الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثراء.. بلا إدانة

الثراء.. بلا إدانة
7 سبتمبر 2011 23:54
رواية «ما وراء الأبواب» تبتعد عن الهجوم والنبرة العالية هذه رواية جديدة في موضوعها وفي التناول الذي تقدمه، ويمكن القول إنها فريدة بين الإنتاج الروائي الضخم في مصر، عبر العقود الأخيرة. السائد في الإنتاج الروائي أن تنظر الروايات بريبة الى الأثرياء وأصحاب الثروات الضخمة، وتفتش في أصول ومصادر تلك الثروات، وهي غالبا تتكون عبر الفساد أو استغلال النفوذ، فضلا عن أن هذه الثروات تتحول الى مصدر للظلم الاجتماعي والاحتقان الطبقي والسياسي، ويمكن القول ان لدينا موجات من الابداع الروائي تسير في هذا الفلك، لكن الرواية التي بين أيدينا “ما وراء الأبواب” للمؤلف هشام الخشن تسير في اتجاه مغاير تماما، وتتناول أسرة بالغة الثراء، شركاتها بين مصر والولايات المتحدة والواضح من سياق الرواية أن هذه الأسرة من أصول غنية، بمعيار الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولا تتوقف الرواية عند مصدر الثراء، لكن الواضح أنه جاء نتيجة جيل من الأسرة تلقى تعليما جامعيا متميزا وامتلك أفراده المغامرة والجد والاجتهاد، حتى صارت لديهم ثروة ضخمة، ويسكنون قصورا في القطامية، حديقة أحد هذه القصور أو الفيلات أعدها مهندسون اميركيون في الحدائق. بعيدا عن الجدل وتبتعد الرواية تماما عن الجدل أو اللغط السياسي حول تكوين الثروات في مصر، لا دفاعا ولا حتى هجوما، ولكن هناك إشارة الى عام 1979 حين يسافر “يوسف” أحد أفراد الاسرة الى الولايات المتحدة ليتولى مكتب الشركة هناك، حيث كان قد تزوج قبل سنوات سيدة اميركية هي “مارجو” التي اعتنقت الاسلام وصارت تحمل اسم “فاطمة”، عام 1979 وما سبقه من سنوات هي فترة الانفتاح الاقتصادي الذي كان الرئيس السادات بدأه بمصر في عام 1975 بعد حرب اكتوبر، وتكونت على إثره فئة من الاقتصاديين والرأسماليين المصريين. وهناك عام آخر يرد ذكره هو 2010، والذي تدور أحداث روايتنا خلاله. تعاملت الرواية مع أفراد هذه الأسرة في حياتهم العائلية والخاصة، كيف يمارسون هذه الحياة، ويستمتعون بها، والروائي لا يريد أن يدين أحدا بالمرة ولا أن يوجه اليه ـ حتى ـ انتقادا، وهو يستعرض نمط هذه الحياة، وبالتأكيد لديهم أخطاء ونزوات، يمكن أن تكون كوارث اخلاقية وإنسانية في نظر البعض، ويقدمها كنقاط ضعف انساني، في إطار المقبول والمفهوم. سوف نجد الزواج المختلط المصري بالاميركية. هو مسلم وهي مسيحية تعتنق الاسلام وقد تزوجته لأنها أحبته، وتحمل وثيقة إشهار الاسلام باسم “فاطمة” من الأزهر، ومع ذلك تظل تتردد على الكنيسة في الولايات المتحدة أو في مصر الجديدة بالقاهرة، وزوجها يعلم، ولكن حين تصاب بالسرطان وتدخل المستشفى لتعالج، وهي تعلم ـ طبيا ـ أنها في الطريق إلى الموت تسجل نفسها في المستشفى باسم “فاطمة” حتى لا تدفن بعيدا عن مقابر زوجها. وبعد وفاتها تذهب ابنتها فريدة الى كنيسة مصر الجديدة لتصل من أجلها، رغم أن الابنة مسلمة ومعتزة بدينها، لكنها تفعل ذلك لأنه رغبة والدتها، حتى ابنتها فريدة تحب شابا اميركيا يهوديا هو ديفيد، ويصبح هذا الحب مشكلة لها، لأنها برغم علاقتها به، تريد ان يكون زوجها مسلما ولا تحب أن ترغمه على ذلك، فيأتي “ديفيد” الى القاهرة ويشهر اسلامه ليتزوجها، وتقلق جدتها من ذلك الزواج، الجدة لا تفرق بين اليهودي والاسرائيلي “لا تنسى أن هناك حروبا بيننا وبينهم”، لكنها توافق لأن حفيدتها تحبه ولن تتزوج غيره، وقد جاوزت الثلاثين من العمر. في داخل هذه الاسرة تنقلب “مها” من الفتاة المتحررة تماما لتصبح “منقبة” بعد حادث تعرضت له هي وخطيبها “تامر” الذي يصبح متدينا وأقرب الى السلفيين، وبعد الزواج يدور بينهما حوار حول تعدد الزوجات وترفض هي ذلك ويراه هو حلا لمشكلة العنوسة في المجتمع، وانانية من الزوجة، أن ترفض ذلك. على هذا المستوى تمضي العلاقات والأحداث داخل الرواية، علاقات عاطفية تتحول الى مصالح مادية مباشرة أحيانا، إعجاب بالمجتمع الاميركي الذي يعطي فرصا أكثر، ولا ينفي التعصب والعنصرية فيه، من خلال شاب اميركي يحاول انتزاع “هيلاري” من حبيبها “حازم” أحد أفراد الأسرة لأنه “ملون” ويعتدي عليه بالضرب حتى يصيبه بالشلل. نعومة بالغة ويتزوج مجدي وفهمي كل منهما زواجا سريا “عرفيا” من غير زوجته وعند لحظة معينة ينتهي هذا الزواج مقابل شيك بمليون دولار وفيلا لكل زوجة سرية وينتهي الأمر عند هذا الحد. ويصبح النقاش ايهما افضل ان يرتكب الرجل جريمة “الزنا” أم يتزوج عرفيا ولا يخبر أحدا، فضلا عن انه لم يغضب الله سبحانه وتعالى. النقاش في مثل هذه المواقف لا يهدف الى تقديم منتصر أو منهزم، فهو نقاش داخل الأسرة وبين أفرادها، لكن يكشف جوانب من التفكير وأساليب التعامل مع المشكلات والهموم الانسانية. اللافت هو النعومة البالغة في تناول القضايا والأزمات ولن نجد حدة في الأسلوب ولا في الشخصيات، حتى وهم يواجهون أعقد المشكلات والقضايا. يمتلك الروائي في هذا العمل لغة بسيطة للغاية، ولديه قدرة على أن يقدم أعقد المواقف للقارئ بسلاسة بالغة، وقد أطلق على روايته “أسرار عائلة مصرية”. وقال في المقدمة أنه توقف طويلا عند العنوان. تستحق هذه الرواية القراءة، وهي تبشر بروائي واعد موهوب، يمكن أن يقدم الكثير للرواية وقد طرق جانبا من الحياة تجنبه زملاؤه من الروائيين، وهو جانب وعالم مجهول وخصب في الوقت نفسه. قدم هذه الرواية الناقد د. جلال أمين وقال في تقديمه “ننا نحتاج الى هذا النوع” من الكتابة مثلما نحتاج الى النوع الآخر السائد في مصر الآن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©