الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الجنوبيون»... موسم النزوح من شمال السودان

3 يناير 2011 00:11
يحملون معهم كل ما يملكون من أحيائهم الفقيرة في الصحراء ويكدسونه قرب شاحنات كبيرة. يحزمون أمتعتهم للعودة إلى جنوب السودان، ومنهم من لم يسبق لهم أبداً أن ذهبوا إلى هناك. الأولاد يحملون إطارات الأسرَّة؛ والنساء يحزمن البطانيات. أشياء تافهة من ثروة رجل فقير: تلفاز، مروحة تلمع وسط الجو المغبر. ولكن معظم العائلات تملك أقل من ذلك بكثير: أكياس حبوب، وأوانٍ قصديرية، وذكريات حافظت على مكان مفقود حياً في الذاكرة. ويقول "فرانسيس جاكسون"، وهو رجل نحيف يحمل ملفاً يحوي أسماء الأشخاص الذين يستعدون للرحيل: "لقد وُلد أطفالنا في شمال السودان ولكن قلوبهم جنوبية"، مضيفاً "إن الجنوب أفضل بكثير، لأنه لا توجد حرية هنا". ويُعد "الجنوبيون" الـ 1.5 مليون الذين يعيشون في الشمال تركة عقود من الحرب الأهلية التي وضعت أوزارها في 2005 مع توقيع اتفاق سلام وعد الجنوب باستفتاء حول الاستقلال. وتعيش في الجنوب الذي يتمتع بشبـه حكم ذاتي أغلبية من المسيحيين والوثنيين، هذا بينما يُعد الشمال المسلم قاعدة الحكومة الوطنية التي يقودها البشير. العديد من الجنوبيين الذين فروا من المنطقة التي مزقتها الحرب لم يشعروا أبداً بأنهم مرحب بهم، ولكنهم بقوا في الشمال مع ذلك، بدلًا من العودة إلى أرض متقلبة من القرى المحروقة والمقابر الجماعية. ولكن ذلك بدأ يتحول اليوم إلى نزوح جماعي قبل استفتاء حول الاستقلال في التاسع من يناير من المتوقع أن يقسِّم البلاد ويؤدي إلى نشوء دولة جديدة على خريطة شمال شرق أفريقيا. غير أن هناك تخوفاً مستمراً من أنه في حال اختار الجنوبيون الانفصال، فإن الشمال قد يسعى للانتقام من الجنوب، الذي يشكل نحو 80 في المئة من الإنتاج النفطي في بلد المليشيات وإراقة الدماء بين القبائل. فهذا الشهر، قال البشير إن الشمال سيقوم بتغيير "الدستور وإنه لن يكون ثمة حينها مجال للحديث عن التنوع والثقافة والإثنية. فالشريعة والإسلام سيصبحان المصدر الرئيسي للدستور". كما حذر عضو رفيع من حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم من أن الجنوبيين الذين سيبقون في الشمال سيجردون من الجنسية ويحرمون من الرعاية الصحية. وهو ما رد عليه زعيم قبلي من الجنوب بالتهديد بوقف تدفق مياه النيل قبل وصولها إلى عاصمة البلاد الشمالية الخرطوم. ويظل السؤال هو ما إن كان البشير، سيسمح للجنوب بالانفصال بشكل سلمي. وفي هذه الأثناء، تقدر الأمم المتحدة أن 50 ألف شخص على الأقل غادروا الشمال وعادوا إلى الجنوب من أجل المشاركة في الاستفتاء، علماً بأن عدد السكان الجنوبيين يقدر بـ9.7 مليون نسمة، من مجموع 41 مليون نسمة على صعيد البلاد كلها. والواقع أن ثمة من "الجنوبيين" من لا ينوي العودة إلى الجنوب؛ ذلك أن العديد منهم كيَّفوا أنفسهم على الحياة في الشمال؛ غير أن شاحنات محملة بالأغراض وحافلات مكتظة بالنساء والأطفال تعبر متثاقلة كل يوم منطقة الأهلة والمساجد وتدخل أرض الصلبان والأبراج. ويمكن الوقوف على الانقسام بين الشمال والجنوب في أكبر بلد أفريقي بمحاذاة الطرق الصحراوية التي تحولت إلى فوضى من نيران الطهي والعائلات النازحة على أطراف الخرطوم. فالجنوبيون يستطيعون رؤية ناطحات السحاب الجديدة للمدينة، ولكن الآلاف منهم لم يكملوا تعليمهم الثانوي وآلافاً أخرى منهم عاطلون عن العمل. أما الأشخاص المتقدمون في السن بما يكفي لتذكر صوت رشاشات المروحيات والجثث المتراكمة في الأدغال خلال الحرب الأهلية، فيعبرون المكان والغضب يملأ صدورهم . الآفاق ليست أفضل في الجنوب الفقير، ولكنهم على الأقل سيجدون ملاذاً لدى عائلاتهم وقبائلهم، كما يقولون. ويقول "وول أكيهي": "لقد وُلدت في الشمال ونشأت هنا؛ ولكن ليس لدينا منزل أو صنبور ماء أو كهرباء. الحكومة الشمالية تقول: "التنمية، التنمية"، ولكن ليس لدينا أي شيء. ليست لدي ّذكريات طيبة لآخذها معي". "بيرنابا جيمس" يعيش في الخرطوم منذ 16 عاماً؛ ولكنه لا يعرف كم عمره. وقد طلب من أحد الغرباء أن ينظر إلى وجهه ويخمن سنه إن استطاع. ويعتقد جيمس أنه كان يبلغ 11 عاماً عندما اندلع القتال في قريته وفصله عن والده. حينها، أخذه عمه إلى الشمال، ولكن الرجل المسن، وعلى غرار الكثيرين الذين فروا من الحرب، توفي قبل أن يتمكن من العودة إلى الديار. ويقول "جيمس"، متكئاً على حائط بمركز لتغذية الأطفال تديره جمعية "سينت فينسنت دي بول": "لقد قتله مرض ما لا أعرف ما هو. وقد مكثتُ في هذا المكان لأنه لم يكن لديّ المال أو القوة للعودة". أما "جارنج دينج"، فقد وصل إلى الخرطوم بعد مقتل أبناء عمه. هو لم يكمل تعليمه الثانوي ولا يحب الطريقة التي تلمح بها الصحف هنا إلى أن الشماليين أعلى مرتبة وأكثر تفوقاً. وقد تزوج بفتاة من قبيلته قبل سنوات، ولكن زواجهما لم ولن يكتمل حتى يدفع دينج المهر، وهو عبارة عن قطعان ماشية؛ ولكنه لا يستطيع القيام بذلك حتى يعود إلى الجنوب. ويقول "دينج": "إن الصبر جميل"، مضيفا "إنني أحن إلى الوطن منذ 18 عاماً. فرغم أن المرء يفر من أرضه، إلا أنها لا تفارقه أبداً. أنظر من حولك: فكل هذا المكان لم يكن شيئا عندما أتينا إلى هنا، ولكننا بنينا هذه المدينة الصغيرة؛ وسيتعين علينا أن نعيد بناء حيواتنا في الجنوب بالطريقة نفسها". جيفري فليشمان - الخرطوم ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©