون أن الموت لا يأتي فقط من السيارات المفخخة أو المليشيات المسلحة، ولكن أيضاً من حالة الانهيار، فقد زاد عدد العراقيين الذين يموتون من الصدمات الكهربائية في حوادث المولدات، وهو ما يشير إلى أن الحكومة بعد 11 عاماً على الغزو الأميركي لا تزال غير قادرة على توفير المستوى الأساسي من الكهرباء لمواطنيها. ويعلمون أن حالات الانتحار تشهد ارتفاعاً، خصوصاً بين الشابات اللاتي يتجرعن سم الفئران أو يضرمن النيران في أنفسهن بسبب شعورهن بالاكتئاب واليأس. وبالطبع، لا يمكن للأطباء التعويض عن أقسام الشرطة غير الملائمة أو فساد الدولة، أو فعل الكثير في مواجهة المذابح التي تحدث في مناطق يهيمن عليها تنظيم «داعش». لكن بمقدورهم على الأقل التوصل إلى بعض الاستنتاجات. وتقول «آيسا»، «من الجيد أن نتمكن من اكتشاف السبب الحقيقي للوفاة». وتستوعب ثلاجات المشرحة التسع ما يتراوح بين 70 و80 جثة لكل منها، بدلاً من طاقتها الأساسية التي تقدر بـ 16 جثة، حسبما أفاد الدكتور زيد علي اليوسف، مدير المنشأة، الذي أكد أن وزارة الصحة تعمل على خطة توسعية. وتعتبر المشرحة جزءاً من قسم الطب الشرعي التابع لوزارة الصحة. وتُرسل نتائج التشريح إلى الشرطة، لكن في كثير من الأحيان لا يبدو أن هناك متابعة، حسب «آيسا»، التي أكدت أن العمل في المشرحة يعتبر خطراً، في ظل رغبة كثير من الناس في إخفاء الحقائق. وتقول «إن كثيراً من الأطباء يتفادون زيارة أقاربهم، ولا توضع أسماؤنا على تقارير التشريح». ويشير الأطباء في المشرحة إلى أن عملهم ينطوي على تحديات كبيرة، ويشعرون بأنهم يؤدون خدمة لوطنهم بتقديم جزء ولو ضئيل من الحقيقة في بيئة يصعب فيها ذلك. وتشير الدكتورة «لينا»، البالغة من العمر 36 عاماً، إلى أن الأمر يستحق التضحية، على رغم أنها لم تعد تسطع تناول اللحوم الحمراء. وذكرت «آيسا» قول والدها الذي يعمل قاضياً: «إن الطبيب الشرعي هو الشخص الذي يخبر الحقيقة نيابة عن المتوفى لأنه لا يستطيع أن يتكلم». وفي اليوم العادي، تتلقى المشرحة ثلاثين جثة، وتستغرق عملية التشريح ما يصل إلى ساعتين، ولكن في يوم سابق بدا الصباح هادئاً، ولم تُنقل سوى عشر جثث، لكن سرعان ما كشفت الأنباء عن وقوع انفجارين بسيارتين مفخختين، وذكر الأطباء أن الجثث ستصل إلى المشرحة في المساء على الأرجح. وفي منتصف اليوم نقل طفل في الثانية من عمره. وأخبر جد الطفل الدكتورة «لينا» بينما كانت تدون الملاحظات عبر نافذة صغيرة، بأن الصبي سقط في المنزل، ثم مات في المستشفى. وفي غرفة الفحص القريبة، وضع المختص جثمان الصبي على طاولة معدنية، وكان رأسه لا يزال مغطى برباط الجروح. وبعد أن نشر المختص الجزء العلوي من جمجمة الطفل، لاحظت الطبيبتان لينا وآيسة فجأة وجود تجويف ودليل على حدوث نزف داخلي. وقالت «لينا»، «إنه جرح ناجم عن رصاصة»، وأضافت مستهجنة: «إنهم أخبروني أنه سقط على السلم». ولكن في الدخل لم يجدوا الرصاصة. وبعد أن نظفوا رأس الطفل، أدركوا أن التجويف كان سليما ولم يكن هناك كسور من الحواف، فأشارت «آيسا» إلى أن ربما حدث تدخل جراحي، موضحة أنه في بعض الأحيان يثقب الجراح الهيكل العظمي لتخفيف الورم الناجم عن ارتجاج حاد. وعادت «لينا إلى المكتب، وسألت جد الطفل عبر النافذة، هل خضع الطفل لجراحة؟»، فأجابها أن الطفل نقل إلى غرفة العمليات لكنه لم يعرف ماذا حدث. وتوصل الأطباء إلى أن التجويف ناجم عن تدخل جراحي. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©