الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليلة عمر هندية خليجية عربية

ليلة عمر هندية خليجية عربية
2 سبتمبر 2015 21:50
من أجل مستقبل تتوازن فيه الكفّتان، تأتي هذه المحاولة في استقراء التجليات الإبداعية للتبادل والتفاعل الإنساني والثقافي بين الخليج والهند، وحيث نراها تتوزع بين لقاء الذات والآخر في موطنه، ولقائه في موطن الذات. الآخر.. هنا من القصص القصيرة التي تصور هذا اللقاء في الإمارات العربية المتحدة، تأتي قصة إبراهيم مبارك (شتاء)، والتي تصور شخصية الهندي كومار الذي يكابد العزلة في محيط عمله وعيشه، إذ ما من رابطة تربطه بهذا المحيط إلا العمل. وتُعنى القصة بالبعد الروحي الوجداني لهذه الشخصية، وبالتالي للعمالة الهندية الوافدة، ويمكن القول: للعمالة الوافدة بعامة، بقدر ما هي إشعاعات الفن أكبر فأكبر، من مركز الدائرة – الذات إلى ما هو أعم وأشمل. وتجلو قصة إبراهيم مبارك السلبية في الذات وفي الآخر، فكومار لا يتفاعل مع المحيط، والمحيط يرميه بنظرة الارتياب. وقد تركزت القصة في افتقاد كومار لزوجته في الليالي الباردة، وبالتالي لنداء الجسد اللائب كنداء الروح اللائبة، فنقرأ: «يعود مكدوداً، وتظل كالنار تشعل الاحتراق بداخله. عندما تأوي لذاتك يوقظك صدى الذاكرة. تتجسد في اللاشعور الرغبة والاشتياق لحضن امرأة تغسل غربتك وتروض جموحك». لكن قصة ناصر الظاهري (اتهاد، كليج، بيان) تنحو منحى آخر. فشخصية عبد الرحمن بائع الجرائد والمجلات متفاعلة مع المحيط، والمحيط متفاعل معها، والإيجابية هي سمة التفاعل. فهذا الذي ينادي بأسماء الصحف الإماراتية (اتحاد، خليج، بيان)، من الفجر حتى الظهر واقفاً عند إشارات المرور، بات يعرف ما تريد كل سيارة، لكن النهاية المفجعة تنتظره إذ تدهسه سيارة. وفي (زلابيا) لناصر الظاهري أيضاً تومض هذه الصورة لتفاعل الفسيفساء البشرية والجنسيات العديدة، فنقرأ: «فترة العصر تكون الساحة المحيطة بدار السينما سوقاً مكتظاً بالناس، أشكال وأجناس، سراويل وعمائم، بناطيل وقمصان، كنادير وغتر، ملابس وألسن عديدة». من اللافت أن هذا التعبير القصصي عن اللقاء بالآخر الهندي في موطن الذات، قد جاء مبكراً منذ ثمانينات القرن الماضي، وتذهب الإشارة هنا إلى صورة الآخر كمربية للأطفال، كما قدمتها قصة ليلى أحمد (رائحة). وبالمضي قدماً إلى مطلع هذا القرن، يأتي التعبير الروائي عن وعي الذات والآخر، كما في رواية أمنيات سالم (حلم كزرقة البحر). فخال الراوية الذي يقوم مقام أبيها في غيابه يصطحبها معه في رحلة إلى الهند. لكن في ذكريات الراوية من طفولتها صورة سالبة للآخر الهندي، حيث نقرأ: «ذات ظهيرة والرمال الناعمة تشرب من الجو سخونته، أخرج لزيارة الصديقات المجتمعات عند آمنة.. ينادي هندي.. تعالي.. أجري خائفة.. يلحق بي.. يضع يده على عنقي باحثاً عن سلسلة ذهب.. لا يجد شيئاً.. يضربني وأفلت من يده مسرعة نحوهن. أبكي وأنا أجري، أسابق الريح الساكنة ذاك الوقت.. أصل لأخبرهن بما حدث.. تذهب إحداهن لتخبر الأولاد المجتمعين عند أول الطريق. نركض جميعاً بحثاً عن ذاك الرجل المجهول.. كل السكك خالية.. اختفى.. ننتظر عند دكان البقالة نتربص به.. أعود للبيت مرتعشة وخوف ما قد شلّ قدرتي عن إخبار أمي، التي ستمنعني من الخروج بعد أن علمت بالأمر». الآخر.. هناك ومن القصص القصيرة المبكرة التي تصور اللقاء بالآخر في موطنه، قصة إبراهيم مبارك (امرأة من الشرق). وقد قامت القصة على رحلة سياحية للراوي إلى الهند، مخلفاً عقده الصحراوية، كما يقول. وفي قرية هندية يلتقي بالفتاة (آم نون)، التي مات والدها، وآل إليها عبء إعالة إخوتها، فاضطرت إلى الانقياد إلى القوادة (آنو). وقد ركزت القصة على تعاطف الراوي مع البغي الضحية، لكنه بانتهاء الرحلة، خلّفها وراءه، وعاد إلى عقده الصحراوية، كما يقول. وفي المدونة القصصية الخليجية مثل ذلك كثير، حيث تحتشد المعلومات السياحية بانبهار: من يذكر رواية الإيطالي أنطونيو تابوكّي (ليالٍ هندية)، والتي تضارع الدليل السياحي لمدينة بومباي؟ شأن عربي هندي من فضل القول إنه إذا كان واقع وآفاق التبادل والتفاعل الإنساني شأناً خليجياً هندياً بامتياز، فالتبادل والتفاعل الثقافي وآفاقه، عدا عن أنه أيضاً شأن خليجي هندي بامتياز، هو شأن عربي هندي بامتياز. ولتبيّن ذلك أسوق الإشارات الأربع التالية: * الإشارة الأولى هي إلى كتاب طُبع على غلافه أنه «يُدعى عموماً أسمار ليالي العرب مما يتضمن الفكاهة ويورث الطرب – قد طبعه كاملاً مكملاً وليم جي مكناطن سكرتير الدولة الإنجليزية في الممالك الهندية». إنها (ألف ليلة وليلة) في الطبعة الأولى في كلكتا، والتي جاءت ناقصة في جزأين، أولهما صدر عام 1814 والثاني عام 1818، ثم جاءت كاملة في الطبعة الثانية في كلكتا بين 1839-1842، وكان لجمال الغيطاني والراحل خيري عبد الجواد الفضل في إصدار هذه الطبعة سنة 1995. وفي الهند إذن رأى النور هذا السِّفر الذي تغذى أيضاً من الهند، وهو السِّفر الذي لا تفتأ الثقافة الإنسانية تتغذى منه. * في عام 1872 صدرت رواية (دُرّ الصَّدَف في غرائب الصُّدف) لفرنسيس المراش (حلب – سورية). والمفصل الرئيس في الرواية يتصل بالهند، إذ تنجو زينب والطفل حبيب من الوباء الذي ضرب الزوراء (بغداد)، ويبحر الناجيان من البصرة إلى بومباي فيما يشبه مغامرة سندبادية من مغامرات (ألف ليلة وليلة). وكان سليم، عاشق زينب، قد هاجر إلى بومباي، عندما تزوجت من غيره. وفي بومباي عمل عند تاجر هندي وتزوج من هندية. وفي المصادفات الألف ليلية الساحرة، يلتقي أخيراً العاشقان ويتزوج حبيب من زينب الصغرى ابنة سليم من الهندية. وهكذا تأتي هذه الصورة الروائية الألف ليلي للتبادل – بل للتفاعل – الإنساني الهندي العربي. * وفي عام 1897، ظهرت منجّمة في جريدة الأهرام، روايةُ أمير الشعراء أحمد شوقي (عذراء الهند أو تمدن الفراعنة). وقد صدرت في العام نفسه ككتاب في الإسكندرية. وأعيد طبعها بإشراف وتقديم أحمد إبراهيم الهواري عام 2005 عن نسخة نادرة من مقتنيات مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي. لـ(ألف ليلة وليلة) أثرها الجلي في هذه الرواية، أيضاً. وقد أخذ جرجي زيدان على شوقي أنه أورد خبر غرائب المخلوقات في الهند كمن يعتقد حقيقتها. والواقع أن الحضور الروائي للآخر الهندي كان بفعل التخييل. وتبدأ الرواية بانتصار رمسيس على دهنش، وبالحب بين آشيم وعذراء الهند. ولأن العاشقة علمت بحقد أبيها على عاشقها وعلى المصريين، تقع في المرض، ويرسلها أبوها إلى جزيرة العذارى، لكن الشيخ طوس وابنه هاموس يسرقانها إلى حبيبها آشيم. وكما يليق بروايات المغامرات والمؤامرات، يبلغ الأمير آشيم والد حبيبته بخطفها، فيرسل وفداً هندياً إلى مصر. وفي ليلة قران العاشقين (عيد الدهر، بل ليلة العمر، لا بل هي العمر) يغتال الأمير ثرثر الأمير آشيم، فتنتحر عذراء الهند. * أما الإشارة الرابعة والأخيرة فهي إلى كتاب (سياحة في بلاد الهند الإنكليزية وكشمير) للرحالة الأمير المصري يوسف كمال، ابن إبراهيم باشا وحفيد محمد علي باشا. فمن هذه السياحة الرحلة عام 1913-1914، ترسم العين العربية العمران والبشر والطبيعة والآثار والعبادات والحيوانات، في بومباي وفي بنارس وفي أكرة ودلهي و.. ومن الكثير الذي يتصل بالتبادل الإنساني والثقافي، حسبي هذا الذي سجله يوسف كمال عن صلاة المسلمين، وصلاة الهندوس: «وقد رأينا زائراً هندياً جاء يصلي، ولو لم نعلم أين نحن لاعتقدنا أنه يصلي صلاة المسلمين للمشابهة بين الاثنتين في الركوع والسجود والقيام والوقوف ووضع اليدين على الصدر وغير ذلك، ماعدا السلام إلى الجانبين فليس من شروط صلاة الهندوس، وقد لاحظت أن كيفية الركوع واحدة، وكذا كيفية طبق اليدين عند الهندوس والبوذيين). غنى مأزوم من الكتاب إلى الحياة، يمضي سهم هذه الإشارات الأربع، وسهم ما تقدمها. فالأمر ليس تزجية في رحلة أو رواية أو ترجمة، بل هو الحياة التي يفتح الكتاب – الثقافة رحابها. ومن أسف أن الفاعلية العربية في هذا الصدد محدودة جداً إزاء الخزان الهندي (خمس البشرية)، كما هي محدودة جداً إزاء الخزان الصيني والشرق آسيوي بعامة. وإذا كانت الخزانة الثقافية العربية قد اغتنت خلال العقود القليلة الماضية بالكثير الهام من الفيض الثقافي الهندي، فقد ظل ذلك ضمن حدود الأزمة الثقافية العربية مما يزيد هذا الاغتناء تواضعاً. فإذا ما ذهب النظر إلى الاتجاه المعاكس، أي إلى ما يصل من الثقافة العربية إلى الثقافة الهندية، جبهنا القحط المريع. وهنا يمكن للخليج العربي أن يلعب دوراً مهماً. فإذا كان الأمر يتعلق بملايين الهنود في الخليج، فينبغي إذاً أن يتعلق بالآداب والعلوم والفنون والترجمة والسياحة والذهب والسدود والكمبيوتر وهومي بابا والبوذية والإسلام و.. والإبداع في التبادل الإنساني والثقافي. *** منذ عام 1989 قدم محمد عبد الله المطوع بحثه الموسوم (العمالة الوافدة – دراسة سوسيولوجية للقصة القصيرة في الإمارات)، جاء فيها:»ولنا أن نتساءل: هل نحن أمام ظاهرة تفاعل بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى؟ وهل ينتج عن ذلك تزاوج بين ثقافتنا العربية مع غيرها يؤدي إلى ثقافة جديدة، وبالتالي يولد مجتمع جديد تمتزج فيه كل التناقضات؟». إن الأنموذج الهندي لَيُخاطب بقوة وعميقاً المستقبل الخليجي والعربي والإنساني، بما يتوفر عليه من التفاعل الخصيب للفسيفساء الأقوامية والدينية واللغوية والثقافية، وكذلك بما يتوفر عليه من السلمية، ومن التقدم العلمي، فإلى عيد الدهر، إلى ليلة العمر الهندية الخليجية العربية، التي ستبدل رواية أحمد شوقي تبديلاً. يتعلق سؤال العلاقات الخليجية الهندية، ومنه سؤال العلاقات العربية الهندية، بوعي الذات والآخر، كجزء من السؤال الكبير والأكبر المتعلق بوعي الذات والعالم، وهو السؤال المتجدد منذ الفجر الحضاري للاجتماع البشري في السلم وفي الحرب، في الاقتصاد والفكر والفن والآداب و... ولقد كان الرجحان في تجليات ذلك لكفة أوروبا على حساب كفة الشرق، وفي صدارته الهند عذراء الهند «عذراء الهند» رواية للشاعر الراحل أحمد شوقي كتبها عام 1897، ونشرها متسلسلة في «الأهرام» ثم أصدرها في الإسكندرية آخر العام ذاته. وتقدم الرواية الهند بشكل غرائبي، حيث يحضر فيها الجن والسحرة والعفاريت بكثرة، ويرى باحثون أن شوقي مارس الإسقاط السياسي من خلال اللجوء إلى التاريخ، فهو سعى إلى إسقاط الواقع المصري على الماضي الفرعوني البعيد، لمواجهة الاحتلال البريطاني لمصر العام 1882 الذي نال من الكبرياء المصرية. ومن خلال بطله (رمسيس الثاني) وابنه (آشيم) صاغ حكاية عذراء الهند، ابنة الملك دهنش ملك ملوك الهند، وكان والدها جعلها «مولاة على مئة عذراء» في إحدى الجزر. وكان على آشيم أن يتعرف إليها خلال الحملة الكبرى التي يقودها رمسيس لإخماد الثورة في تلك الديار، فيقعان في الحب. لكن الحب لم يلبث أن تحول مأساة، فآشيم سيموت بطريقة غريبة وعذراء الهند ترمي بنفسها في الماء. قبول الآخر في رحلته المبكرة إلى الهند: «سياحة في بلاد الهند الإنجليزية وكشمير» يسجل الرحالة الأمير المصري يوسف كمال عن صلاة المسلمين وصلاة الهندوس التالي: «وقد رأينا زائراً هندياً جاء يصلي، ولو لم نعلم أين نحن لاعتقدنا أنه يصلي صلاة المسلمين للمشابهة بين الاثنتين في الركوع والسجود والقيام والوقوف ووضع اليدين على الصدر وغير ذلك، ماعدا السلام إلى الجانبين فليس من شروط صلاة الهندوس، وقد لاحظت أن كيفية الركوع واحدة، وكذا كيفية طبق اليدين عند الهندوس والبوذيين).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©