الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشتات العربي فرصة للترابط!

27 أغسطس 2012
يشكّل التوتّر بين محاولة البقاء مرتبطين مع وطنهم الأصلي ومحاولة الانخراط في ثقافة جديدة، بالنسبة للمهاجرين في الشتات العربي، الذين غادروا أوطانهم العربية إلى الغرب أو إلى مناطق أخرى، يشكّل تحدياً كبيراً. إلا أن جيلاً جديداً من الشباب المبدعين الأذكياء في الشتات العربي يجدون أساليب جديدة للتعامل مع ذلك الوضع المنقسم والمتوتر. وبدلاً من الاختيار بين ترك أوطانهم ليكونوا جزءاً من ثقافة جديدة أو رفض مجتمعهم الجديد للعودة إلى بلدهم الأصلي، يختار أفراد الشتات العربي أسلوباً جديداً: بناء جسور تسمح لهم بالمساهمة في كلا العالمين. ويعني ذلك إيجاد شبكات جديدة تربط وطنهم ودولهم المتبناه، أو الاستفادة من الطلب على المنتجات والخدمات من دولهم الأصلية في مجتمعاتهم. ومع نمو تقنيات الإعلام والاتصالات الحديثة ووسائل السفر والتنقل وأساليبه عالمياً، لم يعد أفراد الشتات بحاجة لترك أوطانهم للانخراط في مجتمعاتهم الجديدة، فهم يستطيعون، بدلاً من ذلك، أن يكونوا جزءاً من كلا البلدين أو الثقافتين، فيشجّعون التبادل بين كلا المجتمعين. من خلال عدم تركهم بلدهم الأصلي أو اختيار العودة، قاموا بـ"إعادة التفاوض على الروابط مع هويتهم في الشتات"، حسب قول أرجون أباندوري، عالم السكان الاجتماعي الثقافي. وتعني عملية إعادة التفاوض على هوية الشتات اعتناق واقع هوية معقدة تضم كلاً من "بلد الأصل" و"الوطن الجديد" والتأكيد على تلك الازدواجية، والانتقال للإجابة على أسئلة حول الاحتياجات المحددة لكل مجتمع في الشتات. لم تعد هذه الأسئلة وبشكل متزايد جدلاً نظرياً، وإنما فرصاً للأعمال. أفراد الشتات أصبحوا اليوم أكثر تنظيماً من السابق وبشكل واضح. لاشك أن تطور الاتصالات وتقنيات المعلومات للجماعات، يوفر الأدوات الضرورية لتزدهر كمجتمعات دينامية عابرة للقوميات. وقد أسّست مجموعات الشتات العربي بشكل خاص جذوراً جديدة قوية حول العالم. فهناك 1,7 مليون أميركي على الأقل من أصول عربية يعيشون في الولايات المتحدة، حسب مؤسسة المعهد العربي الأميركي. ويعكس أثرهم على الأسواق المحلية عالماً يتسامى عن الجغرافيا ويدعم هويات تتشكل نتيجة للثقافات المختلفة. ومن الأمثلة البارزة هادي خوري، الذي اخترع تطبيق "كيفك" للأفراد الذين يرغبون بتعلّم اللغة العربية باللهجة اللبنانية. خطرت الفكرة لهادي، وهو خبير أمن معلومات لبناني مقيم في باريس، عندما لاحظ أنه وعدد من المهاجرين مثله في فرنسا، يواجهون صعوبات في تعليم اللغة العربية لأبنائهم. كما أن الشعور المتنامي بالهوية كجزء من ثقافتين، يأخذ شكل شبكات تدعم النمو الاجتماعي في الدول الأصلية. فعلى سبيل المثال، يختار المهاجرون الذين أسّسوا أنفسهم في وادي السيليكون بأميركا الاستثمار في أصحاب الأعمال المبدعين في أوطانهم، ويساعدونهم ليتمكنوا من المنافسة على مستوى عالمي. وتساعد المنتجات والخدمات التي تتوجه إلى أسواق الشتات كذلك على ملء فراغ ثقافي في دولهم الجديدة، مُدخِلةً الثقافة اللبنانية إلى البرازيل أو الأطعمة المغربية إلى كندا، على سبيل المثال. وتسمح فرص الأعمال هذه للشتات بالمساهمة في بلادهم الجديدة، مما يؤكد على أنهم لم يعودوا غرباء عنها. وهي كذلك تثري المدينة عندما يكتشف سكانها طعاماً وموسيقى أو أفكار ثقافات أخرى. كل ما يحتاجه الأمر أحياناً هو مطعم لبناني أو متجر ألبسة أردني. ويشكّل الشتات اليوم مكوناً بارزاً وملحوظاً على الساحة العالمية، وقوة تغيير بدأت تظهر، وهذا نتيجة مباشرة للترابط الإنساني المتزايد والتبادل بين الثقافات. ليست هذه الظاهرة بجديدة، لكنها تؤثر اليوم على المزيد من الناس، أكثر من أي وقت مضى. ورغم التطلع للعودة، والذي يمكن أن يستمر عبر أجيال عديدة، والارتباط القوي لبعض المهاجرين بجذورهم، فمن الواضح أن مستقبل هؤلاء الذين يعيشون في الشتات لن يكون الاختيار بين دولة أو أخرى، وإنما الاستمرار بأن يكونوا جزءاً من ثقافتين. وهكذا تساهم جماعات المهاجرين هؤلاء في دولهم الأصلية، وتشارك في تطور المجتمعات حيثما كانت، مما يخلق روابط تحولية ينتهي الأمر معها بإنعاش العالم ككل. ندى عقل صحفية مستقلة في بيروت ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©