السويس.. معقل المقاومة الشعبية و«السمسمية»

للسويس مكانة خاصة لدى المصريين، ارتبط اسمها بالتحديات عبر العصور، ففي العصر الفرعوني اتخذ منها فرعون مصر قاعدة لعملياته الحربية لتأمين مناجم سيناء ولردع الغزاة واطلق عليها اسم «سيكوت» في عام 2563 ق. م، ثم «يوسويتس» واثناء حكم الاغريق اطلق عليها اسم «هيروبوليس» أي مدينة الابطال وعندما حكمت كليوباترا أطلقت عليها اسم «كليوباتريس» كما مرت بها العائلة المقدسة في طريقها الى منف. واشتهرت السويس باسمها القديم «قلزم» الذي أطلقه عليها الرومان، وعندما فتح العرب مصر غيروا الاسم إلى «القلزم»، وظلت تحمل هذا الاسم حتى القرن 19 الميلادي، وأطلق عليها خماروية بن أحمد بن طولون اسم «السويس»، وقبل 155 عاماً، وتحديداً في 25 أبريل من العام 1859 شهدت المدينة بدء حفر قناة السويس، وشارك فيه مليون مصري مات منهم 100 ألف مما مثل تحدياً كبيراً حتى افتتحت القناة بعد عشر سنوات في 17 نوفمبر 1869، وأصبح بعدها للمدينة أهمية تجارية وسياحية وصناعية عالمية. خاضت السويس كل حروب مصر الحديثة بدءاً من صد العدوان الثلاثي في العام 1956 وحرب العام 1967 ثم صمودها أمام القوات الإسرائيلية في العام 1973 التي حاولت احتلال المدينة من الزيتية والجناين والمثلث، وفي يوم 24 أكتوبر تصدت المقاومة الشعبية بفدائية رغم قصف الطائرات والمدفعية الثقيلة، واعتبر هذا اليوم عيداً قومياً للمدينة. التهجير عقب حرب 1967 عانى أهالي مدن القناة عموماً من التهجير للمحافظات الأخرى عندما صدر القرار بإفساح المجال للقوات المسلحة للمواجهة مع العدو الإسرائيلي، وكان لابد من تخفيف الكثافة السكانية مع الاحتفاظ بالحد الأدنى لموظفي وعمال الحكومة، وتحمل رجال المقاومة في هذه المدن، ومنها السويس عبء الدفاع عن المدن. ولعبت السمسمية دوراً مهماً في حرب الاستنزاف «1968-1970»، حيث كانت الأكثر تأثيراً في تأجيج المشاعر الوطنية والمقاومة، وهي آلة موسيقية شعبية منتشرة في السويس ومدن القناة، وأوتارها عبارة عن أسلاك من الصلب تُشد بشكل قوي على صندوق خشبي. تطور المدينة والسويس أنشئت عند الطرف الشمالي لخليج السويس، ففي العصر الفرعوني كانت هذه المدينة «سيكوت» ومحلها الآن «تل المسخوطة» على بعد 17 كم غرب الإسماعيلية، وعندما انحسرت مياه الخليج نحو الجنوب صارت «هيروبوليس» من دون ميناء علـى البحر الأحمر وفقدت صفتها التجارية وأهميتها الملاحية، ولكنها احتفظت بأهميتها الاستراتيجية كجزء من قلاع سور مصر الشرقي الذي يمتد إلى شمال سيناء وغزة. وأنشىء ميناء جديد على خليج السويس في العصر البطلمي يسمى «كليوباتريس» ناحية السيرابيوم شمال البحيرات المرة، التي انفصلت عن الخليج فنشأ ميناء البحر الأحمر الجديد، الذي سمي «كليزما»، وفي القرن العاشر الميلادي نشأت ضاحية جديدة جنوب القلزم سميت السويس، وضمت إليها القلزم القديمة، وأصبحت منذ ذلك الحين ميناء مصر على البحر الاحمر. والسويس أقرب نقطة من البحر الأحمر إلى النيل، وظلت مدينة صغيرة هادئة حتى القرن الـ 19 تربط حجاج مصر بالأراضي المقدسة، وكان عدد سكانها في العام 1860 بين3 و4 آلاف نسمة، وما إن حفرت قناة السويس حتى دخلت المدينة عهداً جديداً. وكانت السويس تعاني ندرة المياه العذبة، حيث كان الماء ينقل إليها على ظهور الجمال من عيون موسى على بعد 16 كم، وأنشيء خط السكك الحديدية بينها وبين القاهرة وتولت الحكومة نقل الماء من القاهرة في صهاريج، وفي السنوات الأربع الأولى من حفر قناة السويس تعثرت هذه العمليات، ورأت الشركة أن تبدأ شق ترعة السويس العذبة أولاً وسميت «ترعة الإسماعيلية» لتخرج من النيل مباشرة عند «بولاق» على بعد 7 كم. وتحولت السويس في العصر الإسلامي إلى مركز اقتصادي وتجاري مهم بعد اكتشاف الثروات المعدنية كالذهب والزمرد، وكذلك أشجار السنط التي اهتم بها صلاح الدين الإيوبي لأهمية أخشابها في بناء السفن، وكانت هذه الصناعة إحدى أكبر الصناعات، التي عرفتها مصر وازدهرت في ثلاثة مراكز، هي الروضة والإسكندرية إضافة إلى السويس. الطابع المملوكي وتتكون السويس من عدة أحياء، أهمها حي السويس الذي يجمع بين الأصالة والتحديث، وهو نموذج للحي الحضاري وتتركز به معظم المصالح الحكومية، وبه 10 في المئة من سكان المحافظة، وتمتاز السويس القديمة بشوارعها الضيقة ومبانيها ذات الطابع المملوكي، ويضم الحي مدينة بورتوفيق المطلة على المدخل الجنوبي للقناة، وتعتبر من أرقى المناطق، وكان لإنشاء ميناء بورتوفيق الفضل في نهضة السويس، حيث بدأت تستقبل السفن العملاقة. وحي عتاقة هو الحي الصناعي وتم إنشاؤه في أغسطس العام 2013، وتتركز به الشركات الصناعية، وحي الأربعين من أكبر الأحياء وله طابع شعبي، وتبلغ نسبة السكان به 47 في المئة من سكان المدينة، ويوجد به أقدم مسجد، وهو مسجد «سيدي عبدالله الأربعين»، وبه مناطق سياحية تميزه من أبرزها مقابر الكومنولث واليوغسلاف، وحي الجناين ويضم 8 قرى وتم إنشاؤه في العام 1987، وله طابع ريفي، ويتخلله الممر المائي للقناة وترعة الإسماعيلية وخط السكة الحديد الواصل للإسماعيلية ونفق الشهيد أحمد حمدي، الذي يربطه بسيناء، وحي فيصل ومساحته 26 في المئة، ويضم عدداً من المدن الجديدة بالإضافة إلى المجتمعات الزراعية. مركز صناعي عالمي تدخل مدينة السويس مرحلة جديدة من التاريخ والنمو والازدهار، فمع الانتهاء من مشروع إنشاء قناة السويس الجديدة والموازية للأصلية، ستتحول منطقة القناة من مجرد معبر تجاري إلى مركز صناعي ولوجستي عالمي لإمداد وتمويل النقل والتجارة، وتتضمن خطة التنمية 42 مشروعاً سينفذ 60 في المـئة بمحافظة السويس، ومنها: إنشاء ثلاثة طرق جديدة لخدمة سيارات النقل ولربط نفق الشهيد أحمد حمدي ومنطقة رأس سدر بسيناء وطريق بالعين السخنة يخترق جبل الجلالة وهو مواز لطريق بورتو الحالي. العين السخنة تبعد عن القاهرة 140 كم وهي أقرب منتجعات البحر الأحمر إلى العاصمة، وتقع العين السخنة على خليج السويس وتبعد 55 كم عن المدينة، وسميت بالعين السخنة لكثرة العيون الكبريتية الساخنة بها، وتستخدم للاستشفاء وشواطئها ذات رمال بيضاء ويوجد بها مناطق عدة وقرى سياحية تضم فنادق وشاليهات وتعد متنزهاً صيفياً وشتوياً وهي مفضلة للمصريين خاصة هواة رحلات اليوم الواحد وإن كانت نسبة الأجانب هي الغالبة.