الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تشويش الحواس بين موهبة التحدي وإرادة الإبداع

تشويش الحواس بين موهبة التحدي وإرادة الإبداع
3 فبراير 2018 23:37
غالية خوجة (دبي) المواهب الإنسانية التي تتحدى النقص الجسدي، تؤكد لمن منحهم الله جسداً كاملاً، أن الإعاقة أخلاقية، روحية، وقلبية، وليست جسدية، لأن من يريد أن يضيف بعداً جمالياً للحياة يستطيع أن يحزم موهبته، وينثرها كما ينثر أحاسيسه الجوانية، ليستكشفها الآخر بدءاً من علماء النفس، مروراً بالمبدعين، وصولاً إلى العاديين، لتنتصر إرادة الإبداع معلنة (تشويش الحواس) كما تراءى يوماً الشاعر الفرنسي آرثر رامبو، لأن الحواس تستبدل وظائفها فنياً في النص الإبداعي على تنوع أجناسه وأشكاله، ومن الممكن أن يكون تشويش الحواس واقعياً، فيؤدي الفم وظيفة الكف، والقدم وظيفة اليد، والأذن وظيفة العين، مؤكدة حكمة الشاعر بشار بن برد (والأذن تعشق قبل العين أحياناً). يشعر كل إنسان يرى مثل هذه الأعمال الفنية، كيف تنضفر الروح مع كل حركة لونية، وهي تعدّ أنفاس أصحاب الهمم الذين رسموها، متسائلاً: كيف يستطيع الإنسان أن يرسم بلا ذراعين، ولا بصر، وربما بلا أطرافه الأربعة، وكيف يتغلب على مرض التوحد، وكوارث الحياة التي قد تفقده عضواً أو أكثر من أعضائه الفيزيقية؟ هنا مجموعة من المواهب التي تجاوزت إعاقتها الجسدية، وحضرت بموهبتها في أعمال إبداعية، بعضها أخذ طريقه إلى المعرض، والبعض الآخر اكتفى بالتعبير عن وجوده في مواقع الإنترنت. من تلك المواهب، زولي سانجينو الكولومبية البالغة من العمر (26) عاماً، المولودة بلا أطراف، والتي تحدت ظروفها النفسية والاجتماعية، وبمساعدة والدتها، فاكتشفت أنها تستطيع التعبير عن نفسها بالريشة والألوان، فرسمت لوحات تحاكي الطبيعة من زهور وحيوانات وسماء وفصول، وجسدتْ أحلامها الراكضة بين رجل الثلج وشجرة الميلاد، جاعلة من اللوحة صورة تروي قصصها وتحديها لآلامها ومتابعتها لتعليمها، وتتشابك حالتها مع حالات أناس آخرين، منهم الطفلة الإنجليزية إيريس غريس (9) سنوات، التي تعاني مرض التوحد، واستطاعت أن ترسم منذ الثالثة من عمرها لوحات بموهبة إبداعية تفوح برائحة الطبيعة والموج وتدرجات الألوان وموسيقاها الانطباعية، وهذا ما نراه عبْر (60) لوحة ضمها كتاب مصور مع يومياتها من توثيق أمها أرابيلا كارتر جونسون. بينما يترك ديراج ساتافيلكار أحلامه على مجسماته الطينية التي يصنعها بقدميه، لتظلّ أثراً شاهداً على الإصرار الذي لا يريد أن يظل مخبوءاً، بل يجعله كتاباً بجميع اللغات، تدور نصوصه مع الطين وهو يدور ليتحول أشكالاً مختلفة ومتنوعة، واللافت أنه يرسم لكائناته في بعض الأحيان (4) أذرع، دلالة على استحضار ذراعيه من الوهم إلى الواقع، ودلالة على الرغبة في تجسيد المحبة. ولم يستسلم تومي هولنستين لإصابته في رقبته إثر حادث أليم، بل أصبح أكثر قوة وهو يرسم بعجلات كرسيّه المتحرك لوحات تفترش الألوان لتعكس معاني عديدة، تشير إلى مسارات متداخلة من الحياة والدروب والمفردات الملونة بمدارات التفاؤل. وتبدو لوحات الإماراتي عبد الله لطفي، إبداعاً يرسمها بنبضاته القائلة: (أهلاً دبي)، لنرى من خلالها كيف تشرق انعكاسات المكان في زمانه الذاتي الذي يتحول إلى لحظة مدهشة تمزج الذاكرة الإماراتية بمعالمها القديمة وشخوصها وكائناتها وعاداتها مع حاضرها المعاصر، فنسمع هطول الموسيقا من اللونين الأبيض والأسود. ويطل علينا الفنان الصيني (هوانغ غوفو) وهو يرسم بفمه ورجليه، لأن ذراعيه بُترتا بعد إصابته بصعق كهربائي وكان في الرابعة من عمره، وبدأ رحلته مع الرسم في سن (12)، ولم تتوقف حياته على الرسم في الشوارع وبيع لوحاته من أجل مواصلة الحياة وعلاج والده، بل احترف الفن، وهو الآن في (48) وما زال يبدع بآلامه لوحات جعلته نائباً لمتحف (شونغينغ) للمواهب الصاعدة في الصين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©