الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عابرة سبيل

22 يناير 2011 23:43
بقلم مريم جمعة فرج قاصة من الإمارات وكأنك كنت تتوسدين القمر وتلتحفين السماء وكأن سريرك كان “منامة” صيفية. كنت تراقبين النجوم المشغولة في طقوسها الليلية. وكانت أكثرها تلألؤًا. وكأنك اخترت أن تشاغبي تلك النجمة فسألتها.. من تكون المرأة ؟ وكأنها أجابت بنبرة حانية بددت سكون الليل: عابرة سبيل ! كأنك ضحكت لا ... أنت أمي. أجابت، لا أنا عابرة سبيل. استغربت، هل تتحول الأمهات في الليل إلى عابرات سبيل لمجرد أنهن يخلعن البرقع، فتظهر وجوههن الحقيقية التي لايراها الناس؟ العيون التي لايراها الناس، والشفاه النيلية التي لايرونها والأصوات الهامسة التي لايسمعونها، والحكايات التي لم يسمعوا بها. وكأنك سألتها.. وما تلك بيدك ؟ كأنها نظرت إلى صرة تضعها تحت رأسها كل ليلة. وكأنما أعدت: من أين لك هذا “الصرار” ؟ قالت من سوق الجنة.. ثم لوحت بيدها فسمعت رنين “الحيول” ، الذهبية الباهتة، فتحولت الغيوم الريشية البعيدة، إلى ما يشبه الكائنات الذهبية وبدت كأنما تفوح منها رائحة تنعش الخيال. كأنك احتفيت باللحظة، فسبحت في الصمت وأبصرت تفاصيل كثيرة تفتق عنها باب السماء، يا الله، وبعدها أمسكت بتلابيب هالات ضوئية واحدة تلو الأخرى ثم استشعرتها. كأن النجمة عابرة السبيل أخذت تضيء السماء أكثر لتصبح كالشاشة العملاقة، فتحتويك، وتسبحي، تطيري، تحلقي في ملكوت آخر. يا الله، خراريف كثيرة، من أيها نبدأ ؟ سألت العابرة، كلها حلوة وممتعة. صلي على النبي قالت. وكأنك توهمت صوتاً، وأبصرت شيئاً يشبه السمكة ولا تشبهها. وكأن عابرة السبيل قالت لك... هذه البديحة . البديحة التي حققت أمنية الفتاة اليتيمة “حمدة “ وأبعدت عنها الظلم. وعندما امتد بصرك كأنما تراءى لك البحر والصيادون والعبرات الخشبية الصغيرة وكأنها أي العابرة قالت إن “ بودرياه” يمر من هنا أحياناً فاحذريه! وذات ليلة كما لو أنك أبصرت صهوة. وكأنك تساْلت: ما هذه؟ وكأن العابرة قالت لك بصوت عالٍ منتشٍ... ألا تعرفين! هذه صهوة الأدهم، خيل عنتر بن شداد. عنتر قال له شداد “ كر وأنت حر” فركب فرسه الأدهم وقاتل من أجل الحرية. شهقت، يا الله، البديحة وعنتر هؤلاء ناس مثلنا؟ قالت عابرة السبيل: هؤلاء “مشبهون” علينا، يشبهوننا ولا يشبهوننا، مشبهون على الدنيا وما يجري فيها وعنتر “تراه” مثلنا. ضحكتما يوم قالت لك إنها شاهدته في السينما. وكأنك تذكرت يومها أنها قالت لك إنك كبرت، وبدأت تسألين عن كل شئ، فما هي حكايتك ؟ كأنك أريتها ورقة وقلماً من عندك. كأنها سألت: ما كتبت؟ كأنك قلت: حفظت كل القصص التي سمعتها منك في هذه الأوراق. كأنما استراحت. وكأنك أردتها أن ترتاح فقلت لها لحظة، نامي على صوت فيروز .. كأنها استفسرت: من هي فيروز ؟ كأنك قلت لها إنها سفيرة النجوم إلى الأرض. وإنها حقيقية. كأنها أحبت غناءها فقالت: ارفعي صوت المذياع ! ومعاً غفيتما وهي في الليل تقول “ورد وحكي وأشعار “ كأنك، غفوت، نمت، وكأنك استيقظت ثم ناديت عابرة السبيل حتى انبح صوتك. كأنك سمعت نفس الصوت، صوتك يردد: غفر لك الله ياأمي ورحمك، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©