الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رواسب الماضي

رواسب الماضي
4 مارس 2009 00:23
يخرج الإنسان من بيئة مظلمة دافئة لا أحد فيها سواه، إلى عالم واسع يحوي الملايين من البشر والأحداث والأشياء، يولد كالورقة البيضاء لا يعي شيئاً عن الدنيا، فيبدأ بصورة طبيعية في استقبال المدركات الحسية، ويسجل كل ما يسمعه ويراه ويشعر به من خلال تأملاته وتعامله مع البيئة التي يعيش فيها، فيتأثر عنده الإدراك والمفاهيم والمنطق بدرجات متفاوتة، ويبنى سلوكه وتصرفاته وردات أفعاله على ذلك، فما يركز عليه ويفكر ويشعر به يعمل على برمجة عقله الباطن إما إيجاباً أو سلباً، بناءً على زاوية الأخذ ومنطق الفهم والاستيعاب عنده، فالشخص الذي يخاف من الأماكن المظلمة؛ فإن هذا الخوف غالباً ما يكون له سبب في الماضي في سن الطفولة، كأن يكون قد حبس في مكان مظلم، أو أخافه شخص من الظلام، ولكون ذلك الموقف كان صعباً عليه في ذلك الزمن فإنه لايزال في عقله الباطن بصورة قوية ممزوجة بالمشاعر السلبية، وعندما يتذكر الإنسان ذلك الموقف لسبب أو لآخر ومن فترة لأخرى فإن هذا الأمر يعزز من ثبات ذلك الموقف ومشاعر الخوف في الذاكرة، وهكذا تتكون عقدة الخوف من الأماكن المظلمة، فلكل منا تجاربه الخاصة، وخبراته المتنوعة السلبية والإيجابية، المفرحة والمحزنة، وما يؤثر سلباً على نفسياتنا دون أن ندرك هو ما تحمله عقولنا من ملفات وسجلات ماضية متعلقة بالجوانب المظلمة في حياتنا التي كثير منا لا يحب ذكرها أو تذكرها أو التفكير بها، ويتمنى لو لم تكن في سجل حياته أصلاً، ولكنها الحقيقة التي لا مفر منها هي أنها باقية ما بقي الإنسان عائشاً يُكابد في الدنيا، فسبحان القائل جل وعلا: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)(البلد:4)· إن الحياة حلوة ومرة، نختار منها الحلو ونجبر في بعض الأوقات على قبول المر ونتجرع العلقم لتسير الحياة، والمسألة المهمة في الأمر هي مقاومة تلك الموجات السلبية التي يخرجها لنا العقل الباطن من وقت لآخر فجأة ودون سابق إنذار، فتجرنا للأحاسيس المؤلمة فنغوص في مآسينا، فبعضنا يكتئب وبعضنا يبكي، وبعضنا يتحسر ويتألم· في إحدى الجلسات الاستشارية طلبتُ من سيدة تبلغ من العمر 48 سنة أن تتذكر بعض المواقف المؤلمة التي مرت عليها في حياتها لمعرفة جذور مشكلتها النفسية، فتذكرت موقفاً في المرحلة الابتدائية عندما عاقبتها المدرسة من دون سبب بأن جعلتها تقف أمام الطالبات طوال الحصة مع أنها كانت مجتهدة، وبينما هي تتذكر وتصف لي المشهد أخذت تبكي بحرقة وألم، والسؤال المهم هنا هو: هل أنست السنوات هذه السيدة ذلك الموقف؟ وهل أنست الحياة غيرها من بني البشر ما ألمّ بهم من مخاوف وآلام وعقد نفسية؟ هل تعرف سبب عدم نسيانها؟ السبب هو أنهم لم يجعلوا من الماضي خبرة تفيدهم لمستقبلهم، فقد جعلوه مستودع آلامهم وأحزانهم وهمومهم مع أن في ماضيهم مواقف جميلة· فماذا أنت فاعل بمستودعك ياترى؟ الدكتور/ عبداللطيف العزعزي dralazazi@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©