الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليبيا: شمس التفاؤل تُشرق من جديد

8 سبتمبر 2011 00:38
أكوام من النفايات متراكمة في الشوارع، ورفوف بعض المحلات تعاني من نقص واضح في المواد الغذائية، فيما إمدادات المياه قليلة، والمواجهات لم تنته بعد، ولكن على رغم كل هذه المشكلات يطغى شعور عام بالتفاؤل في أوساط الليبيين بالعاصمة طرابلس وتسود ثقة كبيرة بالإمكانات التي يحملها المستقبل، وذلك بعد أسبوعين على تحرير العاصمة من نظام القذافي وفترة حكمه المزمنة. وهذا التفاؤل يعبر عنه "شعبان الفيتوري"، المهندس البالغ من العمر 54 عاماً الذي كان يتهيأ لشراء السمك من ميناء طرابلس، حيث يقول: "اليوم لدينا فرصة سانحة للقيام بشيء مفيد لبلدنا، فلمدة طويلة بقينا خاضعين للاستبداد". ومع أن الصعوبات التي يواجهها الليبيون في مرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي جسيمة ومتعددة، لاسيما في ظل مخاوف من اندلاع خلافات ونشوب انقسامات في جسم الثوار، إلا أن شعوراً إيجابيّاً ينتاب معظم سكان طرابلس بعدما تخلص السكان أخيراً من عبء نفسي ثقيل جثم على قلوبهم لعقود مديدة وحال دون انعتاق البلاد، وحرم سكانها على رغم إمكاناتها الهائلة. وفي هذا السياق يأمل أهالي طرابلس أن تختفي الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود، وأن تعود مياه الشرب قريباً إلى الحنفيات في بيوتهم، وكذلك يتطلعون إلى رؤية الجهات البلدية تستأنف عملية جمع القمامة المنتشرة حاليّاً في الشوارع. ومع أن الحياة ما زالت صعبة بالنسبة للعديد من الليبيين إلا أن انتظارات المواطنين أصبحت عريضة، وأملهم في مستقبل أفضل يبدو كبيراً، ففي رأي العديد من السكان زالت الآن العقبة الأساسية التي أعاقت تطور ليبيا طيلة الفترة السابقة والمتمثلة في نظام القذافي. وعن هذا الشعور الإيجابي إزاء مستقبل ليبيا المشرق يقول "أحمد عمري"، الذي ولد في لندن لأبوين ليبيين وقرر المجيء إلى وطنه للمشاركة في الثورة: "إنه أفضل شعور يخالجني، إنني لا أدري ماذا يحدث هناك في لندن حيث تركت عائلتي وأصدقائي واهتماماتي، بل لم أفتح صفحتي على الفيسبوك لشهور ومع ذلك لا أبالي، كل ما أهتم به في هذه المرحلة هو مستقبل بلادي ليبيا". وفيما كان "عمري" يبث شعوره إلينا كانت أصوات الأعيرة النارية تنطلق في السماء تعبيراً عن فرحة الثوار وابتهاجهم المتواصل بالنصر الكبير الذي تحقق في طرابلس. وعلى رغم اختلاف آراء الليبيين الذين توجهنا إليهم بالسؤال حول ليبيا التي يريدونها واختلاف أجوبتهم، إلا أنهم جميعاً متفقون على ضرورة بناء دولة مغايرة تماماً لما أقامه القذافي على مدى سنوات حكمه، فهم يصرون على أهمية ضمان حرية التعبير وتقويض ممارسات الدولة البوليسية وتحكم ما يسمى "اللجان الثورية" في رقاب الناس، فضلاً عن انتهاج سياسة خارجية محترمة تعيد البلاد كفاعل مسؤول على الساحة الدولية بعيداً عن تقلبات القذافي التي أحرجت ليبيا في العالم وجعلتها بلداً غرائبيّاً في نظر العديد من المراقبين. والأهم من ذلك يتطلع الليبيون إلى تغيير النظام التعليمي بعد أن أثقل كاهله النظام السابق بتركيزه المفرط على "الكتاب الأخضر" الذي فرضه كمنهج دراسي. ويوضح هذا التطلع "الفيتوري" بقوله "لقد دمر القذافي نظامنا التعليمي"، مضيفاً إلى ذلك "انظر أيضاً إلى طرابلس كيف تحولت إلى مدينة متداعية، وحتى أفضل الشواطئ حُجزت لأبناء القذافي". وقد تركت المشاهد التي بثتها شاشات التلفزيون وكشفها الثوار عن مقرات باذخة كان يعيش فيها القذافي وأبناؤه وقعاً كبيراً على الليبيين، ولاسيما أن القذافي كان يكرر على مسامع المواطنين أنه يعيش في الخيمة وأن حياته أقرب إلى معيشة البدو المتقشفة، وهو طبعاً ما يتناقض مع كل الصور التي أظهرت بيوتاً فخمة مخصصة للقذافي وأسرته. ويبدو أن الليبيين الذين فرض عليهم القذافي توجهاته دون مناقشة يتجهون إلى تغيير ذلك، وهم في البداية يريدون الإطاحة بالأيديولوجية الخاصة التي ضمنها "الكتاب الأخضر" كما يعتزمون رسم ملامح جديدة لسياسة بلادهم الخارجية، إذ في الوقت الذي مال فيه القذافي ونظامه نحو أفريقيا -التي جلب منها المرتزقة للدفاع عنه في الأيام الأخيرة لحكمه- يود الثوار نسج علاقات طبيعية مع الجيران ومع الغرب. وعلى رغم تعويلهم على الثروة النفطية للبلاد لاستئناف الدورة الاقتصادية ووضع ليبيا على خريطة العالم يؤكد معظم الخبراء أن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل عودة التصدير مجدداً إلى المستويات التي كانت قبل الثورة، هذا ولم تخفِ طبقة التجار رغبتها في فتح صفحة جديدة من العمل والنشاط التجاري في ظل ليبيا الجديدة بعد المضايقات التي كانوا يتعرضون لها من قبل نظام لا ينظر بعين الرضا إلى القطاع الخاص. وكانت الشركات الأساسية والعقود الكبرى تخصص لأبناء القذافي وقلة قليلة من المستفيدين. وهذه المضايقات يشير إليها "أحمد حلبية"، الذي يعمل في صيد السمك وبيعه في ميناء طرابلس حيث يقول: "كنت أتعرض لمضايقات كثيرة فقط بسبب بيع السمك، وكان بعض صغار المسؤولين يطلبون حصتهم من السمك لتسهيل البيع". وفيما يحذر مراقبون من حالة عدم اليقين التي تغشى الأوضاع في ليبيا مع تواتر معلومات عن احتمال انقسامات في الرأي قد تظهر في صفوف الثوار، وعدم وجود مؤسسات قوية للدولة تساهم في تأمين عملية الانتقال إلى نظام جديد، فضلاً عن استمرار القذافي في الاختباء، يرى بعض آخر أن كل تلك التحديات بسيطة عموماً مقارنة بالإنجاز الكبير الذي حققه الليبيون عندما نجحوا في إسقاط نظام ما كان له أن يتنحى، أو يسمح بتغير الأمور إلى الأفضل تحقيقاً لتطلعات الليبيين. باتريك ماكدونال - طرابلس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©