الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السفاح امرأة

السفاح امرأة
8 سبتمبر 2011 22:36
كان الطفل في رعب وفزع وغير قادر على الكلام، ويبدو أنه تعرَّض لحادث جلل ولم يستطع أن يتفوه بكلمة واحدة واستغرق الشاب الذي قابله في الشارع، وقتاً إلى أن تمكن من الحصول على كلمات منه، لكنها كانت صادمة لا يكاد يصدقها، إذ قال إن أباه وأمه قتلا الآن من مجهولين، وانه هرب بعد الحادث فاصطحبه إلى قسم الشرطة ليتولى الضباط، الأمر والكشف عن الحقيقة، وكان لا بد من أخذ البلاغ على محمل الجد للوصول إلى مدى صحة ما قرره الصغير فانتقلوا على الفور ومعهم الطفل، حيث كان المسكن قريباً وعلى بعد دقائق معدودة. البناية جديدة ضخمة، ففي الطابق الواحد أكثر من ثماني شقق بارتفاع خمسة عشر طابقاً لم يشغل منها إلا القليل واستقلوا المصعد، حيث الطابق السابع الذي لم تكن فيه إلا ثلاث شقق مسكونة، لكن لا أحد يعرف جيرانه كعادة أهل المدن، فالجميع يؤثرون العزلة والسلامة ويتخوفون من بعضهم حتى لا يقعوا في مشاكل هم في غنى عنها. وفتح باب الشقة ووقعت عيونهم على المشهد المرعب الدماء متناثرة في أرضية الشقة وعلى الجدران والمفروشات وفي الصالة جثة الأب وبها إصابات واضح أنها من أثر طلقات نارية وملقاة على الأرض وفي غرفة النوم جثة الأم مقيدة في أحد المقاعد وبها نفس الإصابات تقريباً، وهناك بعثرة في كل محتويات الشقة خاصة خزانة الملابس في غرفة النوم الرئيسية مما يدل على أن الجريمة بهدف السرقة. وانتحى أحد الضباط بالابن الذي لم يكمل السادسة من عمره وقد أصبح في لحظة يتيماً بلا ذنب بعد أن راح أبواه بيد الغدر ليستمع منه عن كيفية وقوع الحادث ولم تتوقف دموعه وحاول أن يتماسك، لكن الموقف يغلبه ويواصل البكاء. قال: كنت أجلس مع أمي ودق جرس الباب فقامت أمي بفتحه ووجدنا امرأة متنقبة ورجلاً ملثماً يسألان عن أبي وبعدما أخبرتهما بأنه غير موجود قاما بدفعها داخل الشقة وإغلاق الباب وتقييدي بالحبال ووضع لاصق على فمي ثم اصطحبا أمي إلى غرفة النوم وسمعتهما يطلبان منها الأموال التي يحتفظ بها أبي فقالت لهما إنه لا توجد أي مبالغ في المنزل فقاما بضربها على رأسها وكررا السؤال وكررت الإجابة فقاما بإطلاق الرصاص عليها وأعتقد أنهما كانا يقومان ببعثرة المحتويات وبعد قليل حضر أبي وبمجرد دخوله كان الرجل يضع فوق رأسه مسدساً ويطلب منه الصمت، وإلا فإنه سيقتله وطلب منه أن يدله على المبالغ التي يحتفظ بها وفعلا معه مثل ما فعلا مع أمي وبعدما رفض أطلقا عليه الرصاص بعدها فقدت الوعي وبعدما أفقت وجدتهما قد فكا قيودي وهربا فخرجت إلى الشارع استنجد بالمارة. كشفت المعلومات عن أن القتيل قام بصرف مبلغ كبير من البنك في نفس اليوم وأنه توجه به إلى بيته وأن المتهمين ارتكبا الجريمة لسرقته وهذا ما يرجح أن يكون القاتلان على دراية بتحركاته ويعرفانه جيداً ولديهما عنه معلومات دقيقة وأن الجريمة وقعت في المساء وأن المتهمين تسللا من دون أن يراهما الناطور الذي كان موجوداً في غرفته في ذلك الوقت ولم يشعر أي من الجيران بشيء مما حدث ونفوا جميعاً علمهم بأي شيء لذلك لم تأت أقوالهم هم والناطور بأي معلومة تفيد في التحقيق أو التوصل إلى الجناة حتى الطفل شاهد العيان الوحيد لم يستطع أن يحدد ملامح الجناة لأن المرأة كانت متنقبة والرجل كان ملثما فلم يقف رجال الشرطة على أي دليل يمكن أن يشير إلى المتهمين أو حتى إلى أشخاص يمكن أن تحوم حولهم الشبهات. استمرت التحقيقات عدة أسابيع متواصلة شملت فحص علاقات القتيل المتشعبة بحكم عمله في التجارة وفي المقاولات وامتلاكه مخزناً لتوزيع أسطوانات البوتاجاز، فكان هؤلاء يقدرون بالمئات بخلاف الذين له بهم علاقات وتعاملات مالية وقد كانت دائرة الشبهات واسعة جداً إلا أنها لم تسفر عن دليل واحد يشير إلى مرتكبي الجريمة وفي النهاية قررت النيابة حفظ التحقيقات وقيد القضية مؤقتاً ضد مجهول. في منطقة أخرى شب حريق في شقة سكنية ولقيت الأرملة التي تقيم بمفردها مصرعها حرقاً، ولكن المفاجأة بعد أن خمدت النيران كشف رجال الأدلة الجنائية أن الحريق متعمد وأن المرأة ماتت قتيلة قبل أن تمسك النيران في جثتها، كما كشف الفحص والتحري عن سرقة أموالها ومجوهراتها مما يؤكد أن هناك جريمة مزدوجة، لكن بعد جهد جهيد لم يتم التوصل أيضاً إلى المتهم أو من وراء الجريمة خاصة وأن الضحية لم يكن لها أي علاقات بعد وفاة زوجها ولا يزورها إلا أقاربها الذين يأتون من مدينة بعيدة ولا تختلط بجيرانها حتى تتجنب القيل والقال رغم أن عمرها اقترب من الستين وكل ما أمكن التوصل إليه أن هناك مرأة متنقبة ورجلاً ملثما كانا في زيارتها قبيل الحادث وقيدت الجريمة ضد مجهول بعدما لم يتم التوصل إلى المتهم. بعد ستة أشهر وفي مكان آخر اختفى «صابر» عامل بسيط، لكنه غير مستقيم ولا أحد يعرف أين ذهب وليس بينه وبين أحد أي عداوة أو خلافات فالرجل لا يملك مالاً ولا جاهاً وعلاقاته بأشخاص على شاكلته يلتقي معهم على المقهى أو في العمل وأمثال هذا لا يهتم بهم أحد في الغالب، ولكن لا بد على الأقل من البحث الروتيني لإغلاق المحضر واتخاذ القرار المناسب والقانوني فيه وبدأ البحث الجنائي والاستقصاء عن علاقاته عسى أن يتم الوصول إلى مفتاح الجريمة وكان أول هؤلاء «رجاء» وهذا ليس اسمها الحقيقي ولا حتى اللقب وإنما اسم حركي لا أحد يعرف سبب انتحالها له وتم استدعاؤها لتدلي بأقوالها ومعلوماتها. قالت «رجاء» إنها كانت تعرف «صابر» لعدة سنوات وربطت بينهما علاقة عاطفية ووعدها بالزواج لكنه نكث بوعده وتركها ولم تعرف أين ذهب ولا تدري شيئاً عنه ولا عن الجريمة وفي نفس الوقت استنكرت سؤالها في شأن لا يخصها وحاولت أن تقنع المحقق بأنها لن تفرط في حقها وستلجأ إلى منظمات حقوق الإنسان، بل وستقيم دعوى قضائية تطالب فيها بتعويض كبير عن الأضرار التي أصابتها من هذه الشبهة التي جعلوها تحوم حولها، لكن عندما ألقى إليها بالمعلومة التي لديه ارتبكت وتصببت عرقاً ولم تسعفها قريحتها برد سريع بنفس الطريقة التي كانت تتحدث بها من طرف انفها حيث أكد لها أنها و»صابر» وكان معها شخص آخر قضوا يوم الجريمة مع بعضهم وتناولوا وجبة سمك جاهزة من أحد المطاعم ثم تنزهوا في إحدى الحدائق العامة فتلعثمت معللة ذلك بأنه لقاء عابر بعد قطيعة من جانبه لأنه عاد محاولاً أن يصالحها لتوافق على إعادة المياه إلى مجاريها ويفي بوعده ويتزوجها وأنها في النهاية طلبت منه مهلة لتفكر في الأمر. كان ضابط آخر يستمع لأقوال الرجل الذي كان معهما وقد أدلى بمعلومات مختلفة تؤكد كذب كل ما قالته «رجاء»، فقد قرر أنه تزوجها عرفياً منذ فترة بعد أن أوقعته في غرامها وكانت على علاقة بـ «صابر» الذي ظهر فجأة في حياته بعد انقطاع عدة أشهر متصلة، لكن كان لقاؤهما عاصفاً من دون أن يتدخل فيه أو يعرف أسبابه لأنها طلبت منه الابتعاد وأدرك أنها لا تريده أن يعرف أسباب خلافاتها معه، ولكن لأنه زوجها كان يسترق السمع حتى عرف انه يهددها بفضح علاقتهما الآثمة السابقة معه وأنه سيخبره بحقيقتها التي أخفتها عنه. وبحيلة بسيطة، تمكن الضابط من انتزاع اعترافات تفصيلية من «رجاء» وزوجها اللذين تبادلا الاتهامات. وقال الزوج المخدوع ان «رجاء» أوهمته بحبها له ودفعته إلى عالم الجريمة وأغوته بالمال وكشف عن المفاجآت الكبرى بأنهما وراء الجرائم الثلاث المجهولة، فهي المرأة التي ترتدي النقاب عند ارتكاب كل جريمة، وهو يضع اللثام على وجهه وهذا ما جعلهما ينجحان في ارتكاب الجرائم من دون أن يكتشف أمرهما، وأنهما كانا وراء قتل الزوجين أمام طفلهما بعد أن علما من أحد أصدقائه بأنه صرف شيكاً من البنك وتسللا من وراء ظهر الناطور الذي كان يقبع في غرفته وسرقا المبلغ بعد أن قتلا الزوجين وتركا طفلهما لأنه لم يتمكن من رؤية ملامحهما، وقتلا الأرملة وسرقا أموالها ومجوهراتها وأحرقا الشقة لإخفاء كل معالم الجريمة. وقال الزوج: أما «صابر»، فقد دفعتني لقتله؛ لأنه هدد بكشف زواجي منها عرفياً أمام زوجتي وأبنائي وبالتالي فإنه سيخرب بيتي، علاوة على أنه سيكشف علاقته الآثمة بها قبل زواجي منها ويلحق بنا الفضائح فأوهمته هي بأنها ستجد حلاً للموضوع بأن أقوم بتطليقها وتمزيق العقد العرفي وتعود إليه ليتزوجها، لكنها في الحقيقة لم تكن راغبة في العودة إليه وأن اعتقدت أننا بقتله سنتخلص من كل مشاكلنا وبالفعل بعد أن تناولنا الغداء دعته إلى المنزل للاتفاق ووضعت له مخدراً في الشاي ففقد الوعي وقمنا بقتله ودفنه في حفرة خرسانية. لم تستطع «رجاء» بعد هذه الاعترافات أن تنكر ما ارتكبته من جرائم، إلا أنها حاولت أن تجد لنفسها مبررات بأنها أصبحت سفاحة رغم أنفها وأن الظروف كانت أقوى منها فلم تكن تعتزم ارتكاب جرائم القتل وإنما كان هدفها السرقة وجمع المال الذي حرمت منه طوال حياتها وعاشت في فقر مدقع وبسببه تركت أسرتها وتشردت وأخيراً خسرت كل شيء.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©