الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

معدلات السرطانات في جنوب الجزائر أعلى من شماله بـ 20 مرة

23 نوفمبر 2006 01:03
الجزائر- حسين محمد: الدكتور عبد الكاظم عبودي، عراقي يحمل الجنسية الجزائرية، أستاذ الفيزياء الحيوية بجامعة وهران( 410 كلم غرب الجزائر) منذ ،1984 له دكتوراه دولة في الفيزياء النووية ودكتوراه دولة في الكيمياء الحيوية الإشعاعية، مختص حاليا في دراسة تأثيرات الإشعاعات النووية على المادة الحية التي تعتمد على البحوث الميدانية لتأثير الإشعاع على الخلايا الحية· وفي نفس الوقت يتابع ملفين نووين هامين في العالم العربي وهما ملف اليورانيوم المنضب بالعراق وآثاره على الصحة والسكان، وأيضا ملف التأثيرات اللاحقة للتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية التي جرت بين 1960 و·1966 في هذا الحوار الذي خص به ''الإتحاد'' يكشف د· العبودي أن التجربة النووية الفرنسية الأولى التي جرت في 12 فبراير 1960 بالصحراء الجزائرية كانت إسرائيلية التنفيذ وبغطاء فرنسي، ويؤكد كلامه هذا بالعديد من الأدلة والقرائن، كما يتحدث عن الآثار الصحية المدمرة التي لا تزال البيئة الصحراوية الجزائرية وساكنوها يتعرضون لها إلى حد الساعة جراء التجارب النووية الفرنسية ال17 وآثارها الإشعاعية ومدافنها النووية المجهولة· إليكم تفاصيل الحوار· اكتشاف بالمصادفة بداية د· كاظم متى بدأ اهتمامكم بملف التجارب النووية الفرنسية التي جرت في الصحراء الجزائرية ، ولماذا؟ لقد قادتني المصادفة إلى هذا الاهتمام، ففي سنة 1991 شرعت في البحث عن الآثار المدمرة لليورانيوم المنضب الذي استعمله الجيش الأمريكي في جنوب العراق، ولكني عرفت آنذاك ولأول مرة أن هناك كارثة أخرى في الوطن العربي يتكتم عليها الكثيرون دون مبرر، حيث عرفت أن فرنسا أجرت 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966 وكان ذلك في ملتقى تاريخي عقده''المركز الجزائري للدراسات التاريخية''· ومنذ ذلك الوقت وأنا أشارك في الملتقيات التي ينظمها المركز كل عام بمناسبة التفجير الفرنسي الأول في 13 فبراير 1960 بالصحراء الجزائرية، ولكنني أود التأكيد بالمناسبة أن التفجير كان إسرائيليا وليس فرنسيا· التفجير كان إسرائيليا؟! كيف؟ نعم، التجربة النووية الأولى بحسب قناعاتي واستنتاجاتي كانت إسرائيلية؛ الإسرائيليون نفذوا التجربة ونُسب شرف تنفيذها للفرنسيين الذين لم يجربوا ''قنبلتهم'' الخاصة إلا بعد شهر،ونجحت التجربة،وفجروا ثالثة في نفس العام ثم قنبلة سطحية رابعة قبل أن يتحولوا إلى إجراء التجارب الباطنية· وماهي الأدلة التي تؤكد أن التجربة النووية الأولى كانت إسرائيلية؟ - بالرغم من أن فرنسا كانت دولة نووية من الطراز الأول بحكم أنها كانت رائدة في اكتشاف الإشعاع منذ القرن التاسع عشر، إلا أن تلك الاكتشافات لم تأخذ منحى تجريبيا نوويا عسكريا· وبعدها بنى الفرنسيون مجموعة مهمة من مخابر الإشعاع النووي، لكن المشروع توقف بسبب الاحتلال النازي لفرنسا في يونيو 1940 مما جعل العلماء الفرنسيين يهاجرون إلى كندا، ولم يعودوا سوى بعد سقوط النازية في مايو ،1945 واندفعوا نحو بناء المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، ولكن فرنسا واجهت مشكلة عدم توفر الماء الثقيل الذي لم يكن متوفرا سوى بكمية قليلة جدا لدى أمريكا وروسيا وبريطانيا، لكن كانت هناك تقنية لإنتاجه لم يكن يتقنها سوى النرويجيين فقط ، وهي إنتاج الماء الثقيل بطريقة كيميائية من نظائر الهيدروجين، الدرتونيوم والتروتونيوم حيث يستطيعون الحصول على الماء الثقيل دون حاجة إلى مفاعل نووي أو تفجيرات نووية· كان الإسرائيليون قد أخذوا امتياز إنتاج هذه التقنية، ثم باعوها للفرنسيين، ولكن بعد أن ابتزوهم، واشترطوا عليهم أن تكون التجربة الأولى لهم وأن تبني فرنسا مفاعلا لهم في صحراء النقب· الأمر الثاني، هو أن الإسرائيليين تمكنوا من تخصيب اليورانيوم من الفوسفات المتوفر في البحر الميت، وكانت إسرائيل برفقة جنوب افريقيا وفرموزا ثلاث دول منبوذة في العالم تقوم بتهريب اليورانيوم، وكانت إسرائيل الوسيط الأول لتزويد فرنسا به· كما كانت قد أوفدت في السنوات الاربع الأولى لقيامها عدة بعثات علمية إلى الولايات المتحدة لتدريب علمائها على التقنيات النووية، كما شاركت في مشروع منهاتن ، وقام العالمُ اليهودي الأمريكي ''أولمهايمر'' -الذي يُعدّ أباَ القنبلة النووية الأمريكية- بتدريب نخبة من العلماء الإسرائيليين على التقنيات النووية وحتى تقنيات التفجير· وكان لفرنسا عدة مفاعلات نووية تتحكم فيها، ولكنها كانت تفتقد تقنيات التفجير، وكانت أمريكا تحاصرها بحيث رفضت تمكينها من الماء الثقيل أو تقنيات تفجير القنابل النووية، فقامت إسرائيل بتقديم هذه التقنيات لفرنسا فضلا عن الماء الثقيل واليورانيوم المخصب، وجرب الإسرائيليون تقنيتهم هذه عبر القنبلة النووية الأولى في ''رقان'' جنوب الجزائر· وقد حدثني بعض سكان الصحراء الجزائرية من ''الطوارق'' أن المشرفين على التفجير الأول كانوا يتحدثون لغة أخرى لا علاقة لها بالفرنسية وهي أقرب ما تكون إلى العربية، فكان ذلك دليلا إضافيا على أن القنبلة النووية الأولى في الصحراء كانت إسرائيلية بغطاء فرنسي· منطقة حيوية ردت فرنسا على الانتقادات الدولية لها بعد إجراء تجاربها النووية السطحية، بأن التجارب أُجريت في ''صحراء العطش التي يتفاداها البدو الرحل دوما''· هل هذا صحيح؟ هذا غير صحيح إطلاقا، هذه المناطق كانت دائما محطات وطرق عبور للقوافل وفيها محيط حيوي ونخيل ومراع وتحتوي على أكبر خزان جوفي للمياه وليست ''صحراء العطش'' كما وصفتها فرنسا زورا· من خلال بحوثكم ومعايناتكم الميدانية للأماكن التي أجريت فيها التجارب النووية بالصحراء· ما هي ملاحظاتكم واستنتاجاتكم الأساسية؟ في منطقة ''تمنراست'' تصل المستويات الإشعاعية عند الجبل الذي أجريت تحته التجارب الباطنية ومحيطه حتى مائتي متر وهو مستوى عال جدا، وقد أحيط جبل ''تاوريرت'' كله بالسياج للحؤول دون وصول البدو الرحل إليه· هناك ترى المنصهرات الجيولوجية للصخور التي ذابت بالكامل، واضحة للعيان بالرغم من أن التجارب أجريت على عمق يتراوح بين 300 و700 متر تحت الجبل· كما لاحظت أن هناك تغيرات واضحة تماما على أجيال النباتات بالمنطقة، ولم تعد هي نفسها، الحيوانات تبدو ظاهريا هي نفسها، لكن تغيرات كبيرة وقعت في وظائفها الحيوية· ومن خلال معاينتي لـ60 جملاً كانت ترعى لفترة في موقع التجارب الباطنية، لاحظت أن 10 منها أصيبت بسرطان الدم بينما تضررت الأخرى صحيا· وقد استفدتُ من وجود أبناء المنطقة من ''الطوارق'' بجامعة وهران فأنجزنا ست دراسات عليا في مسح الأمراض الموجودة بـ''رقان'' واستخلصنا نتائج أولية من ملاحظات سريرية وتحليلية لعينات من الناس القريبين من المنطقة، تؤكد تصاعدا مقلقا لعدد السرطانات بالنسبة لعدد السكان مقارنة بمناطق أخرى· سرطانات وتشوهات أليس لديكم أرقام دقيقة؟ نعم، مستوى السرطانات بمنطقة التجارب النووية الفرنسية هي 20 ضعف عدد السرطانات في المناطق الأخرى من الجزائر· أكثرها شيوعا هو سرطان الدم، فضلا عن أمراض أخرى كالحساسية ونقص الخصوبة لدى سكان ''الطوارق''، حيث أصبحت أقل مما كانت عليه، أما التشوهات الخلقية وحالات الإجهاض لدى الإنسان وحيوانات المنطقة فهي موجودة ولكنها لاتسجل ولا توثق خصوصا وأنه لايوجد أي مركز هناك للتوثيق· هل تقتصر الآثار الإشعاعية على السكان القريبين من مناطق إجراء التجارب النووية؟ - الإشعاعات ليس لديها حدود، فبين كل تجربة نووية وأخرى كان يجب الابتعاد عن المنطقة الأولى ـ 100 إلى 150 كلم على الأقل، لضمان سلامة العلماء والباحثين، ومعنى هذا أن هناك 400 إلى 600 كلم مربع لم تعد صالحة للحياة· كما أن التجارب حدثت في فترات عواصف ترابية مما يعني أنها نقلت الإشعاعات إلى مناطق أبعد· üتقول فرنسا أن مناطق التجارب النووية الباطنية الـ13 لا خطر منها، باعتبارها مُحكَمة الإغلاق منذ الستينيات· هل هذا صحيح؟ هذا كلام غير مقبول، حينما تشاهد سطح الجبل الذي أجريت تحته التجارب تراه مذابا، حينما تأخذ جهاز ''غرفة التأيّن'' قرب السياج المحيط بمكان التجارب الباطنية ، أي على بعد 150 مترا منها، ستجد أن المستوى الإشعاعي هو عشرات أضعاف المستوى الطبيعي، وكلما سرت بأمتار نحو الجبل، ازداد صفير الجهاز وسجلت نسبة إشعاعات أعلى· وهناك تجربة أرادها الفرنسيون باطنية لكنها خرجت إلى السطح وخرجت الكتلة الإشعاعية التفجيرية من النفق، من عمق 720 متراً إلى 160 كلم إلى درجة أن وزير الدفاع الفرنسي الذي حضر التجربة كان يرصد عن بعد الهزة الارتدادية الناتجة عن التفجير، حدثت على بعد 650 كلم! لنتحدث الآن عن المدافن النووية بالمنطقة· هل من أخطار صحية وبيئية تُسبّبها وخاصة تأثيرها في المياه الجوفية؟ التخلص من النفايات النووية يكلف مليارات الدولارات، ويجب دفنها وكذا معدات التفجيرات في أماكن معلومة وآمنة وعميقة وبعيدا عن المياه الجوفية والسكان· وحسب معلوماتي لم تترك فرنسا للجزائر أية خرائط لمدافن النفايات النووية، وهي تكذب حينما تقول إنها دفنتها داخل الجبال بدليل أن هناك تقريرا لوكالة الأنباء الجزائرية في 1990 تحدث عن كشف الزوابع لحاويات بها نفايات نووية بتمنراست قرب الجبال التي وقعت تحتها التفجيرات· التعويضات المناسبة وهل هناك دور يمكن أن تقوم به فرنسا الآن لإزالة التلوث الإشعاعي ؟ أبدا، أمريكا كانت تصرف 12 مليار دولار سنويا في مثل هذه العمليات· وبعد 10 سنوات، اكتشفت أن عمليات التطهير لا تأثير لها في المحيط· ولكن يمكن الحد من تأثير الإشعاعات على الناس من خلال إجراء عمليات مسح علمي تكنولوجي دقيق ومستمر لتحديد حدود المناطق المشبعة بالإشعاعات ومنع الناس من الاقتراب منها، والتقليل من فترة التعرض لها· وأود التذكير أن عمر الإشعاعات هو 4,5 مليار سنة ولا تنفع معها عمليات التطهير، وما يمكن لفرنسا عمله لمحاصرة الآثار المدمرة لإشعاعاتها على الأجيال الحالية والمستقبلية هو أن تسلم الجزائر خريطة مفصلة بأماكن التجارب ومدافن النفايات النووية وأن تمد يد العون لها لتسجيل المستويات الإشعاعية وقياسها باستمرار وأن تساهم ببناء مستشفى لمعالجة ضحايا إشعاعاتها· وإذا كانت فرنسا قد بنت مجدها النووي على حساب الجزائر،فإنها مطالبة بالإسهام معها في تدريب طواقم متكاملة من الخبراء والفنيين ليسهموا أولا في الحماية من الأضرار ومعالجة الأخطار، وهذا نوع من التعويض لها· ويمكن لفرنسا أن تسهم ببناء محطات كهرو حرارية لإنتاج الطاقة الكهربائي من المفاعلات النووية، ومحطات تحلية المياه بالطاقة النووية· لا نريد تعويضات نقدية بل نريد تقاسم ثمار التطبيقات السلمية للطاقة الذرية بعد أن تحملنا وحدنا ولازلنا نتحمل أوزار الجريمة النووية الفرنسية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©