الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أسعار الوقود في فنزويلا.. سلاح سياسي ذو حدين

25 نوفمبر 2006 01:19
يقود ''خيسوس فيفاس'' سيارة تاكسي تعود إلى أكثر من 26 سنة يعلو هيكلها الصدأ، وتصدر أصواتاً تدل أنها لم تزرْ الميكانيكي لفترة طويلة، ومع ذلك ما زالت السيارة المتهالكة التي يصر ''فيفاس'' على تسميتها بتاكسي تجوب شوارع العاصمة الفنزويلية كاراكاس دون أن يهتم لحالة السيارة· ويبدو أن الشيء الوحيد الذي مازال بحالة جيدة في السيارة هو جهاز الراديو الجديد الذي يصدح بالموسيقى الشعبية ويملأ الأجواء بالأهازيج اللاتينية· وكما قلنا لا يلقي ''فيفاس'' بالاً لحال السيارة، أو الفترة الطويلة التي يقضيها خلف مقودها وهو يلف شوارع المدينة ليل نهار ما دام سعر البنزين في فنزويلا لا يتعدى 17 سنتاً للجالون، بحيث يستطيع بأربعة دولارات فقط أن ينتقل إلى أي مكان داخل العاصمة· وبهذا السعر الزهيد يعتبر البنزين في فنزويلا الأرخص في العالم، وهو ما يؤكده ''فيفاس'' نفسه الذي يقول: ''إننا نتوفر على سعر بنزين معقول للغاية، ونحن سائقي التاكسي نستطيع أن نعمل طوال اليوم دون أن نهتم بالوقود''· ويعزى ذلك كما هو معروف لدى جميع الفنزويليين إلى الدعم الحكومي للوقود ومراقبة الأسعار، وهي سياسة راسخة في البلاد ترجع إلى عقود خلت وقد ساهمت في خلق انطباع لدى المواطنين بأن لهم حق طبيعي في الاستفادة من الخيرات البترولية التي تزخر بها بلادهم· وفي بلد يعرف استقطاباً حاداً بين حكومة الرئيس هوجو شافيز ومعارضة قوية، حيث نادراً ما يجد الطرفان قاسماً مشتركاً يتفقان حوله، لا أحد منهما يجرؤ على الاختلاف فيما يتعلق بأسعار الوقود· لذا تبقى سياسة الدولة بشأن أسعار الوقود ثابتة لا يطالها التغيير، إذ يجمع عليها سائقو الشاحنات ورجال الصناعة، فضلاً عن الطبقة المرفهة التي تقود السيارات الفارهة كثيرة الاستهلاك· وفي هذا الصدد تقول ''جابرييلا راميريز''، وهي محامية مؤيدة لهوجو شافيز وعضو في الجمعية الوطنية: ''إن فنزويلا كبلد نفطي مطالبة بتأمين الطاقة والحفاظ على أسعار منخفضة للبنزين''، مضيفة: ''إذا رفعت السعر بسنت واحد فإنك تؤثر على باقي القطاعات، حيث سيرتفع النقل العمومي ويعم الغلاء سائر البضائع والمنتجات''· بالإضافة إلى ذلك يتذكر الجميع في فنزويلا ماذا حدث عندما قررت الحكومة رفع أسعار البنزين سنة ،1989 ما أدى إلى انتفاضة شعبية خلفت المئات من القتلى· ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الثالث من شهر ديسمبر المقبل، التي من المنتظر أن يفوز بها هوجو شافيز، يلامس المرشحون كافة القضايا تقريباً من برامج الإعانة الموجهة إلى خارج البلاد وباهظة الثمن إلى ارتفاع معدلات الجريمة، لكن لا أحد يأتي على ذكر السعر المنخفض جداً للبنزين وإمكانية رفعه قليلاً· ورغم الارتياح الشعبي الواسع للسياسة الرسمية إزاء أسعار الوقود، فإن لها الكثير من السلبيات يأتي في مقدمتها استنزاف مليار دولار من عائدات الغاز والبترول بسبب دعم الدولة المستمر للأسعار، فضلاً عن إهدار خمسة مليارات أخرى تذهب في المساعدات الخارجية التي تقدمها فنزويلا إلى دول أميركا اللاتينية بدل بيع نفطها في السوق العالمية التي وصل فيها سعر البرميل الواحد 78 دولاراً خلال العام الجاري· ومن السلبيات الأخرى المترتبة عن الأسعار المنخفضة للوقود الاختناقات المرورية الكبيرة التي تعرفها شوارع مدينة ''كاراكاس''، حيث يقدر عدد السيارات التي تجوب شوارع المدينة بأكثر من مليوني سيارة· يضاف إلى ذلك أن الأسعار المنخفضة للبنزين تساهم في انتعاش تجارة تهريب الوقود إلى الدول المجاورة، وبخاصة إلى كولومبيا· ويؤكد المراقبون أن هذه السياسة تدور في حلقة مفرغة حيث تؤدي الأسعار المنخفضة للوقود إلى إقبال الفنزويليين المتعطشين للاستثمار على شراء المزيد من السيارات التي تحظى بقيمة كبيرة في البلاد على عكس ما هو سائد مثلاً في الولايات المتحدة· وهكذا تشير الإحصائيات إلى أنه خلال هذه السنة بيع أكثر من 320 ألف سيارة نظراً للإقبال الكبير للمواطنين على وضع أموالهم في السيارات باعتبارها استثمارات جيدة· وقد بدأت الأسعار المنخفضة للبنزين في فنزويلا ترمز لما يسمى بـ''لعنة النفط''، حيث تعتمد الدولة في مداخيلها على أموال سهلة، رغم التحذيرات التي يطلقها الأكاديميون من أن الاعتماد المتزايد على المداخيل النفطية يحول دون تنويع القاعدة الاقتصادية للبلد ويجعلها مرتهنة لتقلبات الأسعار في السوق العالمية· وحسب ''إيدي راميمريز'' المدير السابق في إحدى شركات النفط التابعة للدولة لا تؤدي السياسة النفطية الحالية سوى إلى إثقال كاهل الطبقات الفقيرة بأعباء إضافية لأنها لا تملك سيارات، وهو ما يصب في مصلحة الفئة الميسورة، لكن نادراً ما يتم التطرق إلى هذا الموضوع وكأنه من المحظورات· ويبدو أن الحكومة الفنزويلية التي كانت وراء إقناع منظمة الدول المصدرة للبترول بالالتزام بحصص إنتاج محدد للتحكم في أسعار الوقود ورفعه في الأسواق العالمية هي نفسها من أكثر الدول إدماناً على العائدات النفطية، لاسيما في ظل نسبة الاستثمارات الهزيلة التي تتدفق على فنزويلا· وتكد نصف القوى العاملة في البلاد في القطاع غير المهيكل، حيث يعيش العديد من المواطنين كباعة متجولين في الأسواق والشوارع· لكن مع الارتفاع النسبي لأسعار الوقود واعتماد الدولة على تصدير النفط الخام إلى الولايات المتحدة يزداد تدفق الأموال على فنزويلا· فقد تمكن القطاع الصناعي الفنزويلي من تصدير ما قيمته 48 مليار دولار من النفط خلال العام الجاري، وهو يتجاوز بثلاث مرات ما صدرته البلاد خلال السنة الرئاسية الأولى لشافيز· ولم يقتصر إنفاق الجزء الأكبر من تلك الأموال على البرامج الاجتماعية من تعليم وصحة وغيرها، بل تجاوز ذلك إلى تقديم مساعدات خارجية إلى دول الجوار سعياً وراء المزيد من النفوذ في المنطقة وقطع الطريق على نفوذ الولايات المتحدة· خوان فوريرو مراسل ''واشنطن بوست'' في كاراكاس ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©