الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«كتاب» يقاوم الزمن

«كتاب» يقاوم الزمن
7 سبتمبر 2011 23:57
ثلاثون خطاطاً عالمياً التقوا في دبي لتدوين نسخة من القرآن الكريم على مدى قرون، جسد نسخ القرآن الكريم، بالخط اليدوي وبالأدوات التقليدية، حلم كثير من الخطاطين، فراحوا يتفننون في نسخه بصور مختلفة، على شكل لوحات وأعمال فنية تستحضر آيات من هذا الكتاب المقدس، أو في صورة مشاركة جماعية لإنجاز نسخة منه، وأفاد الخطاطون من تجارب بعضهم البعض وتداخلت التجارب من الخط العربي في إيران مع تجارب الخطاطين الأتراك والهنود والباكستانيين، فاغتنت التجربة بمدارس وتيارات رفيعة المستوى. ولفن الخط العربي عموماً، وتخطيط القرآن والمأثور الإسلامي خصوصاً، حضور بارز في دولة الإمارات، عبر المعارض والملتقيات والندوات التي جعلت فناني الخط العربي (ذكورا وإناثا، وربما كانت الإناث أكثر من الذكور) يتزايدون خلال السنوات العشر الأخيرة تحديداً، وما زالت تتزايد. وقد وجد هذا التزايد اهتماماً من المؤسسات الثقافية في إمارات الدولة، وكان لوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع دورها في دعم هذا الفن والمشتغلين به. في هذا الإطار، وللعام الثالث على التوالي، وفي دورة جديدة من “ملتقى رمضان لخط القرآن الكريم”، شارك ثلاثون من فناني الخط العربي القادمين من أرجاء العالم، (بينهم ثلاث خَطّاطات للمرة الأولى، تركيتان وإسبانية)، في إنجاز نسخة ثالثة من الكتاب الكريم، خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان المنصرم، هذا “الملتقى” الذي نظمته وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، بمشاركة ثلاثين خطاطاً من ثلاث عشرة دولة عربية وإسلامية وأجنبية، أنجزوا خلالها نسخة كاملة من القرآن الكريم، بواقع جزء لكل خطاط. وقد رافقت الملتقى إقامة معرض لمجموعة من الأعمال التي أنتجها الخطاطون الذين شاركوا في الملتقى في دورتيه السابقتين. حضور عراقي وسوري اللافت في الملتقى على الصعيد العددي للحضور، هو الغلبة للفنانين العراقيين، حيث يشارك تسعة من العراقيين، من بينهم اثنان يشاركان تحت مسمى جنسية أجنبية، هما الخطاط صباح الأربيلي (كردي الأصل بريطاني الجنسية قطري الإقامة)، والخطاط بزار كريم الأربيلي إضافة إلى سبعة من الفنانين الآخرين. أما الحضور الثاني الأبرز عددياً في الملتقى، فهو للخطاطين السوريين، إذ يشارك سبعة منهم من أهم تجارب الخط العربي المعروفين. وتأتي تركيا في المرتبة الثالثة من حيث عدد المشاركين، حيث نجد هنا خمسة من الفنانين، بينهم فنانتان. ثم تحضر المشاركة الأردنية عبر اثنين من الفنانين، وتشارك بقية الدول من خلال فنان واحد وهي: الإمارات، فلسطين، بنجلاديش، السعودية، الجزائر، إيران، والفنانة الإسبانية. هذا التعدد والتنوع يتيحان قراءة أولية في هذا الملتقى، خصوصا على مستوى مراكز تطور هذا الفن وأبرزها، ومحاولة تفسير هذا الحضور العراقي الأكبر في هذا “الملتقى”، وهو ما يعيدنا إلى نظرة تلخص تاريخ الخط في العراق، فيقول أحد الباحثين “كان الخط العربي في العراق خلال العصر العباسي قد شع ضياؤه واتسعت آفاقه بما أبدعه ابن مقلة وبما ابتكره ابن البواب وياقوت، بعد ذالك توالت على العراق مصائب وويلات (من غزو التتار حتى الاستعمار الأجنبي بعد الحرب العالمية الثانية) وخفت ضياء الفنون وخاصة الخط العربي، وعلى الرغم من ذالك فقد استطاع العراق من جديد في العصر الحديث أن يتبنى فن هذه الأمة مرة أخرى، وأن يكون حضوره على الصعيد القطري والعربي والعالمي جلياً وواضحاً لتأكيد أصالة هذا الفن وعراقته”. التنوع في الوحدة هذا مثال على مدرسة فنية وثقافية في الخط العربي، وهناك كما يلاحظ المتابع مدرسة سورية وأخرى عثمانية ومغربية (مغاربية)، تلتقي كلها عند ثوابت معينة، وهو ما سعى “الملتقى” لتحقيقه في توحيد الأداء لإنجاز هذه النسخة من القرآن، ولكن ضمن تنوع المدارس المشاركة في الملتقى والتي يمثل كل منها اتجاهاً فنياً في الخط له جمالياته وإبداعه. وكان الخط المستخدم هو الخط الموحد للجميع والمتمثل في خط القرآن الكريم، أي خط النسخ، واستخدمت فيه الأدوات التقليدية للخط من أحبار وقصب بطريقة الرسم العثماني المطابق للطريقة المعتمدة في طبعة المدينة المنورة لطباعة القرآن الكريم. وتم إنجاز نسخة قادرة ـ حسب منظمي الملتقى ـ على مقاومة الزمن وتأثيراته لمئات السنين. المشاركة التركية تطرح سؤال تجربة الخط في هذا البلد منذ قرون، سواء على صعيد تجارب الخطاطين الأتراك المشاركين، أو على مستوى دور المدرسة التركية في تطوير فن الخط العربي وانتشاره في العالم، بل تجد كثرة من الخطاطين العرب، ومن بينهم تجارب إماراتية معروفة، درسوا على الخطاطين الأتراك. هذا فضلا عن خطاطين من العالم، كما هو حال بعض الخطاطين الأجانب الذي يعلن أنه تعلم هذا الخط في أحد معاهد الخطوط العربية في تركيا بعدما جذبه جمال الخط العربي بالرغم من أنه لا يجيد التكلم باللغة العربية إلا أنه استمر في مواصلة رحلة تعليم الخط العربي على مدار سنوات، حتى أصبح من الخطاطين المتميزين. وهو ما أشارت إليه الإسبانية جراسيا التي ذكرت “أنها درست الخط العربي في تركيا وحصلت على إجازة في الخط العربي من الخطاط التركي حسن شلبي في 2007 ومنذ ذلك الحين وهي تنتج أعمالها الخطية التي تركز على آيات من كتاب الله فضلا عن الحكم العربية، لأنها ببساطة من عشاق الخط العربي لافتة إلى أنها مازال أمامها الكثير لتقدمه في عالم الخط العربي”. سيدات الخط والجمهور ظاهرة جديدة لافتة تتمثل في الإقبال الجماهيري الكبير، من كافة الجنسيات العربية والأجنبية، في الملتقى، والتواصل بين الفنانين والزوار حوارا وتفاعلا. وحظيت السيدات الثلاث المشاركات في الملتقى بالاهتمام الأكبر سواء من جانب وسائل الإعلام أو الجمهور. وتحدثت الخطاطة نالان قوتسال من تركيا فقالت إن الملتقى احتفاء حقيقي بالخط العربي والقرآن الكريم، ويتميز بالتنظيم الرائع من جانب وزارة الثقافة، معبرة عن سعادتها بالمشاركة بالملتقى ولقاء نخبة من أبرع الخطاطين في العالم لأنهم أسماء لامعة في هذا الفن. وأوضحت أنه بحكم اطلاعها على تجارب عالمية مختلفة في كتابة الخط العربي من خلال العديد من الملتقيات، إلا أنها ترى أن دولة الإمارات تبدي اهتماماً بالغاً بهذا الفن. وأشارت إلى أنها بدأت فعلياً في كتابة مصحف كامل ووصلت فيه إلى الجزء الثامن كمبادرة شخصية منها تعبيرا عن اعتزازها بكتاب الله، لافتة إلى أنها تتلمذت على يد الخطاط التركي المعروف حسن شلبي منذ 12 عاماًَ، وهي الآن تميزت في هذا المجال وتفرغت للخط العربي بشكل كامل مودعة عملها في مجال تدريس اللغة التركية وآدابها. وأخيرا، فإن لجنة التحكيم في الملتقى، التي ضمت كلا من محمد أوزجاي من تركيا، وعبد الرضا بهيه داوود الفرجاوي من العراق، وعبيدة محمد صالح البنكي من سوريا، والتي تركز عملها على ضبط إيقاع الأعمال التي يقدمها الخطاطون لضمان الجودة والتناغم والالتزام بالقواعد العامة لخط النسخ الذي اعتمدته إدارة الملتقى ليخط به كتاب الله، قد وقع اختيارها على ثلاثة خطاطين ليفوزوا بجائزة الملتقى، وهم: إمحمد صفاء باتي من الجزائر، والعراقي المقيم بالمانيا نزار الحاج كريم الأربيلي، ومحمد جمعة حماحر من سوريا. ولاحظت اللجنة وجود جهود متميزة لبعض المشاركين، مشيدة بالخطاط هادي الدراجي من العراق، والخطاطة نوريا جارسيا من إسبانيا. وأثنت اللجنة على مبادرة الخطاط صلاح الأربيلي لاكتفائه بالمشاركة وعدم الدخول في المنافسة طواعية حرصا منه على إفساح المجال للآخرين. وعن مصير النسخ الثلاث من كتاب الله التي تم إنجازها خلال دورات الملتقى الثلاث أكد الهاشمي أن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع تعمل على أن تكون هذه النسخ متاحة للجمهور خلال الدورة القادمة، مع الحفاظ عليها كتراث مهم للأجيال القادمة. المعرض الذي أقيم على هامش الملتقى هذا العام يضم مجموعة من الأعمال المتميزة للخطاطين المكرمين خلال الدورتين السابقتين، حيث اختارتهم الوزارة لكتابة سورة الفاتحة وبداية سورة البقرة، ودعاء خاتمة القرآن الكريم، وتم إرسالها بمعرفة وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع لأفضل فناني الزخرفة على مستوى العالم الإسلامي لتوضع في معرض خاص بالملتقى للتعريف بعبقرية الخط والزخرفة العربية وتكريماً للفنانين القائمين على إنجاز هذه الأعمال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©